صفقة ترامب تفضح حكام المنطقة, فهل يمكن أن تكون تونس شرارة لتحرير فلسطين كما كانت شرارة للثورة؟

صفقة ترامب تفضح حكام المنطقة, فهل يمكن أن تكون تونس شرارة لتحرير فلسطين كما كانت شرارة للثورة؟

أعلن الرئيس الأمريكي ترامب يوم 29\1\2020 خطته التي أطلق عليها صفقة القرن لحل قضية فلسطين وهي تؤكد ما اغتصبه يهود من فلسطين عام 1948 وعام 1967، فأقرت خطته ما اعترفت به أمريكا سابقا من أن تكون القدس عاصمة لكيان يهود وأن تبقى الأراضي المغتصبة في الضفة الغربية تحت مسمى المستوطنات ضمن كيان يهود، وأن يتوقف النشاط الاستيطاني الآن حتى يستأنف بعد أربع سنوات، وإن كان  المتوقع أن لا يتوقف هذا النشاط في هذه المدة، وأمريكا ستغض النظر عن كل مخالفات يهود لخطتها. وبالفعل قلل مسؤول يهودي كبير لاحقا من فكرة تجميد الاستيطان.

وقد وضع ترامب جدولا زمنيا مدته أربع سنوات حتى تقبل السلطة الفلسطينية بترتيب أمني مع كيان يهود فوق التنسيق الأمني المستمر منذ أوسلو عام 1994، إذ إنه يوجب على السلطة أن تبذل المزيد لوقف الهجمات على يهود، أو احتمال حدوث هجمات، علما أن السلطة الفلسطينية بعناصرها الأمنية تتجسس على الناس فإذا سمعت أن أحدا يفكر في القيام بعملية ضد المغتصبين اليهود فإن هذه العناصر التي تعمل ككلاب حراسة لدى كيان يهود تشم الرائحة فتسعى لكشفها وإخبار يهود عنها وتمسك بالشخص الذي يفكر في ذلك، أو قام بذلك بالفعل. وقد اعتبر عباس العمليات المسلحة ضد هذا الكيان المغتصب عمليات حقيرة واعترف أن سلطته أحبطت أكثر من 400 عملية لمهاجمة اليهود، وسلم الكثير من المقاومين لكيان يهود، فهو وسلطته وأجهزته الأمنية يعملون كمخبرين وموظفين أمنيين لدى هذا الكيان منذ اتفاقية أوسلو المشؤومة.

 وتقترح الخطة حسب تصريح نتنياهو المطلع على الخطة، بل هو من الواضعين لها مع كوشنير مستشار ترامب للأمن القومي وزوج ابنته ومع غرين بلات مبعوث ترامب للشرق الأوسط وهما يهوديان يعملان لدى البيت الأبيض بأن تكون أبو ديس عاصمة للسلطة الفلسطينية وهي قرية معزولة بفعل جدار أمني أسمنتي ضخم ونقاط تفتيش تقع خارج حدود بلدية القدس ومحاطة بمستوطنات يهودية، إذ استخدم ترامب لفظة عاصمة فلسطينية شرق القدس. وإن أشلاء الدولة الفلسطينية المزعومة مقطعة الأوصال ستتواصل عبر طرق وجسور وأنفاق حتى لا يقترب أحد من اليهود في المستوطنات، وحتى لا تأخذ شيئا من الأرض الذي يستحوذ عليها اليهود المغتصبين.

وهذه الدولة ستكون عبارة عن اسم دولة، ولكن ليس لها وجود حقيقي على الأرض إذ ستكون تحت سيطرة يهود من كل الجوانب والنواحي. وقد وصف نتنياهو إعلان الخطة بأنه يوم تاريخي يشبه إعلان الرئيس الأمريكي ترومان بدولة “إسرائيل” عام 1948. وقال موجها حديثه لترامب:” لقد أصبحت في هذا اليوم أول زعيم في العالم يعترف بسيادة “إسرائيل” على مناطق في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بالغة الأهمية لأمننا ومحورية لتراثنا”.

