طريقة التغيير أحكام شرعية وسنن كونية

طريقة التغيير أحكام شرعية وسنن كونية

مباشرة وبعد أن تم الاعلان عن  نتائج سبر الآراء  لمؤسسة ” سيغما كونساي” وتقدم المرشحان قيس سعيد ونبيل القروي في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة مقابل سقوط مرشحي أحزاب الحكم والمعارضة وزعمائها او ما أطلق عليه لاحقا “الزلزال الانتخابي” حتى طفا على الساحة الإعلامية والشعبية شعار “سقوط السيستام” الذي أعاد الى الاذهان شعار “ديقاج” في نسخته التونسية أو “الشعب يريد اسقاط النظام ” التي وصل مداها إلى ساحات “وول ستريت ” ولا تزال إلى اليوم تقضّ مضاجع الطغاة.

فهل فعلا سقط النظام او زُلزل السيستام

مما ورد في تعريف النظام في الاصطلاح القول بأنه: “مجموعة المبادئ، والتشريعات، والأعراف، وغير ذلك من الأمور التي تقوم عليها حياة الفرد، وحياة المجتمع، والدولة، وبها تنظم أمورها” فهو مجموعة المعالجات المنبثقة عن وجهة نظر في الحياة. ومن الناحية العملية النظام هو الدستور ولا يملك الشخص المعين او المنتخب على رأس الدولة إلا أن يحسن أو يسيء تطبيق هذا الدستور. وحتى ان حاول اجراء بعض التعديلات فهو مقيد بأسس النظام  ووجهة النظر التي انبثق عنها.

والنظام في تونس لا يختلف عن بقية دول العالم الإسلامي كونه نظام انبثق عن وجهة نظر تفصل الحياة عن الاسلام, فيعطي البشر حق التشريع اي حق التحريم والإجازة ليكون الانسان بذلك إلاها يعبد من دون الله, لقول رسول الله صل الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في حديثه عن احبار اليهود ورهبان النصارى “أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه, ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قلت ( عدي بت حاتم): بلى! قال: فتلك عبادتهم”.

وقد اطلق على النظام  الكثير من الأسماء كالنظام الملكي والنظام الجمهوري والنظام الرئاسي والنظام البرلماني للتضليل والالتفاف وعدم الكشف عن مصدره الذي يخالف الوحي ولا يلتقي معه من قريب ولا من  بعيد وان تضمن بعض أحكام المواريث والزواج, ووصفت الدساتير على غير حقيقتها فدستور 1861 في تونس الذي ألغى العبودية فتح الأبواب على مصراعيها أمام الاستعمار ودستور الاستقلال 1956 ألغى الملكية  ليضع في سدة الحكم رئيسا مدى الحياة واخيرا دستور الثورة الذي اعاد الى الساحة الوجوه الكالحة التي ثار ضدها الناس بل وأوصلهم الى سدة الحكم لكنها اشتركت جميعا في التنصيص على كون الاسلام دين الدولة وهي “الخديعة الكبرى”  باعتبار الاسلام  ليس عقيدة كهنوتية فردية  تتصف به الدولة بل هو نظام ينظم علاقة الانسان بربه (عباداته الفردية) وبنفسه (مطعوماته وملبوساته) وبمجتمعه (العلاقات, البيع والشراء أسباب التملك..) وبالدولة (واجباته وحقوقه وأهمها محاسبة الحاكم).

أما  الحديث عن التنقيحات والتعديلات والمبادرات التشريعية فيثبت التاريخ والواقع أنها مجرد التفاف لخداع الامة وإبعاد الإسلام عن الحكم, فبموجب التعديلات الدستورية عاشت تونس الكومسيون المالي والاحتلال الفرنسي, وبموجب التعديلات عاشت تونس زمن “المجاهد الأكبر والمادة الشخمة” بكل مآسيها, وبموجب بيان السابع من نوفمبر الذي عدل بنود دستور دولة الاستقلال المزعوم عاشت تونس سجينة دكتاتورية رهينة عصابات باعت الارض وما تحتها للكافر المستعمر.

