“طوفان الأقصى” وطبيعة الصّراع

“طوفان الأقصى” وطبيعة الصّراع

كلّما ازداد كيان يهود قتلا وتدميرا ازداد صمت حكّام العرب، فلا تكاد تسمع منهم إلّا همسا خفيّا خجلا، حول ضرورة وقف الحرب ووجوب قيام دولتين يهوديّة وفلسطينيّة. فهل هذا هو الحلّ؟ هل هكذا يكون نصر فلسطين وغزّة؟

 كشفت عمليّة طوفان الأقصىأمورا مهمّة لا بدّ من الوقوف عندها:

  • إنّ قوى الشر الغربيّةّ مهما عظمت وطغت فإنّها لن تستطيع أن تقضي على الحق ما دام وراءه رجال مهما قلّ عددهم. فالدّول الغربيّة كلّها دول معادية للمسلمين، وعداوتها ظاهرة إذ هي التيأسقطت دولة المسلمين الخلافة العثمانيّة ومن ثمّ مزّقوا بلاد المسلمين الواحدة إلى أكثر من خمسين مزقة، جعلوا على كلّ واحدة منها حكّاما علمانيين، سعوا سعيا إلى خدمة مصالح المستعمر، وسعوا سعيا أن يحولوا بين المسلمين ووحدتهم، وأن يزيلوا الإسلام من الحكم أوّلا ومن الحياة كلّما سنحت لأحدهم الفرصة. حتّى ظنّ قادة الغرب أنّ الإسلام قد زال من نفوس أهله وأنّ الأمّة الإسلاميّة قد ضعفت ووهنت وصارت تابعة له في السياسة والثقافة والفكر… ولكنّ ظنّه خاب، حين رأى المسلمين يلتفّون حول العراق يريدون قتال أمريكا وحلفها، وحين رأى المسلمين يثورون على نظامهم وعلى عملائهم في 2011، وحين سمع كما سمع كلّ العالم أنّ المسلمين يريدون التّحّرر من الهيمنة الغربيّة.

  • بعد أن ثار المسلمون في كلّ البلاد الإسلاميّة وطردوا الطّغاة، نزلت الدّول الاستعماريّة (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) بكلّ قواها من أجل أن تسيطر على الثورة حتّى لا يتّجه المسلمون إلى الوحدة تحت راية الإسلام، ورأينا جميعا ماذا حصل في بلاد الثورة، كيف تدخّلت قوى الشّرّ الغربيّة وجعلت بلاد المسلمين ساحات حروب تدميريّة، أو ساحات صراع علمانيّ – علمانيّ، كلّ ذلك من أجل حرف الثّورة عن الاتّجاه الصّحيح ومن ثمّ الالتفاف ثمّ تدميرها بتدمير بلاد المسلمين وإضعافها.

  • إنّ الأمّة الإسلاميّة حيّة، لم تمت ولن تموت فلا يُعدم منها رجال مجاهدون صابرون مصابرون يتصرفون بما يُمليه عليهم الواجب على ضوء فكرة الجهاد.وإنّ سيطرة الغرب المستعمر على بلاد المسلمين كلّها،وتسيير الحكّام تسييرا كاملا وشاملا، لا يعني أنّالمسلمين عربا كانوا او غير عرب قد استسلموا لهذه السّيطرة، بل أظهروا أنّهم أمّة واحدة سلمها واحدة وحربها واحدة، وهم جميع على من عاداهم.

  • وإنّ المستعمرين مهما فعلوا في المنطقة ومهما مكروا ومهما أجرموا، سواء أكان مباشرة أو عن طريق عملائهم، فإنهم لن يستطيعوا قطع هذه الفروع عن جذورها النبيلة الماجدة. فلا غرابةأن يوجد في المنطقة رجال، بل من الطبيعي أن يوجد فيها في جميع الاوقات من يتصدّى للاستعمار الغربي.

  • وإذا كان هذا يدل على شيء فانه يدل على ان امريكا وحلفائها أنجلترا وفرنسا لن يستطيعوا ولو اجتمعوا ان يوجدوا لليهود دولة في فلسطين، أو أن يجعلوا الأمة تسكت عن وجود كيان صهيونيّ في المنطقة ولو أدّى الى حرب الألف عام. فأرض الشّام ولا سيما فلسطين قضيّة طالما تحطمت عليها أحلام الطّغاة وانكسرت أعناقهم.

  • الشّام وفلسطين الأرض المباركة لن تكون إلّا بلدا اسلاميّا مهما حاول المجرمون افتكاكها، ومهما حاول الخونة من حكّام المسلمين تسويق الهزيمة والدّعوة إلى التّفاوض مع الكيان الصّهيونيّ. وما أهلنا وإخواننا من أهل فلسطين الأرض المباركة إلّا صفّا لجهاد الأوّل، وهم ثابتون صابرون مصابرون مستعدّون للجهاد حتّى آخر جندي، بل حتّى آخر طفل وآخر امرأة، وتراهم يحاربون بالسّلاح وبالصّدور العارية وبقلوب مؤمنة بالله العليّ العظيم يُحاربون بالصّبر والثّبات. حتى يفنوا او يفنى عدوهم.