والجدير بالذكر أن ترامب أجّل إعلانه لخطته أكثر من مرة خلال سنتين بناء على ظروف كيان يهود السياسية الداخلية والآن استعجل نشرها ليعدّل من وضعه الداخلي المتداعي إذ إنه على وشك المحاكمة في مجلس الشيوخ التي يمكن أن تؤدي إلى عزله أو زعزعة وضعه الانتخابي وهو مقبل على انتخابات في تشرين الثاني القادم.

وقال ترامب :” تمثل رؤيتي فرصة مربحة للطرفين، وحل دولتين واقعيا يعالج خطر الدولة الفلسطينية على أمن إسرائيل”. يعطي كل فلسطين ليهود ويقول إنها فرصة مربحة للطرفين! فهو يستخف بالعقول وبالناس لأنه يعرف لا أحد من حكام المنطقة سيتحرك ضده. ويعلن أن وظيفة الدولة الفلسطينية هي الحفاظ على أمن يهود لا غير. لأنه يعرف أن اليهود يسيطر عليهم هاجس الأمن وهم دائما في خوف، فمهما ملكوا من سلاح ومهما تعهدت الدول بحمايتهم يبقوا في حالة خوف وذعر وقلق، وذلك جزاء من الله، فقال سبحانه وتعالى “ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ الذِّلَّةُ اَيۡنَ مَا ثُقِفُوۡۤا اِلَّا بِحَبۡلٍ مِّنَ اللّٰهِ وَحَبۡلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآءُوۡ بِغَضَبٍ مِّنَ اللّٰهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ الۡمَسۡكَنَةُ ؕ ذٰ لِكَ بِاَنَّهُمۡ كَانُوۡا يَكۡفُرُوۡنَ بِاٰيٰتِ اللّٰهِ وَيَقۡتُلُوۡنَ الۡاَنۡۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقٍّ‌ؕ ذٰ لِكَ بِمَا عَصَوۡا وَّكَانُوۡا يَعۡتَدُوۡنَ” ‏وحبل الله انقطع، وبقي حبل الناس يستنجدون بهم ليحموهم. ولا يذقون طعم نعمة الأمن والأمان، فهذه النعمة لا تكون إلا للذين قال الله فيهم “اَلَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا وَلَمۡ يَلۡبِسُوۡۤا اِيۡمَانَهُمۡ بِظُلۡمٍ اُولٰۤٮِٕكَ لَهُمُ الۡاَمۡنُ وَهُمۡ مُّهۡتَدُوۡنَ”.

وكشف ترامب أنه أرسل رسالة لعباس قال فيها:” أوضحت له أن الأرض المخصصة لدولته الجديدة ستظل مفتوحة وغير مستغلة لمدة أربع سنوات. وخلال هذه المدة يمكن للفلسطنيين استخدام كل المداولات المناسبة لدراسة الصفقة والتفاوض مع إسرائيل وتحقيق معايير الدولة وتصبح (هناك) دولة مستقلة بحق ورائعة” وذلك في استخفاف لعقول الناس واستهزاء بهم، فيصف أراض ضئيلة من فلسطين مقطعة الأوصال وتحيطها مستعمرات يهودية من كل جانب ولا سلاح لها ولا سيادة ولا سلطان على شيء دولة مستقلة بحق ورائعة!  ومع ذلك فإن نتنياهو الذي كان يقف بجانب ترامب وهو يعلن الخطة قال :” إن خطة ترامب تقدم للفلسطنيين طريقا يؤدي إلى دولة في المستقبل، لكنهم قد يستغرقوا وقتا طويلا جدا للوصول إلى بداية ذلك الطريق”. فأراد أن يشرح استهزاء ترامب بالعقول السخيفة: إن الطريق إلى ذلك طويلة وسيموت ترامب ويأتي رئيس بعده ورئيس آخر وسيخرج بصفقة قرن جديدة أو مسمى جديد ولن تقوم تلك الدولة وسنبقى نغتصب الأراضي حتى نجعل من بقي فيها من العرب والمسلمين عبيدا لنا يعملون في الأرض وذلك تطبيقا لكتابنا المقدس.

