صراع احتكاري لاإنساني, وصورة من صور الرأسمالية

صراع احتكاري لاإنساني, وصورة من صور الرأسمالية

الخبر:

اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في مكتبه بالبيت الأبيض بمجموعة من العلماء والخبراء الطبيين الذين يعملون على تطوير لقاح لفيروس كورونا (كوفيد – 19). وكان من بين هؤلاء دانيال مانشيلا، رجل أمريكي ومدير عام شركة “كور فاك” الألمانية.

التعليق:

أولا: لقد سبق أن نشرت شركة “بي دبليو سي” للخدمات الاستشارية والمراجعة الاقتصاديّة، دراسة أفادت أنّ شركات صناعة العقاقير تعاني عالميّاً من سمعة سيئة. وحسب الدراسة المنشورة، فإنّ 73٪ من الألمان، يرون أنّ قطاع الأدوية حريص فقط على تحقيق مصالحه، على حساب صناديق التأمين (الاجتماعي). ويقول أحدهم مثلا “إذا كان لديك دواء بقيمة 100 دولار لدورة واحدة من العلاج، وأنت تعرف أنك تستطيع أن تفرض سعرا مقداره 100 ألف دولار…، ما الذي يمنعك من فرض السعر مستغلا حاجة الإنسانية؟!” والأدهى والأمر أنهم لا ينتجون العلاج بل عقارا لمعالجة الآثار وليس علاج المرض من أجل إطالة أمد العلاج وتحقيق الربح.

ثانيا: إن براءة الاختراع هي إحدى أدوات الرأسمالية المستخدمة في ذبح الفقراء، وذلك في القطاع الأكثر حساسية والأهم بالنسبة لحياة البشر؛ إذ تخضع صناعة الأدوية كغيرها من الصناعات لمنطق الربح، والسيطرة المطلقة من شركات الأدوية العابرة للقارات، فتسعى هذه الشركات لتعظيم أرباحها بكل الوسائل الممكنة، سواء أكانت مشروعة أم غير مشروعة، فيما اختفت الاعتبارات الإنسانية تماماً من هذه الصناعة التي تهدف في الأساس إلى الحفاظ على بقاء الإنسانية.

فمثلا رفعت شركة “نكست سورس بيوتكنولوجي” ثمن عقار “لوموستين” – دواء لسرطان الدماغ – بنسبة 1400%؛ ليصبح ثمن القرص الواحد منه أكثر من 700 دولار، بعدما كان يباع بـ50 دولاراً، وذلك بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.

وفي هذا السياق تعزف العديد من الشركات الدوائية عن إنتاج مضادات حيوية جديدة؛ لأن هذه الأدوية عادة تُعطى لمدة محدودة يتحقق بعدها الشفاء؛ لذلك فالأرباح من هذه الأدوية متواضعة مقارنة بالأدوية التي تؤخذ بشكل دائم.

وقد انتقدت كلير شورت – وزيرة التنمية الدولية البريطانية – شركات الأدوية لأنها فشلت في الاستثمار في الأدوية التي تعالج أمراض الفقراء، وقالت الوزيرة البريطانية: “المزيد من الأدوية واللقاحات مطلوبة بشكل عاجل لمعالجة أمراض الملاريا والتدرن (السل) والإيدز التي تقتل الملايين في دول العالم النامي، إننا نعيش في عالم يتميز بالاكتشافات التقنية التي يمكن أن تجلب المنافع الهائلة للبشرية، لكن الحقيقة مختلفة تماماً، إذ إن معظم الجهود تستهدف الأمراض التي يعاني منها العالم الصناعي. إن الحاجة لتحقيق الأرباح من الاستثمارات وبناء أسواق كبيرة للمنتجات قد جعلت شركات الأدوية الرئيسية تميل إلى تجاهل الأمراض التي تنتشر في الدول الفقيرة”.

إن الدول الغربية الرأسمالية لا يعنيها الإنسان ولا قيمة له عندها، حيث إن المبدأ الرأسمالي لا يعترف إلا بالقيمة المادية فقط ولا يعترف بالقيم الإنسانية والأخلاقية والروحية، ولن يكون لدوله أي سلوك إنساني، بخلاف المبدأ الإسلامي الذي جعل من حفظ النفس مقصدا مقدسا من مقاصد الشريعة الإسلامية، ولن تتحقق الرعاية إلا بدولة الإسلام التي أصبحت ضرورة بشرية إنسانية مع كونها أصلا فرضا شرعيا.

فدولة الإسلام تتبنى عقيدة الإسلام ووجهة نظره في الحياة فلا تقيس الحياة بالمادة، ولا يقيس رعاياها أعمالهم بالنفعية، وإنما توازن بين تحقيق القيم فتحدث التوازن في المجتمع وتحقق السعادة والرخاء لرعاياها كلهم، قويهم وضعيفهم، كما أنها لا تقيس اقتصادها بالإنتاج أو معدلات النمو، بل بإشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد بعينه وتمكينه ما أمكن من إشباع حاجاته الكمالية.

وقد حثّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التداوي، والبحث عن الدواء، فقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً» (رواه الترمذي)، وقال أيضاً: «‏مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا قَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» (رواه أحمد).

  حسن حمدان

CATEGORIES
TAGS
Share This