علامات سقوط الدول تَوَلّي الحمقى قيادتها

علامات سقوط الدول تَوَلّي الحمقى قيادتها

عندما يتولى الحكم من هو ليس بأهل له في بلد ما، فإن ذلك يدل على وجود خلل غير بسيط في هذه الدولة، وإلا فكيف تسمح لرجل ليس بأهل أن يصل إلى هذا المقام! وهذا يؤدي إلى اضطرابات وتناقضات وعدم ثقة في الدولة وحكامها، وفي النهاية إلى سقوطها عن مرتبتها.وإذا كان أصحاب القوى والفعاليات واللوبيات والمؤثرون وخاصة أصحاب رؤوس الأموال أرادوا ذلك؛ فمعنى ذلك أن الدولة في خطر، فهي بأيدي معينة تلعب فيها وفي مقدرات الشعب لصالحها، فهي لاتعبر عن إرادة شعبها. ومهما طال الزمن أو قصر فإن شعبها سيكتشف ذلك ويثور عليها ليسقطها ويبحث عن نظام جديد له. وإذا كانت هذه القوى التي تلعب بالدولة هي قوى خارجية؛ فالدولة تكون غير مستقلة وتكون إرادة شعبها مسلوبة، وتبقى في الحضيض، إلا إذا كان لدى شعبها فكر فإنه سيثور عليها. لأن السلطان هو للشعب وليس للحاكم، والشعب هو الذي أناب الحاكم ليطبق عليه المفاهيم التي تبناها هذا الشعب والمقاييس التي اتخذها مقياسا له والقناعات التي ترسخت لديه.

ترامب وبداية حلقات السقوط

فوصول شخص مثل ترامب إلى الحكم في أكبر دولة في العالم ينظر إليه من هذا القبيل، ويكاد الإجماع السياسي يصل إلى حد القول بأن هذا الرجل ليس أهلا للحكم، بل هو أحمق وغبي يتخبط في قراراته وتعيناته وعزله للاشخاص الذين وثق بهم بالأمس!

ففي أثناء الانتخابات الأمريكية عام 2016 هناك سياسيون أمريكيون يعرفون ترامب وقد احتجوا على ترشحه ورفعوا أصواتهم. فقد ذكرت صحيفة “هيل” الأمريكية يوم 6/10/2016 أن 30 عضوا سابقا في الكونغرس الأمريكي ينتمون للحزب الجمهوري الأمريكي نشروا رسالة يكشفون فيها عن خطورة انتخاب مرشح حزبهم الجمهوري ترامب رئيسا لأمريكا. وطالبوا الرعايا الأمريكيين بعدم التصويت له في الانتخابات الرئاسية والتي جرت يوم8/11/2016 وقالوا في الرسالة: “في هذا العام أصبح مرشحا من حزبنا شخصٌ يعرّض المبادئ والقيم التي نحترمها للسخرية” وقالوا:”إن كل مرشح لمنصب الرئيس الأمريكي من الضروري أن يكون لديه علم وذكاء وقدرة على فهم مواقف الآخرين والمنطق السليم والشخصية المناسبة من أجل إبقاء الولايات المتحدة على طريق الاستقرار والأمن، لكن دونالد ترامب لا يمتلك حتى واحدة من هذه المميزات، وليس لديه احترافية كافية ليكون رئيسا”. ووصف كولن باول عضو الحزب الجمهوري ووزير الخارجية الأمريكي السابق مرشح حزبه ترامب بأنه “عار وطني وشخص منبوذ دوليا تحالف مع عنصريين يشككون في ميلاد الرئيس باراك أوباما”، ووصف هيلاري كلينتون بأنها “جشعة ولها طموح جامح” وقال:”وأنا جمهوري سأصوت لها لأنها أفضل من ترامب” أي لأنها أفضل السيئين، فلم يعد يوجد عندهم من هو بحسن أو جيد. فكل ذلك يدل على الانحطاط التي بدأت تنحدر إليه أمريكا، فعندما لم تجد غير هذين المرشحين وهما أفضل ما لديها فيدل ذلك على السقوط القادم لأمريكا.

ترامب محل قلق سياسيّي أمريكا

وبعد وصول ترامب إلى الحكم، فكثير من الذين عملوا معه ووثق بهم استقالوا أو أنه أقالهم، مما يدل على أن هناك خلل كبير في الإدارة الأمريكية وفي رئيسها. فمن هؤلاء عضو مجلس الشيوخ الجمهوري ورئيس العلاقات الخارجية في المجلس بوب كوركر الذي حذر من خلال صحيفة نيويورك تايمز يوم 8\9\2017 من أن “ترامب يهدد بوضع البلاد على مسار الحرب عالمية ثالثة” ووصف تصرف ترامب :” كأنه يقدم برنامج ذي أبرنتس أو شيء من هذا القبيل” إشارة إلى البرنامج الذي كان يقدمه ترامب في تلفزيون الواقع. وقال إن ترامب يقلقني ويتعين أن يقلق أي شخص يهتم ببلدنا، أعلم أنه ألحق الضرر في عدة مواقف. ألحق بنا الضرر فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية بكشف تفاصيل على تويتر .. العديد من الناس يتصورون أن هناك توزيع أدوار الشرطي الشرير والشرطي الطيب لكن هذا غير حقيقي”. وكان كروكر مستشارا للأمن القومي لترامب خلال حملته الرئاسية عام 2016 وكان على قائمة ترامب المصغرة العام الماضي للمرشحين لتولي منصب نائب الرئيس أو زير خارجية، لكن كوركر انتقد ترامب في تعامله مع مظاهرات القوميين البيض بسمو العرق الأبيض في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا في آب الماضي”. فقد أثبت عنصريته وتفريقه لشعبه ولا يفعلها إلا أحمق.

