أعلنت وزارة الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي عن تعطل إنتاج الفسفاط بصفة شبه كاملة خلال شهر جويلية حيث لم يتجاوز مستوى 36 ألف طن منذ بداية الشهر الحالي. كما تعطل الوسق بصفة كاملة عن طريق القطارات وشبه كاملة عن طريق الشاحنات نتيجة اعتصامات طالبي الشغل. وقد انجر عن هذه الوضعية تراجع مستوى المخزون بمصانع المجمع الكيميائي التونسي إلى أدنى مستوياته مما يدفع المجمع إلى إيقاف وحداته الصناعية بصفة كلية في ظرف يومين. وقد أصبحت الوضعية حرجة إلىحد عدم قدرة المجمع الكيميائي التونسي على توفير الأسمدة الضرورية للسوق المحليّة قصد الاستعداد للموسم الفلاحي القادم علاوة على الوضع المالي الصعب حيث أصبحت عاجزة على تأمين أجور أعوانها وخلاص حرفائها. وقالت الوزارة في البلاغ أن المطالب الاجتماعية الوجيهة في الجهة لا تحجب عنها الحالة الاستعجالية التي وصلت إليها الشركة وضرورة جعل إنقاذها بالتوقف عن تعطيل الإنتاج أولوية قصوى، خصوصا في ظل الأزمة السياسية والمالية التي تمر بها البلاد، كما تحذر كل من يتسبب في تعطيل الإنتاج أو الوسق أو الحاق أي ضرر بمؤسسات القطاع بتطبيق القانون بصرامة.
منذ مقاعد الدراسة نتعلم أن أرضنا شحيحة الموارد وفقيرة ونسمع أن إنتاجنا من الفسفاط هو الخامس عالميا, ويعلموننا أننا نستورد جميع حاجياتنا من الطاقة “غاز وبترول “وأن بلادنا لا قدرة لها على استخراج ثرواتها من باطن الأرض, ولهذا فنحن مضطرون إلى إعطاء امتيازات الربح والتصرف الكامل في الأرض والثروة لصالح الشركات الأجنبية التي ما كانت لتنتصب في البلاد وتنفق الأموال لو لم تكن عائدات الإنتاج والاستخراج مجزية.
واليوم وبعد عشرات السنين من الإنتاج وبعد تبديد مئات وآلاف المليارات من أموال المسلمين يخرج علينا أحد التابعين لحكم الغرب ويقول إن شركة فسفاط قفصة صارت عاجزة وحالتها استعجالية…
أوّلا نقول, إن الاحتجاج والمطالبة بالحقوق والاعتصام والمرابطة في طلب الملك العام من قبل أهله حق وفعل حتمي لا ينتظر من أصحابه أمرا ولا نهيا, ولو كانت الوزارة المكلفة بالطاقة والمناجم تتفهّم حقا وجاهة المطالب الإجتماعية لما سمح القائمون عليها لأنسفهم ترك حكم الله الذي يقضي بأن تكون المناجم وإنتاجها ملكية عامة وتحت إشراف الحاكم لا شركات الغرب الرأسمالية ومكاتب دراساته ومهندسيه..
إذ يأتي هذا البلاغ في إطار التضليل الحكومي والتعتيم على حقيقة ارتهان الحكام والوزراء لقرارات دوائر الحكم الغربية, ولن أقول هنا بأن هذا إعلان فشل منهم بل هو إعلان لمزيد تواطئ وبحث عن التبرير لما اقترفته أيديهم من جريمة تمكين صناديق النهب الأجنبية وواضعي سياسات الاستعمار الغربي من مقدرات أهل تونس وثرواتهم التي جعل الله لهم فيها قياما. لأن الفاشل من تبدر منه محاولة للخير والتقدم لصالح العامة, بينما حضرة الوزير يهدد ويتوعّد المحتجين ويحمّلهم مسؤوليه عبثه وعبث من سبقه من حكومات تتالت زياراتها إلى المنطقة حاملة التسويف والكذب المتواصل لسنين طويلة.
لقد أخذت حالة الاستعمار والهيمنة الفعلية على العقول والثروة من بلادنا وخاصة من حكامها كلّ مأخذ حتى صاروا لا يرون مخرجا في غير توجيهات المستعمر وتتبع خطواته إلتى سترديهم المهالك, وقد حصل, فكلّهم مرهون بأمر المسؤول الغربي المقتحم بلادنا من كل جانب, فلا قدرة لهؤلاء الوزراء على التصرف في مقدراتنا إذ لم يترك لهم صندوق النقط الدولي وشركات النهب الأجنبية مجالا للتحرك والتصرف في شيء دون الرجوع إليهم, فكان اهتراء معدات الإنتاج في شركة فسفاط قفصة أولا واستفحال حالة النزيف التي تصب أموال عائداتها في شريان حسابات لوبيات فاسدة ومتمعشة مرتبط أغلبها بحاشية الحكم, وتواصلت وضعية السلب والإفساد على مرأى ومسمع رؤساء الحكومات وبمشاركة منهم بطرق مختلفة, إلى أن أتى أمر صندوق النقد الدولي بإيقاف الانتداب وإبقاء حالت البطالة والعطالة في ربوع تزخر أراضيها بثروات تكفي مواردها وعائداتها أضعاف أضعاف أهل البلاد عامة, ولكن سيف الإستعمار سبق وأغار جرحه في أجسادنا بفعل هؤلاء الحكام فاقدي النخوة والأمانة..
فهل يُعقل والحال هذه أن نعيش الضنك والحاجة ونحن من أمة قال فيها رب العزّة:“كنتم خير أمة أخرجت للناس“ ؟ طبعا لا فإن الله الحكيم العليم الذي وصفنا بذاك الوصف الكريم ألهمنا طريقا وحيدا سالكا لكي نكون كذلك ونمتلك أمرنا ونبسط سيطرتنا على مقدراتنا.
فإلى شباب قفصة واهل تونس عامة أقول: إن الفسفاط وكل ما حوت باطن الارض من ثروات وماء عدّ هي ملك عام لكم وللمسلمين جميعا ولكم كل الحق في طلبها والانتفاع بها, وإننا في حزب التحرير معكم نبين لكم كيف تعود هذه الثروات وكيف تؤول إليكم من جديد، وإن دولة محكومة لا طاقة لها بذلك, بل إن السبيل الوحيد لذلك هو دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي ستكون حاكمة قولا وفعلا, لتنهي هيمنة الغرب ورأسماليته العفنة من بلادنا وتقر حكم الله العادلعوضا عنه، فكونوا من السباقين لها والناصرين لحملة دعوتها تفوزوا فوزا عظيما.
وإن الغرب وأعوانه يعملون جاهدين لإفشال اي تحرك للأمة نحو خلاصها وفي أي جزء من بلاد المسلمين, لمنع اي تغيير حقيقي وجذري يمكن أن تقوم به وتسترد به حقوقها كاملة. ومما سهل لهم هذا الأمر أنهم يجدون من أبناء المسلمين عملاء مخلصين يحفظون لهم نفوذهم وهيمنتهم على مقدراتنا, فلا تركنوا إليهم وتنخدعوا بوعودهم التي ثبت لكم زيفها مرات ومرات, وتشبثوا بوعد الله العزيز بالتمكين وأن لا يضيع عمل عامل منكم ما دام في سبيله.