 علما أن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات وعباس ارتكبت الخيانة  بتوقيعها اتفاقية أوسلو عام 1994 التي تنازلت عن 78% من فلسطين للمغتصبين اليهود على أساس أن تقام الدولة الفلسطينية خلال 5 سنوات على عهد كلينتون لغاية عام 1999، فاليهود فاوضوا وماطلوا حتى فشلت خطة كلينتون، ومن ثم جاءت خارطة الطريق الذي وضعها بوش الإبن حتى تقام الدولة الفلسطينية بموجبها لغاية عام 2005  فأفشلوها اليهود بالمفاوضات والمماطلات وببناء الجدار، ومن ثم جاءت محاولات أوباما لفرض حل الدولتين بالمفاوضات مرتين؛ مرة عام 2009 ومرة أخرى عام2013- 2014، فأفشلها اليهود بالمفاوضات بعد تسعة أشهر. والآن من أول لحظة بدأ اليهود يفشلون خطة ترامب التي تعطيهم كل شيء، ولكن يمر فيها ذكر دولة فلسطينية شكلا فهذا ما لا يريدونه. فقد اشترط نتنياهو مخاطبا ترامب :” إذا وافقوا على الالتزام بكل الشروط التي وضعتموها في خطتكم فإن “إسرائيل” ستكون حاضرة، ستكون مستعدة للتفاوض على السلام فورا”، وهذا السلام ما هو؟ ولم يذكر القبول بدولة فلسطينية شكلية! وإنما هو سلام كيان يهود ليس غير. وهناك التفاصيل التي تقع في 80 صفحة كما أعلن ترامب وسيكون لها تفاصيل، ولا تنتهي إلى نهاية، إذ إنه لم يعلن عن كافة التفاصيل في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو وتركها ليتلاعب بها اليهود في المفاوضات. فاليهود سوف يفاضون ويفاوضون ويخادعون ويخدعون حتى يجعلوا الطرف الآخر يستسلم ويتنازل عن كل شيء ولا يعطوه إلا بقدر ما يكون مستعدا للتضحية في سبيل يهود فقط لا غير كما فعلوا من قبل، ولكن بدون دولة فعلية. ونقلت رويتز يوم 29\1\2020 عن روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي قوله:” بانتزاع الاعتبارات الداخلية والاعتبارات الإسرائيلية السياسية التي حددت توقيت طرح الخطة، تكون الرسالة الموجهة للفلسطنيين في جوهرها هي: لقد خسرتم، تقبلوا ذلك”.

احتج عباس ووصف صفقة ترامب بصفعة القرن وخطب خطابا ناريا في أتباعه يظن المرء أنه سيعلن إلغاء اتفاق أوسلو الخيانية التي وقعها، وسيلغي العمل على حماية كيان يهود تحت مسمى التنسيق الأمني وسيدعو إلى الجهاد والنفير العام وإذا بالجبل يتمخض فأراً، فيعلن أنه سيلجأ إلى الأمم المتحدة وإلى أوروبا وإلى أمريكا نفسها ليشكو حاله ووضعه.

