“صفقة القرن” ما رفضه الخليفة “عبد الحميد” قبله أراذل الحكام..

“صفقة القرن” ما رفضه الخليفة “عبد الحميد” قبله أراذل الحكام..

منذ أن فقدت دولتها دولة الخلافة والأمة أضيع من الأيتام في موائد اللئام، أو أشبه بقصعة تداعى عليها اللصوص وقطاع الطرق بعد أن تركوا أصحابها الأبواب مفتوحة وتخاذلوا في حراستها وفي النهاية تحولوا إلى عسس يحمون الغاصبين والناهبين. منذ فقدانها لمن يصون بيضتها ويذب عن حرمتها, تحولت الأمة الواحدة إلى جسد ممزق تناثرت أشلاءه في أرجاء سجن صممه وبناه  الإنجليزي ” مارك سايكس” صحبة الفرنسي ” فرانسوا جورج بيكو”, جلسا على الطاولة ورسما خريطة جديدة للعالم الإسلامي كل حسب أطماع دولته ومصالحها, مع مراعاة المصلحة العليا المشتركة وهي اسقاط دولة الخلافة والأهم العمل على عدم عودتها. ولم يمر أكثر من عام على انتهاء “سايكس” و شريكه “بيكو” من بناء السجن الكبير حتى ظهر شخص إنجليزي أسمه ” أرثر بلفور” وأرسل رسالة إلى اللورد اليهودي “ليونيل دي روتشيلد” يعده فيها بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وبعد سنوات قليلة تترجم ذلك الوعد الى ممارسة فعلية واغتصب كيان يهود أرض الأسراء ولايزال. ومنذ ذلك الحين أصبحت كل الجهود منصبة على تثبيت الورم السرطاني في قلب الأمة والعمل على حمايته والقضاء على أي سعي لإزالته, بل بذلوا ويبذلون قصار جهدهم لقبوله والتعايش معه, وذهبوا إلى أبعد من ذلك, فهم الآن يحثون الخطى نحو جعله أمرا مرغوبا فيه ومرحبا به, لا بل التعامل معه بوصفه الدواء والبلسم الشافي وليس ورما خبيثا يجب استعجال انتزاعه ورميه خارج عالمنا وفي اقصى المزابل.

وبما أنه وكما أسلفنا كيان يهود هو أخطر الأورام السرطانية وأخبثها ولا يمكن بأي حال قبوله, كان لابد لمن دسّ بذرته في أرضنا أن يجد من يعينه على أن يترعرع ذلك الورم وينمو وتمتد عروقه بشكل يستحيل معه تجفيفها ثم قطعها، ومن الأقدر على أداء هذه المهمة القذرة من حكام نبتوا واقتاتوا من قذارة الغرب إلى حد التخمة وصنعوا على عينه؟. ولا يتطلب الأمر سوى ايجاد الطريقة التي تكفل لهم تمرير مكائدهم دونما عراقيل أو متاعب، وقد وجدوا ضالتهم في ابرام الاتفاقات المسمومة والصفقات المسرطنة بعد أن ضمنوا الأيادي الخائنة المستعدة للتوقيع دون خجل أو حياء.

مؤتمر البحرين التتمة وليس البداية

مخطئ من يظنّ أن الجريمة المرتكبة في فلسطين ومسرحها المنامة عاصمة البحرين هي الأولى. وأن ما سموه بصفقة القرن هي من بنات أفكار “الرئيس الأمريكي” “ترامب” بإيعاز من مستشاره وصهره جاريد كوشنر” ولم يسبقهما أحد في التآمر على أرض الإسراء مع الحكام الخونة، وواهم من يضن أن من سبقوا حكام اليوم ليسوا على شاكلتهم ولم يهرولوا نحو أمريكا وأشياعها ويتوددون لهم ويقدمون لهم الذبائح والقرابين والتي تتمثل دوما في بيع فلسطين وأقصاها المبارك، فسجل التاريخ مزدحم بقصص الخذلان التي كان في كل مرة ابطالها رئيسا أو ملك للمسلمين فهذا ” الحسين بن علي” ” شريف” مكة يعمل على الانفصال عن الخلافة العثمانية وعرض على البريطانيين أن يشترك معهم في الحرب على دولة الخلافة ورسائله ل”هنري مكماهون” المندوب السامي البريطاني شاهدة على خيانته. وفي سنة 1916 أعلن ” الحسين بن علي” ما يسمى بالثورة العربية الكبرى بدعم بريطاني وخاضت قواته معارك في الشام لإسقاط  دولة الخلافة. ويتفاجأ شريف مكة لاحقا ويكتشف بأن حلفاءه غدروا به فالشام التي انتزعها من دولة الخلافة لم يستطع الاحتفاظ بها وفلسطين وضعت تحت ادارة دولية تمهيدا لتسليمها لليهود. وهذا مؤسس الدولة “السعودية” “عبد العزيز آل سعود” يتحالف مع بريطانيا ضد الخلافة العثمانية ووقع معاهدة “دراين” التي حصل بموجبها على اعتراف رسمي بدولته الجديدة مقابل تمكين اليهود من فلسطين. وكما هو شأن “حسين بن علي” توثق الرسائل بين “فيصل” و “ويزمان” رئيس المنظمة اليهودية العالمية خيانة والي الرياض في ذلك الوقت والتي جاء فيها “يجب أن تتخذ جميع الاجراءات لتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين….” وقد لخص “ويزمان” المسألة في قوله “… لا داعي للخوف فهم ضعفاء بطريقة بائسة…”

