صراع الرئيس مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النّوّاب حول الصلاحيات: فأين هي الصّلاحيّات التي حولها يتصارعون؟

صراع الرئيس مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النّوّاب حول الصلاحيات: فأين هي الصّلاحيّات التي حولها يتصارعون؟

ما زال الصراع السياسي قائما بين رئيس الدّولة قيس سعيّد من جهة وبين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان (وحزبه ومن معهم) من جهة ثانية، فصل جديد من فصول مسرحيّة الصّراع:

الطّرف الأوّل قيس سعيّد:

أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد لدى إشرافه يوم الأحد 18 أفريل 2021 على موكب الاحتفال بالذكرى الخامسة والستين لعيد قوات الأمن الداخلي، أن الدستور منحه صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والمدنية. وأن سلطته تمتد بموجب ذلك لتشمل التعيينات القيادية ليس فقط في القوات العسكرية، بل وأيضا في قوات الأمن الداخلي والديوانة باعتبارهما من القوات المسلحة حسب القوانين المنظمة لهما.

الطّرف الثاني في الصراع:

رئيس الحكومة:

في أول رد فعل له على خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيّد بمناسبة عيد قوات الأمن الداخلي قال رئيس الحكومة هشام المشيشي إنّ تصريحات رئيس الجمهورية بخصوص صلاحياته لدى إشرافه على موكب الاحتفال بالذكرى الخامسة والستين لعيد قوات الأمن الداخلي في قصر قرطاج، «خارج السياق»، وأنّه «لا موجب للقراءات الفردانية والشاذة للنص الدستوري».

رئيس مجلس النوّاب رئيس حركة النّهضة:

تعقيبا على كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد في الذكرى الخامسة والستين لعيد قوات الأمن الداخلي، أصدرت حركة النّهضة بيانا يوم الثلاثاء 20 أفريل 2021، بإمضاء راشد الغنوشي رئيس الحركة ورئيس البرلمان وصاحب الأغلبية البرلمانية.

بدا بيان حركة النهضة وكأنه يتكلّم باسم رئيس الحكومة وباسم الدولة وباسم الدستور، توجّه مباشرة إلى قيس سعيد وخاطبه بصفته رئيسا، يتّهمه بتهم ثقيلة نذكر أهمّها:

خرق الدستور واعتماد وثائق ملغاة لتبرير نزوعه (أي الرئيس) نحو الحكم الفردي.

إعلان رئيس الدولة نفسه قائدا أعلى للقوات المدنية الحاملة للسلاح دوسا على الدستور وقوانين البلاد وتعديا على النظام السياسي وعلى صلاحيات رئيس الحكومة.

اقحامه للمؤسسة الأمنية في الصراعات يمثل تهديدا للديمقراطية والسلم الاهلي ومكاسب الثورة.

وفي بيانها تؤكد النهضة على رفضها المنزع التسلطي لرئيس الدولة وتدعو القوى الديمقراطية إلى رفض هذا المنزع واستكمال البناء الديمقراطي وتركيز المحكمة الدستورية وتدعو إلى الالتزام الجاد بالدستور والتوقف عن كل مسعى لتعطيل دواليب الدولة وتفكيكها…

موضوع الصّراع:

ممّا تناقلته وسائل الإعلام من تصريحات وتعليقات، أنّ موضوع الصّراع يتعلّق بصلاحيّات الرئيس ورئيس الحكومة، فهل قوّات الأمن الدّاخلي تدخل ضمن صلاحيّات رئيس الحكومة؟ أم هي من صلاحيّات رئيس الجمهوريّة؟

صراع الصلاحيّات في سياق الأحداث:

بدأ هذا الصراع الجديد يوم 18 أفريل 2021، بمناسبة ما يسمّونه “عيد قوّات الأمن الدّاخلي” وللتّذكير فإنّه يوم 13 أفريل 2021 وقّع هشام المشّيشي باعتباره رئيسا للحكومة ووزيرا للدّاخليّة بالنّيابة مذكّرة تفاهم مع سفير الولايات المتّحدة الأمريكيّة، بمقتضاها أعطيت امتيازات للأمريكان بتدريب عناصر الشّرطة، بما يعنيه من صياغة عقيدة أمنيّة وفق الرؤية الأمريكيّة، وأعطيت للأمريكان صلاحيّات وضع الاستراتيجيّات الأمنيّة بما يعنيه من وضع إمكانات وزارة الدّاخليّة تحت يدها تخطيطا وتسييرا وتنفيذا، وأعطيت الصلاحيّات لأمريكا على مراقبة الحدود التونسيّة وبما فيها صلاحيّات الوصول إلى كلّ المعلومات التي تطلبُها.