فقال عباس في خطابه المتلفز من رام الله عقب إعلان ترامب لخطته:” “إننا متمسكون بالثوابت الفلسطينية ومتمسكون بالمفاوضات على أساس الشرعية الدولية!” علما أن هذه الشرعية الدولية هي التي زرعت كيان يهود في فلسطين وهي التي فرضت عليه القبول بكل قراراتها التي ركزت هذا الكيان. والثوابت هي ما تم التنازل عنه في أوسلو. وقال عباس:” إن القدس ليست للبيع، كل حقوقنا ليست للبيع وليست للمساومة!” وقد باع هو وسيده عرفات ومنظمتهم نحو 78% من فلسطين في اتفاقية أوسلو واعترفوا باغتصاب يهود لها واعتبروها دولة إسرائيل واعترفوا بالقدس الغربية ليهود. واعترف في خطابه بخيانته من دون أن يصفها خيانة عندما أعلن أن هدفه ليس تحرير فلسطين فقال الهدف هو:”إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4  من حزيران على  22% من فلسطين التاريخية. والسيد ترامب يريد أن يأخذ 40% من 22%..أقول للمجتمع الدولي نحن متمسكون بالشرعية الدولية ولأنها هي المرجعية  لدينا 86 قرارا دوليا من مجلس الأمن و125 قرارا من الجمعية العمومية للأمم المتحدة..قرار واحد أقبل التفاوض عليه”. علما أن كل القرارات تركز كيان يهود في فلسطين، وعباس مستعد أن “يتفاوض ولو على قرار واحد” كما قال! وهي قرارات لا تصدر للتنفيذ وإنما لإشغال الناس وجعل المنهزمين أمثال عباس وحكام العرب يركضون وراء تنفيذ هذه القرارات الجائرة. لأنهم قد فقدوا معنى الرجولة وتعودوا على الانبطاح ومردوا على النفاق ودأبوا على الخيانة واعتبروها بطولة فسموها ” سلام الشجعان” كما قال عرفات عندما بدأ يفاوض يهود علنا.

 إن مثل عباس وسلطته ومنظمته ومن على شالكلتهم في التفكير كمثل التي قبلت أن تنزع عنها كل ملابسها إلا الملابس الداخلية، إلا ورقة التوت، فعندما طلبوا منها نزع هذه الورقة احتجت وزمجرت. فلما هذا الاحتجاج والزمجرة؟! أهي ليظهر أنه شريف وهو فاضح لنفسه؟! فقد قبل نزع 78% من ملابسه بل من أرضه، وقبل بانتهاك عرضه وأنه يحق للمعتدي أن يفعل ما يشاء في هذا النصيب الأكبر عندما اعترف بكيان يهود، بل وقال إنه ملكه فعلا، فعلى ماذا يحتج أم أن ذلك للخداع وللتغطية على التنازلات والخيانات؟! وصدق الشاعر حين قال في أمثاله:

 من يهن يسهل الهوان عليه    ما لجرح بميت إيلام

فالذي يتنازل مرة واحدة يسهل عليه التنازل مرة أخرى وتصبح طريقه طريق التنازل، ويصبح هينا على عدوه يستخفه ويلعب به. ويصبح ذليلا ومهانا ويبرر ذله ومهانته بكافة التبريرات. فيصبح كالميت لا يؤلمه الجرح لا يؤلمه الذل والمهانة، فالجرح لا يؤلم إلا الحي وهؤلاء وكافة حكام العالم الإسلامي أصبحوا أذلاء كالأموات الذين لا يشعرون ما يفعل بهم.