  • إجماع الدّول الغربيّة، الآثم، على الوقوف ضد المجاهدين في فلسطين وغير فلسطين ووصمهم بال”مخرّبين” والإرهابيين. ودعمهم بل تحالفهم مع الكيان الصّهيوني. إنّما يدلّ على الحقد الأسود التي تغلغل في نفوسهم لا على الفلسطينيين فحسب بل على المسلمين في المنطقة كلها. وإنّا نعلم أنّ الغرب كله متفق على إيجاد اليهود في فلسطين ليكونوا شوكة في قلب بلاد الإسلام، وقذى في أعين المسلمين ونعلم أن الغرب كلّه يسند كيان يهود بالمال والسلاح، فأمريكا ورئيسها “بايدن” ووزير خارجيّته يزوّدون مجرمي الحرب وعصابات صهيون، بالمال والسّلاحونعلم أنّ بريطانيا وفرنسا سعتا سعيا آثما في التّحالف مع أمريكا من أجل لا القضاء على حماس أو ذراعها العسكري، بل جميعهم يسعى إلى تدمير قوى الأمّة الإسلاميّة الماديّة والنّفسيّة وتدمير ما بقي فيها من نفس ثوريّ.

  • قد آن الأوان بعد هذا الإجماع الغربي الأثيم، أن يدرك المسلمون عداوة الغرب لهم، وأن يدرك أهل المنطقة كلهم أنّ عدوّهم الأصلي إنّما هو الغرب:أمريكاوروسيا وبريطانيا وفرنسا بالذات، وأنّكيان يهودإن هوإلّا أداة صغيرة فييد هذا الغرب المجرم.

  • لذلك فان الحرب يجب ان لا توجّهإلى الأداة الكيان الصّهيوني، بل يجب أن يواجه الغرب كله بهذه الحرب، وأن تهاجم مصالحه في المنطقة كلها حتى تُقلع هذه المصالح من جذورها ولا يبقى له من أثر، وحتى يسقط جميع عملائه سقوطا نهائيا لا يمكنبعدها لعميل أو خائن أو متخاذل أن يتولّى الحكم في أيّ بلد من بلاد الاسلام .

وإنّ الجهاد لا يجب أن يقتصر على الثّلّة المؤمنة الصّابرة من المجاهدين في غزّة، بل يجب أن يشمل جميع المسلمين باعتبارهم أمّة واحدة سلمهم واحدة وحربهم واحدة. ومعلوم أنّه لا يقدر على القتال إلّا الجيوش المنظّمة وأنّ حركة الجيوش يجب أن تكون بصيرة بالحقّ لا عمياء، ولا بصيرة حقيقيّة إلّا ما جاء به إسلام ربّ العالمين، أي لا قيادة سياسيّة واعية، مبنيّة على العقيدة الإسلاميّة، لأنّها الفكرة الوحيدة الصّحيحة التي أثبتتها الدّلائل القطعيّة اليقينيّة. ولأنّها رسالة ربّ العالمين لكلّ النّاس. لذلك فإنّ قتال المقاتلين وجهادهم في غزّة وفي عموم فلسطين وحدها، لا يكفي، بل يجب أن يلتحق بهم كلّ المسلمين في هذه المواجهة الفاصلة بين الحقّ والباطل، بين المسلمين بوصفهم أمّة واحدة وبين عدّوّهم الحقيقي والمباشر أمريكا وبريطانيا وحلفاؤهما.

وأنّ إيقاف الحرب على هذه الحال، ليس إلّا تخاذلا وتآمر لا الفلسطينيين فحسب بل على كلّ المسلمين، وخذلان لا للأحياء فقط بل للشّهداء ودمائهم الزّكيّة التي سالت من أجسادهم وهم ثابتون صابرون لا يسلّمون الأرض المباركة إلى الأعداء. ذلك أنّ الدّعوة إلى دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس ما هو إلّا اعتراف بوجود كيان مجرم غاصب والاستسلام له في الوقت الذي نقدر فيه على قلعه من بلادنا نعم نحن قادرون على محو كيان يهود، بدليل ما يفعله المجاهدون هناك على قلّة عددهم وسلاحهم، وعلى كثرة أعدائهم وعلى الحصار الذي يفرضه حكّام المسلمين كافّة ولا نستثني منهم أحدا.

إنّ الدّعوة إلى دولة فلسطينيّة، هو مقدمة لضرب المجاهدين، وأول الطريق نحو ترسيخ وجود كيان يهود على أرض فلسطين.هذا ما تعنيه الدّعوة إلى دولة فلسطينيّة،

ان الغرب رغم معرفته بالحروب الصليبية ورغم حرب المائة عام، فانه لا يدرك ما هي قضية فلسطين وما هي منزلة فلسطين في قلوب المسلمين، ولذلك يظن ان مخططاته بشأنها ستنفذ, وانه سوف ينهيها باقتطاعها أبديا لنفسه تحت مسمّى  “حلّ الدّولتين”.

ولكننا نحن المسلمين ندرك من هي أمتنا وما هي قضية فلسطين وما هي منزلة فلسطين، لذلك فانّا على يقين بأن الحروب الصليبية قادمة ولا شك وان الامة الاسلامية اذا كانت استمرت مائة عام او مائتي عام فيحرب مع الغرب في سبيل فلسطين، فان الامة الاسلامية اليوم على استعداد لان تستمر الف عام في حرب مع الغرب في سبيل أن تتحرّر فلسطين مرّة أخرى وسائر البلاد الإسلاميّة، ولذلك فإننا لا نخشى على فلسطين الضياع، ولا شكّ عندنا في زوال كيان يهود الصهيوني. واخراج اليهود من فلسطين ولكنا نخشى ان تتضاعف التضحيات وأن يرتفع ثمن إنقاذ فلسطين عمّا ينبغي أن يدفع منه.

 لذلك فإنّ واجب الأمة كلّها أن تحافظ على حالة الحرب، وان تخوض المعارك الدامية في حرب مدمرة مهما كان الثمن, لان هذا هو الذي يسهل إنقاذ فلسطين, وهو الذي يمكن الأمة من خوضها حربا ضروسا, حربا صليبية ولو استمرت مئات السنين.

CATEGORIES
Share This