وزارة الدّاخليّة وقّعت اتّفاقات سابقة مع سفارة بريطانيا أعطيت فيها الصلاحيّات لبريطانيا بوضع الاستراتيجيّات والتخطيط والتنفيذ وإنشاء المؤسسات الأمنيّة النّموذجيّة، وبالفعل فقد دشّنت سفارة بريطانيا أكثر من 10 مراكز أمن نموذجيّة في كامل البلاد. ….

السّؤال، الحقيقي من يتحكّم في وزارة الدّاخليّة؟ من يصوغ عقيدتها الأمنيّة؟ من يشرف على تدريب ضبّاطها وقياداته؟ من خلال الاطلاع البسيط على محتوى الاتّفاقيّات المعقودة مع سفارتي بريطانيا ثمّ أمريكا أنّ كلّ الصّلاحيّات المهمّة موكولة إلى بريطانيا وأمريكا في طريقها للمشاركة فيها. وليس لوزارة الدّاخليّة إلا تنفيذ ما يُخطّطه السفراء.

فأين هي الصّلاحيّات التي حولها يتصارعون؟

فإذا كانت وزارة الدّاخليّة منزوعة الصّلاحيّات أصلا، فصلاحيّاتها بأيدي سفارة بريطانيا أوّلا ثمّ سفارة أمريكا. يتبيّن لنا أنّ معركة الصّلاحيّات بين قيس سعيّد ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النّوّاب معركة وهميّة لا أساس لها بل هي معركة تضليليّة، تغطّي المشكل الحقيقيّ، تغطّي الاستعمار الذي يتغلغل في مفاصل البلاد والدّولة.

نعم المستعمر يتغلغل، يمسك بدواليب الدّولة، فأين قيس سعيّد الرئيس من هذا التّغلغل؟ لم يُشر إليه في كلمته ولو تلميحا، ويبدو أنّه يقع تحريكه ليوجّه الصّراع إلى آفاق أخرى تُبعد الأنظار عمّا يحدث خلف أسوار وزارة الدّاخليّة.

وأين المشّيشي من هذا التّغلغل؟ هو أداة من أدواته وقّع حيث أُمر بالتّوقيع ثمّ خرج يبتسم من خلف قناع مبتهجا بصداقة تونس بالقوى المستعمرة، مبتهجا بتسليمه الأمن وإمكاناته لأعداء البلاد.

وأين رئيس مجلس النّوّاب وأين حركته ذات الأغلبيّة البرلمانيّة؟ هم منشغلون بالدّور الموكول إليهم، منشغلون عن القضايا الحقيقيّة بترسيخ الدّيمقراطيّة، لأنّ ترسيخ الدّيمقراطيّة هو العنوان الأبرز لإبعاد الإسلام من الحكم والسياسة، وقد جيء بحركة النّهضة ذات الصفة الإسلاميّة (تاريخيّا على الأقلّ) لتُقصي الإسلام، وتُبعده. أليس راشد الغنّوشي هو القائل (في 2012) أنّ تطبيق الشريعة يسبّب الفتنة ويقسّم التّونسيين؟ وجيء بحركة النّهضة للإيهام بالتّغيير، وجيء بحركة النّهضة وبراشد الغنّوشي لتوطيد أركان النّظام الرأسمالي الذي فرضه المستعمر وسار فيه بورقيبة وبن علي. أمّا الصفة الإسلاميّة فهي مجرّد غطاء لوأد الثورة والإيهام بنجاحها. والأخطر الإيهام بأنّ الإسلام وصل إلى الحكم وتلك هي حدوده. 

إنّه من البيّن لكلّ ذي عينين ولكلّ متابع للساحة السياسيّة في تونس أنّ تونس تحت الوصاية الأجنبيّة في أبشع صورها، فوزارات السّيادة يُديرها سفير بريطانيا بشكل مباشر وها هي أمريكا “زعيمة العالم الرأسمالي” تخلع الأبواب وتقتحم تريد أن يكون لها مكان، خاصّة بعد أن بدأت تتحكّم في المشهد الليبي.