 إن عباس مخادع، وهو متآمر باعترافه بكيان يهود، يتلاعب بالكلام على أهل فلسطين وهو كسيده عرفات، فسلطتهما شيدت بناية برلمان فلسطيني في قرية أبو ديس بعد اتفاقية أوسلو وكلفت البناية ملايين الدولارات، إذ بلغت أربعة ملايين دولار بتمويل من الاتحاد الأوروبي حسب قول النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة وكان النائب الأول لرئاسة المجلس في حينه، فما معنى تشييد مبنى للبرلمان في قرية أبو ديس؟! ألم يكن ذلك حسب خطة يعرفها عباس وعرفات ووافقوا عليها في أوسلو سرا على أن ألا تكون عاصمة فلسطين القدس، وإنما خارج إطار بلدية القدس؟! وقال خريشة “إن أعضاء المجلس التشريعي في أول انتخابات جرت عام 1996 رفضوا هذا المقر لأنه فعليا سيكون خارج القدس، والمطلوب أن يكون المقر داخل القدس” (الجزيرة 29\4\2012) ورفض الأعضاء للمجلس الأول علله القيادي في حركة فتح حاتم عبد القادر بقوله :”إن السبب (للرفض) كان الحديث في حينه يدور حول تحويل بلدة أبو ديس إلى عاصمة للدولة الفلسطينية بدل القدس الشرقية مما أدى إلى صرف النظر عن الموضوع خشية أن يكون هذا المقر بديلا لوجوده في القدس” (المصدر السابق) فعباس يتلاعب في الكلام كما كان عرفات يتلاعب في الكلام كما يتلاعب كافة حكام المنطقة، فهما يعتبران قرية أبو ديس من القدس، وبذلك يقولان القدس الشرقية من دون الحديث عن المسجد الأقصى الذي هو في قلب القدس الشرقية! ولم يتحدثا عن القدس الغربية فقد باعوها ليهود، أما القدس الشرقية المبهمة ليست للبيع؟! ولم يتحدث عن مسؤولية السلطة عن المسجد الأقصى بل تحدث عباس في خطابه عن مسؤولية الأردن عن المسجد الأقصى وإن ترامب أنهى هذه المسؤولية بصفقة القرن أو بالصفعة كما يسميها وقد لطم بها على وجهه وعلى وجوه كافة الخونة الذين يعتبرون التنازل والتفاوض مهارة سياسية، ويعتبرون المبدئية تشددا وتخلفا!  إن عباس يستخف بالعقول الساذجة وأصحاب العواطف الذي ينساقون وراء صياح وصراخ، ولا يفكرون فيما وراء هذا الصراخ والعويل ولا يتعمقون في فهم ما يدار حولهم ويحاك ضدهم، ولا يفكرون ماذا يقول هذا الرجل وبماذا يطالب؟

وقال عباس: “هناك  البعض من تمر عليه لعبة أن اللوبي الصهيوني أو الإيباك يسيطر على أمريكا وإن الإدارة الأمريكية تسير بموجب  سياسة اللوبي الصهيوني هذا هراء، هذا هراء، إن السياسة الأمريكية هي التي تستأزر باللوبيات لتعمل حسب مخططاتها وحسب مصالح  القرار الأمريكي”. هذا ما أدركه عباس بعد نصف قرن ويزيد، ولكن هذا ما كان يقوله حزب التحرير منذ اليوم الأول، ولكن عرفات وعباس والمنظمة والحكام في المنطقة والمضلِلون والمضلَلون كانوا دائما يقولون إن اللوبي الصهيوني هو المسيطر على القرار الأمريكي فيعللون تخاذلهم بذلك وأنه يجب أن نوجد لوبي عربي في أمريكا ونتودد للأمريكيين كما فعل عباس في خطابه الآخر وهو يتناقض مع كلامه! فأمريكا هي التي ركزت هذا الكيان اليهودي ودعمته وقوته بعدما زرعته بريطانيا وذلك للهدف نفسه ألا وهو أن “تكون إسرائيل قاعدة متقدمة للغرب في قلب العالم الإسلامي” كما قال تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق. وذلك ليستمروا في الحرب الصليبية ضد الأمة الإسلامية لمنع نهضتها ومنع إقامة الخلافة من جديد ومنع تحررها من ربقة الاستعمار.

وما فعل ترامب ذلك إلا لأن سياسة أمريكا هي تركيز يهود في فلسطين لهذا الغرض، ولأنه يعرف أن عباس وحكام العرب وحكام البلاد الإسلامية لن يفعلوا شيئا سوى أن يطلق بعضهم تصريحات ربما نارية لخداع الناس، ولا تحمل التصريحات أي لهجة تهديد لكيان يهود! بل إن البعض سيؤيده فورا إما صراحة وإما ضمنيا وهذا ما حصل.