إن المقصود اذا من “سقوط السيستام” هو سقوط لطبقة سياسية وصعود وجوه جديدة وصفت بنظافة اليد وعدم ارتباطها بما سلف من السياسيين واعِدةً الناس بحسن تطبيق الدستور مع اضافة بعض التعديلات “الثورية” معتبرة ان “انتكاسة الثورة” كان سببها هو اساءة التطبيق والفساد وهذا ما يجانب الصواب,  فقانون 1972 (ما عرف عند عامة الناس ب loi 72) أحسن تطبيقه وبموجبه  تمتهن نسائنا وشبابنا بأبخس الاثمان ليجني المستثمر أرباحا طائلة مع اعفاء ضريبي لمدة عشر سنوات. ومجلة المحروقات لا تمنع الشركات الرأسمالية من نهب ثرواتنا حتى ولو دققنا وسهرنا على حسن سير الصفقات واسناد الرخص والرفض لقانون المثلية الجنسية وقانون المساواة يعلم رجال القانون انه رفض سياسي فاقد للسند القانوني في بلاد يحكمها دستور “حرية الضمير” وعلوية “الحقوق الكونية” ويمنح الغطاء القانوني لتدخل المؤسسات المانحة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في رسم سياسات البلاد. وبالتالي فان وصول “الشرفاء والطبقة الثورية ” الى سدة الحكم والى مجالس التشريع لن يغير من الأمر شيئا وما هو الا تضليل للشعوب وإيهام بالتغيير.

فكيف يكون التغيير

ليس الحديث عن التغيير من منطلق الحتمية الواقعية في ظل فشل النظام الرأسمالي أو من باب انتهاز فرصة لحالة ثورية تعيشها الأمة الاسلامية, بل هو ابتداءا انصياع لأمر الله تعالى بوجوب العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بعد أن هدمت دولة الخلافة سنة 1924 واتباعٌ لسنة رسوله صل الله عليه وسلم في تغيير النظام من نظام الجاهلية الى نظام الاسلام. قال تعالى: “قدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”.

فالرسول صل الله عليه وسلم في سعيه لتغيير النظام لم يقتصر على ما عرف به من صدق وامانة ولم يشارك في حكم الجاهلية عندما عرضت عليه قريش أن يعبد آلهتم عاما ويعبدون الله عاما, ولم تحقق له حماية عمه أبو طالب او بضع من رجال قريش ثاروا ضد فساد قانون مقاطعة أصحاب محمد هذه الغاية. فمن سنن الله في كونه استحالة تغيير النظام من داخله. فتغيير “السيستام” لا يكون من جنس الواقع, ولا يلتقي معه في أي جزئية, بل يناقضه في الأساس وفي النظم والأفكار والمقاييس والقيم.

إن حجر الزاوية في عملية التغيير هو التكتل الحزبي, فلقد كتل صلوات الله عليه وسلامه الصحابة في دار الارقم بن الارقم ليخوض بهم غمار الصراع الفكري والسياسي في المجتمع ويوجد رأيا عاما حول دعوته ثم عمل جاهدا لدعوة أهل القوة والمنعة في الجزيرة العربية لنصر دين الله وإقامة دولة تقوم على أساس العقيدة الاسلامية, وهذا الفعل تكرر من رسول الله رغم المشقّة والأذى الذي لاقاه في سبيل ذلك، وهذا قرينة جزم على أن طلب النصرة فرض، وهو وحي من الله.

فالتسلّط والاستبداد وجور الدساتير الوضعية التي ثبتت وجود الكافر المستعمر في بلاد المسلمين لا يزول إلّا بالقوة التي تساند الفكرة، وما التغيير السّلمي من داخل المنظومة إلا فكرة خيالية يروّج لها أعداء الاسلام لقطع الطريق أمام  المسلمين, وفي أحسن الأحوال تحسين شروط العبودية والوقوف أمام إيصال الإسلام الى سدة الحكم.

لقد استخدمت القوة في التغيير قديما وحديثا، فالمشكلة ليست في القوة وإنما في كيفية الحصول عليها وكيفية استخدامها ومتى يكون ذلك، والغاية من استخدامها.

لقد  أقامت الولايات المتحدة الأمريكية دولتها بثورة دموية وكذلك أوروبا في ثورتها على الملوك والقياصرة.. غير ان أحكام الإسلام حددت استعمال هذه القوة المادية في التغيير وحصرتها في طلب النصرة ممن يملكها ويقدر عليها من جيوش الأمة, فهذه الجيوش في أعناقها فرض إيصال الاسلام إلى سدة الحكم وحماية النظام المنبثق عنه ألا وهو الخلافة.

والخلاصة, إن طريق التغيير هو طريق ثابت بثبوت الوحي مضبوط بأحكام شرعية لا تتغير ولا تتبدل. ولا تخضع لإملاءات الواقع ولا الى متطلبات المرحلة, وهي السبيل الوحيد شرعا لتغيير النظام وإسقاط السيستام, والأهم من ذلك وعد الله الذي لا يخلف المعاد لكل من سلك هذا الطريق موقنا بنصر الله ملتزما بأوامره ونواهيه.

قال تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون.”

محمد علاء الدين عرفاوي

CATEGORIES
TAGS
Share This