وخلاصة الأمر: الصراع الحقيقي، أطرافه، موضوعه وما يجب فعله 

حقيقة الأزمة لا تكمن في صراع العبيد، فصراعهم لا يكون بإرادتهم إنّما هو صراع يوجّهه أسيادهم فيتصارعون إذا أراد لهم الأسياد ذلك وسيكفّون عن الصّراع حين يؤمرون بالتّصالح والتوافق.

نعم سينتهي الصّراع بين أجنحة السلطة في تونس برنّة هاتف تأتيهم من وراء البحار، أو من السّفارة، ولكن المستعمر مازال يريد إشغال النّاس لأنّه بصدد التّسلّل في مفاصل الدولة والبلاد، يؤسّس لتوازنات جديدة بدل تلك التي أسقطتها الثورة. نعم لن ينتهي الصّراع إلا بعد أن يُتمّ السفراء وضع الأسس “الجديدة” التي تضمن لهم أنّ دول المنطقة ستبقى كيانات مفكّكة تابعة، وحينها سيُعلن نهاية الصّراع وبداية عهد جديد قديم. عهد من الاستعمار والوصاية على بلدان الدّيمقراطيّة النّاشئة.

ولبّ المسألة التي لا يجب أن تغيب عن البال، أنّ الأمّة الإسلاميّة اليوم ومنها تونس بدأت ثورة على الأوضاع التي تسببت فيها الدّيمقراطيّة والرأسماليّة، وأنّ هذه الثورة صارت تُهدّد الوجود الرأسماليّ، وتهدّد الهيمنة الاستعماريّة، وأنّ التهديد الأكبر للاستعمار أنّ الأمّة التي يواجهها هي أمّة الإسلام العظيم تاريخها حافل بالأمجاد والانتصارات، وأنّ أبناءها بدأت تشرئبّ أعناقهم نحو دينهم يريدون استعادة بلدهم ودينهم وأمجادهم، نعم هذا هو الصّراع الحقيقي، أطرافه:

الطرف الأوّل: المستعمر ويتمثّل في أوروبا وبريطانيا وأمريكا التي تنظر إلى بلادنا كموقع استراتيجي تريد أن تتحكّم فيه ومنه تتحكّم في شمال إفريقيا، وهذا الطّرف يستعمل الرئاسة والحكومة والبرلمان، والأحزاب ومنظّمات ما يسمّى بالمجتمع المدني،… لتحقيق مراده

الطّرف الثّاني في الصّراع: أهلنا في تونس، الذين قاموا ثائرين على منظومة الاستعمار، ومعهم حزب التّحرير الذي يدعو إلى قلع النّظام ورموزه وإقامة خلافة راشدة على منهاج النّبوّة تستأنف ما بدأه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

أمّا موضوع الصّراع:

المستعمر يريد الهيمنة والسيطرة أمّا المسلمون فيريدون التحرّر، ويريد لهم الإسلام أن ينقذوا أنفسهم بل كلّ البشريّة من ظلم الرأسماليّة وجبروتها ومن استعباد الديمقراطيّة للبشر.

فلزم اليوم الوعي على حقيقة هذا الصّراع، وأن نسير به في الاتّجاه الصّحيح التصدّي للكافر المستعمر وأدواته، وأن نقلعهم ونقلع نفوذهم، هذا هو الأساس، أمّا تهارشهم ومناوشاتهم فيما بينهم فلا تعنينا في شيء، إن هي إلا صراع للعبيد فلا يجب أن ننشغل بها ولا يهمّ من يخرج منها منتصرا فكلّه خدمة لأعدائنا.

ومهمّتنا اليوم أن نكمل مسار الثورة في الاتّجاه الصّحيح الذي رسمه لنا ربّ العالمين، نحو إقامة خلافة راشدة على منهاج النبوّة لا مكان فيها لأشباه السياسيين والحكّام ولا سيادة فيها إلا لشرع ربّ العالمين. وإنّ مسيرتنا شارفت على الوصول وعد الله لعباده المؤمنين ولن يخلف الله وعده.

أحمد بنفتيته

CATEGORIES
TAGS
Share This