فقال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط يوم 29\1\2020 إن القراءة الأولى لخطة الرئيس الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط تشير إلى إهدار كبير لحقوق الفلسطنيين المشروعة” غير أنه تدارك قائلا :” إننا نعكف على دراسة الرؤية الأمريكية بشكل مدقق، ونحن منفتحون على أي جهد جاد يبذل من أجل تحقيق السلام” أي إنه يقول إننا سنقبل بالخطة الأمريكية التي تشير إلى هدر كبير لحقوق أهل فلسطين. وقد أعلن العملاء الساعون لإرضاء أمريكا ويهود من دون تأخير في الإمارات والبحرين وعُمان تأييدهم لخطة ترامب على الفور. وأعلن النظام المصري تأييده للخطة بقوله :” ندعو الطرفين المعنيين بالدراسة المتأنية للرؤية الأمريكية لتحقيق  السلام والوقوف على كافة أبعادها وفتح قنوات الحوار لاستئناف المفاوضات برعاية أمريكية”. وقال النظام السعودي مؤيدا الخطة ضمنيا “إن المملكة تجدد التأكيد على دعمها لكافة الجهود الرامية للوصول لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وإنها تقدر الجهود التي تقوم بها إدارة الرئيس ترامب لتطوير خطة شاملة للسلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ” وقال وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي:” الأردن يدعم كل جهد حقيقي يستهدف تحقيق السلام العادل والشامل الذي تقبله الشعوب”. في إشارة ضمنية لقبول الخطة. وقالت قطر في بيان لوزارة خارجيتها مؤيدة الخطة ضمنيا:” تؤكد دولة قطر استعدادها لتقديم الدعم المطلوب لأي مساع ضمن هذه الأسس لحل القضية الفلسطينية”. وقال كبيرهم أردوغان الذي يتقن صنعة التلاعب بالكلام ودغدغدة المشاعر:” إن مدينة القدس من مقدسات المسلمين وإنه من غير الممكن قبول صفقة القرن، وإنها لن تخدم السلام ولن تجلب الحل” أي هو يبحث عن السلام ليهود وهو معترف بكيان يهود واحتلاله ويريد دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها كما أعلن والقدس الغربية ليهود.  واعترف بتواصله مع سيده ترامب فقال :” خلال المكالمة طلبت من ترامب تزويدنا بفحوى الخطة كي نتخذ موقفنا تجاهها، والأسبوع القادم سيعقد اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة بالسعودية وسيشارك فيه وزير خارجيتنا”. فأكثر ما سيعمله هو إرسال وزير خارجيته لمؤتمر لا يعقد إلا  لذر الرماد في العيون، أي إنهم سيقولون إننا عقدنا مؤتمرا فماذا تريدون أكثر من ذلك؟! وسيؤكدون فيهم على خيانتهم بتركيزهم على حل الدولتين. ويريد أردوغان معلومات عن الخطة ليتخذ موقفا! فماذا يريد بعد كل هذا الوضوح في خطاب ترامب! فلماذا يريد ذلك، بل ليظهر لترامب أنه ليس ضد خطته فهو يريد دراستها وذلك على شاكلة الأنظمة العربية.

وأما رئيس تونس قيس بن سعيّد فقد قال في حوار تلفزيوني يوم 31\1\2020 “إن الخطة الأمريكية ليست صفقة القرن بل مظلمة القرن وهي خيانة عظمى وليست تطبيعا. الفكر المنهزم لن يكون مقدمة للنصر ولن أتراجع عن ما قلته سابقا حول مفهوم التطبيع الذي يعد مفهوما دخيلا والقضية اليوم هي الكيان المغتصب الذي يجب أن ننهي أفعاله وتشريده للشعب الفلسطيني. من تكون له علاقة مع الكيان المغتصب فهو خائن، وخيانته خيانة عظمى. فلسطين ليست ضيعة أو بستانا حتى تكون موضوعا لصفقة”.

