عشر سنوات على الأزمة الاقتصادية العالمية
يصادف صيف 2017 الذكرى السنوية العاشرة للأزمة الاقتصادية العالمية. فقد انهار ليمان براذرز في أمريكا، وأوشك وول ستريت على الانهيار ووقع الاقتصاد العالمي في أزمة. فقد فُقدت تريليونات من الأموال في الإنتاج (22 تريليون دولار في أمريكا، في غضون خمس سنوات فقط)، وأصبح الملايين من العمال عاطلين عن العمل، وقدمت الآلاف من الوعود من جانب السياسيين وصانعي السياسات – الجميع من باراك أوباما وغوردون براون إلى ديفيد كاميرون وكريستين لاغارد – بأن الأمور ستتغير. ومع ذلك، وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، لم يتغير الكثير. فما زالت القضايا الأساسية التي تسببت في الكثير من الأزمات دون حل، في حين إن الجناة قد تمت العناية بهم من قبل الحكومات في الغرب من خلال عمليات الإنقاذ والتيسير الكمي؛ طباعة النقود.
ولا تزال الاقتصادات الرئيسية في العالم تكافح من أجل تحقيق نمو مستدام، على الرغم من سنوات من التحفيز النقدي والمالي. وتواجه العديد من الاقتصادات الرائدة في العالم أيضاً تحديات هيكلية طويلة الأجل، بما في ذلك ارتفاع الديون، والشيخوخة السكانية، وعدم كفاية البنية التحتية.
وقد دفع المضاربون الماليون الكثير من الأموال الرخيصة التي أنشأها الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، وبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي إلى الأسواق ذات العائد المرتفع في جنوب أفريقيا والبرازيل والهند وغيرها. ويعتقد الاقتصاديون في بنك التسويات الدولي – البنك المركزي للبنوك المركزية – أن 9.8 تريليون دولار تم ضخها في قروض البنوك الأجنبية والسندات في النصف الأول من العقد بعد انهيار ليمان براذرز. وقد دُفع نحو 7 تريليون دولار من تلك الدولارات إلى الأسواق الناشئة.
منذ الأزمة المالية في عام 2007 تم اعتماد مجموعة من التدابير الطارئة ليس فقط لإنقاذ الاقتصادات الغربية ولكن لإنقاذ النظام المصرفي. فلقد كان هناك خطر حقيقي جداً من انهيار البنوك على نطاق واسع، وكان من المتوقع أيضاً انكماش وكساد على نمط ما حصل في ثلاثينات القرن الفائت. وشملت عمليات الإنقاذ المصرفي ما يصل إلى 21 تريليون دولار، واتُّبعت مجموعة من السياسات “غير الاعتيادية” الأخرى للبنك المركزي. وقد صممت جميعها لإنقاذ النظام، وإنقاذ البنوك وتوفير النمو في الاقتصادات الغربية. وعلى الرغم من هذه التدابير التي شملت التيسير الكمي (طباعة النقود) وتخفيض أسعار الفائدة إلى الصفر تقريبا، إلا أن الانتعاش الاقتصادي في الغرب كان بطيئاً بشكل مؤلم.
في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في دافوس، سويسرا من 20-23 كانون الثاني/يناير 2016، قرر زعماء العالم تصعيد الحرب على النقود الورقية (الكاش) بشكل كبير ما من شأنه أن يسهل عليهم فرض أسعار الفائدة السلبية. وكان حلهم لهذه “المشكلة” في عام 2016 هو دفع العالم إلى مجتمع غير نقدي. وبدأت البنوك المركزية في عام 2016 هذه العملية عن طريق الإلغاء التدريجي للفئات الكبيرة من الأوراق النقدية والعملات، مما يجعل المعاملات النقدية الكبيرة غير عملية. وأوضح عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق رون بول: “إن المجتمع غير النقدي هو حلم مصلحة الضرائب الأمريكية: المعرفة الكاملة والسيطرة على الشؤون المالية لكل فرد أمريكي”.
وكان من أهم الأحداث في التاريخ الاقتصادي الحديث تسريب 11.5 مليون وثيقة تغطي الأعمال اليومية لشركة المحاماة موساك فونسيكا في العام 2016 والتي نصحت أكبر الشركات في العالم والدكتاتوريين والملوك وكذلك القادة المنتخبين ديمقراطياً حول كيفية إخفاء المال وتجنب الضرائب.
وكشفت هذه الحادثة مرة أخرى، مع وجود عدد هائل من الأدلة، على أنه في حين يضطر كثيرون في العالم إلى التقشف، فإن الأغنياء والأقوياء يدفعون ضرائب قليلة من خلال استخدام الحسابات الخارجية. وستأتي أكبر الآثار المترتبة على التسريبات من خلال الضوء الذي تسلطه على النظام المصرفي والمالي نفسه. وليس سراً أن الثروات الهائلة المخزنة في تلك الحسابات تشمل أصولا خفية بنسبة 8٪ من الثروة المالية العالمية. ولكن لم يسبق أن تم الوصول إلى التفاصيل. وظاهرة الحسابات الخارجية هي أعراض لحالة أكثر خبثاً. وقد ظل التفاوت بين الأغنياء والفقراء ينمو منذ عقود، وهذه الحسابات الخارجية الهائلة تعكس هذا الاتجاه.
وقد أنقذت الحكومات الغربية نفسها من الانهيار الاقتصادي من خلال إنقاذ البنوك التي خلقت الأزمة. وتم تمويل ذلك عن طريق خفض الميزانيات الحكومية والضمان (الاجتماعي) للجمهور العام تحت ستار “نحن جميعاً في هذا معاً”. وغطوا الشقوق واستمروا في نشر أيديولوجيتهم في جميع أنحاء العالم. ولا يزالون يقدمونها باعتبارها أساساً لحل الفقر العالمي والديون العالمية، على الرغم من حقيقة أن أيديولوجيتهم هي التي تسببت في الأزمة الاقتصادية العالمية.
عدنان خان