إن الشواهد على خذلان الحكام العرب والمسلمين لفلسطين عديدة ومتعددة ويصعب الاتيان عليها كلها فهي أكثر من أن يستوعبها كتاب فما بالك بمجرد مقال  فلكل حقبة خائن عميل مهد لما نراه اليوم والمسمى بصفقة القرن. “بورقيبة وخطابه الشهير بأريحة واتفاقية “كامب ديفد” ومؤتمر مدريد واتفاقية اوسلو” وغيرها كلها خيوط شكلت الخيمة التي وقع تحتها مؤتمر البحرين.

دولة الخلافة هي الاستثناء

لم تفشل قوى الشر في زرع الورم الخبيث والذي بات يعرف باسم “دولة اسرائيل” إلا بعد تغييب الإسلام ودولته فلم يعد هناك لا حامي ولا راعي.. فالبداية كانت بالعمل على اسقاط دولة الخلافة الذي مهد إلى تمزيق البلاد الإسلامية والذي أدى إلى الاستفراد بفلسطين واهلها وهاهم الآن يعملون على وأد قضيتها إلى الابد. فلسطين فتحها  خليفة المسلمين عمر بن الخطاب وجعلها أرضا إسلامية وبقت على تلك الحال ما شاء الله ثم ضاعت من أيدي المسلمين إلى أن وحد صلاح الدين الأيوبي المسلمين تحت راية الاسلام وفي كنف دولة واحدة فتمكن من دحر الصلبيين واستعاد المسلمون أرض مسرى رسولهم, ثم لما ضعف المسلمون خسروها كرة أخرى إلى أن عادوا إلى سواء السبيل واستظلوا بظل الإسلام وجمعتهم دولة تطبقه. استعادوها واستعادوا العز والمجد وآخر عهد لهم بالعزة والكرامة في عهد الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني الذي شهدت فترة حكمه محاولة تشبه إلى حد كبير صفقة القرن هذه التي ركض نحوها حكام العرب ركض الذليل الخانع, فالدولة حينها تحت وطأة الديون وفي امس الحاجة لمن يحمل عنها العبء التي تنوء بالدولة وهذا ما استغله مؤسس كيان يهود ” هرتزل” وقدم عرضا يسيل لعاب من هو على شاكلة قطعان حكام المسلمين وحراس سجن “سيكس بيكو” الخونة, فكان جواب الخليفة عبد الحميد الرفض القاطع لا لشيء غير كونه ملتزما بدستور وأحكام أساسها وحي الله كتابا وسنة, فأحكام الاسلام تمنعه في التفريط ولو في شبر -بل أقل- من أرض المسلمين, فما يراه حكام الضرار وبطانة السوء التي حولهم حكمة وبعد نظر… هو من وجهة نظر الاسلام خيانة وغدر.

هذا ولما اسقط في يد “هرتزل” وخاب أمله طلب فقط تأسيس جامعة يهودية تكون في القدس وادعى أنه يريد تعليم المسلمين لينفعوا دولتهم فرفض ” عبد الحميد” حتى مجرد منحه مجرد قطعة أرض في فلسطين تبنى عليها جامعة يهودية. حصل هذا لأن فلسطين وغيرها من سائر بلاد المسلمين تجمعها وتحميها كنانة منيعة هي الخلافة الاسلامية وفي غيابها أمكن لشياطين الغرب وأعوانهم من الحكام العرب أن يعقدوا مثل هكذا صفقات.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This