إنه يظهر على الرئيس التونسي أنه يستعمل الخطاب العاطفي لدغدغدة مشاعر الناس حتى يخمد ثورتهم ضد النظام الجائر ويسكتهم عن العمل لتغييره ويغطي على مفاسد النظام وعلى عجزه، فلا حلول ولا معالجات لمشاكل الناس فهي تتفاقم، فكل شيء على ما هو بل يزداد سوءا، والبطالة تزداد والمديونية تتضخم والتبعية للمستعمر مستمرة، فالاتفاقيات العسكرية مع أمريكا التي عقدها السبسي لم يلغها وكذلك الامتيازات الاقتصادية لبريطانيا وفرنسا اللتين تنهبان ثروات تونس لم يلغها ولم تقم الدولة بتولي هذه المشاريع. فيلجأ الرئيس إلى هذا الخطاب الذي لا يتبعه عمل، وقد استعمل عبد الناصر هذا الخطاب فدغدغ مشاعر الناس ولم يفعل شيئا، فوجه مشاعر الناس نحو فلسطين والهجوم على كيان يهود وعلى أمريكا والاستعمار ولم يحرر فلسطين بل قبل في النهاية بالمشاريع الأمريكية مثل مشروع روجرز وبقرارات مجلس الأمن 242 و243 عام 1967 وانهزم شر هزيمة لأنه لم يكن مستعدا للحرب، وإنما كان يلقي الخطابات العاطفية ولم يعالج مشاكل مصر ولم ينهض بها. وليعلم الرئيس وكل الناس إنه لا خير فيه إذا لم يقلع النظام العلماني الجائر ويبدأ بتطبيق الإسلام أو يسلم الحكم للعاملين على ذلك الواعين المخلصين الذين وضعوا الدستور الإسلامي ووضحوه بأدق التفاصيل نطام الخلافة الراشدة.

 إن الكلام يجب أن يتبعه أفعال وإلا فإن صاحبه لا يصدق، فلا يكن مثل أردوغان المخادع الذي يستعمل مثل هذا الخطاب وهو يتآمر على أهل سوريا ويعترف بكيان يهود. فإن هذا الكلام الذي يصدر منه ككونه رئيس دولة يجب أن يلحقه بعمل جاد، لأن الدولة لديها إمكانيات عسكرية وسياسية واقتصادية وإعلامية، وتستطيع أن تسخّر كل هذه الإمكانيات للمعركة، فلا يكفي أن يصف الرئيس هذه الصفقة بالخيانة ومن يقيم علاقات مع كيان يهود هو خائن، فيجب أن يتبع ذلك بأعمال لأنه رئيس دولة لديه جيش وإمكانيات، فيمكنه تحريك الجيش. فكما انطلقت شرارة الثورة من تونس فإنه يمكن أن تنطلق شرارة تحرير فلسطين من تونس، بشرط أن يبدأ الرئيس بتحريك الجيش، فيتحرك الجيش من تونس نحو ليبيا لتخترقها لتصل إلى مصر ومن ثم إلى فلسطين، فتضغط هذه الجيوش على القوى في ليبيا وعلى الجيش في مصر، فتتحرك الجيوش والجموع البشرية الثائرة فيها لتضغط على الحكام لفتح الحدود ولتخوض الحروب مع العدو، وعندها ستتحرك الجيوش في باقي بلاد الثورات لتضغط على الحكام لتحرير فلسطين، وعندها تلقن الأمة أمريكا درسا آخرا لن تنساه بأن جيوشها المكبلة ليست بميتة والرتب العسكرية والرواتب والمالية لا تغري كل عسكري، ففيهم خالد وسعد والفاتح وصلاح الدين، كما ثبت أن شعوبها التي كبلت وعدت في عداد الموتى لم تكن ميتة فثارت وما زالت ثورتها مستمرة رغم التآمرات عليها من كل الجوانب، وهي تنتظر قيادة سياسية واعية مخلصة. وليحذر الرئيس في تونس من استعماله لهذا الخطاب من دون أن يتبعه بأفعال جادة، فتكون عاقبته كعاقبة غيره، والصحيح هو أن يسلم الحكم للقيادة السياسية الواعية المخلصة التي تعمل على إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

وعلى الثائرين في بلاد الإسلام أن يضغطوا على الحكام لتحريك الجيوش بجانب العمل لإقامة الخلافة الراشدة التي سوف تستأصئل شأفة كيان يهود من جذوره في فلسطين وتطهر المنطقة كلها من رجس أمريكا وكل دول الاستعمار. وهذا وعد الله وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم. وصدق الله ورسوله.

أسعد منصور

CATEGORIES
TAGS
Share This