وقد كشف ثلاثة مسؤولون لتلفزيون (إن بي سي نيوز) الأمريكي يوم 4\10\2017 أن تيلرسون قال يوم 20\7\2017 :” إن ترامب رجل أحمق” وكان على وشك الاستقالة في ذلك التاريخ احتجاجا على حماقة رئيسه، إلا أن “نائب الرئيس بنس أقنعه بالبقاء” كما ذكر المسؤولون الأمريكيون الثلاثة. فبقي هذه المدة على مضض مع قائد أمريكا الأحمق.

وقامت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بإحصاء أكاذيب الرئيس الأمريكي ترامب منذ لحظة فوزه يوم 20\1\2017 حتى 14\11\2017 خلال مدة 298 يوما قضاها في البيت البيض قد بلغت 1628 تصريحا كاذبا أو مغلوطا. مما يعني أنه يطلق يوميا 5,5 تصريحا كاذبا في اليوم. وإذا استمر على هذا المنوال حتى نهاية ولايته 4 سنوات سيبلغ عدد تصريحاته الكاذبة 8 آلاف. وذكرت أنه عادة ما يستخدم الأخبار الملفقة لكنه في الوقت نفسه يدلي بنفسه بأخبار مغلوطة وكاذبة.فهو إذا رئيس دجال كذاب فهو مؤشر قوي على سقوط أمريكا. فالدولة التي يكون رئيسهاكذّاباويكذب على شعبههي في طريق الانهيار.

وجاء اليوم الذي ينتقم فيه الرئيس الأحمق من وزير خارجيته ليعزله بعد سنة من تعينه؛ فأعلن ترامب على حسابه في “تويتر” يوم 13\3\2018 عزل وزير خارجيته تيلرسون وتعيين مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية مايك بومبيو مكانه. والجدير بالذكر أن وزير الخارجية الجديد بومبيو يعتبر من الأعداء شديدي العداوة على الإسلام والحاقدين عليه. فقد أطلقت عليه وسائل الإعلام الأمريكية لقب ” محارب الإسلام”. إذ طالب عدو الله بومبيو أن يطلق وصف ” داعمي الإرهاب” على جميع المسلمين الذين لا يدينون علنيا العمليات ” الإرهابية”.

 وكان ترامب قد عين شخصيات عديدة من المقربين والداعمين له في مراكز مهمة، ولكن بعد مدة غير طويلة إما أن يقيلهم أو أنهم يستقيلون مستائين من تصرفاته. مما يدل على أن الرجل غير متزن، وأنه لا يستطيع أحد أن ينسجم مع تقلباته وعدم استقراره وتخبطه. فكان انتخاب ترامب إحدى المؤشرات الدالة على انحدار أمريكا نحو الهاوية. وما يثبت حماقته أنه لم ينتظر عودة وزير خارجيته تيلرسون من جولته الأفريقية ولم يعلمه سابقا حتى عزله بتغريدة على ” تويتر”.

تيلرسون يُرقّع هذيان ترامب

وتيلرسون كان في جولة بأفريقيا يحاول ترقيع هذيان رئيسه ترامب عندما وصف شعوب أفريقيا وهايتي والسلفادور بأنها حثالة. إذ نقلت وكالة رويترز يوم 13\1\2018 عن مصدرين أن ترامب ذكر أمام بعض أعضاء مجلس الشيوخ أثناء لقائه إياهم في مكتبه قال مشيرا إلى هذه الشعوب :” لماذا نريد كل هؤلاء الناس من أفريقيا هنا؟ هذه حثالة الدول. يجب أن نستقبل مزيدا من الناس من النرويج”. حيث التقى رئيس وزراء قبل يومين من ذلك التاريخ. ومن ثم نفى أنه قال مثل ذلك، إلا أنه تناقض مع نفسه من حيث لا يدري، فأكد بصورة أخرى أنه قال مثل ذلك :” أريد نظام هجرة على أساس المهارة .. فكروا في مجيء المؤهلين وأوقفوا هجرة الأقارب والهجرة العشوائية إلى الولايات المتحدة”. مما يؤكد حماقة هذا الرجل عدا أمراضه النفسية بشدة كراهيته لشعوب وأقوام بعينها واستهزائه بها وكذلك شدة عداوته للإسلام والمسلمين من دون أن يكلف نفسه أن يفكر قليلا في الإسلام، ويبحث في هذا الدين العظيم الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف، وساد العالم 13 قرنا بدولة عظمى دامت مدة عشرة قرون وهي الدولة الأولى في العالم، وقد تكالبت عليها دول العالم لإسقاطها.ولهذا الدين أمة عظيمة تجمع البشر من كل شعوب العالم، فهذا الدين نجح نجاحا منقطع النظير لأنه صهر كل من يعتنقه في بوتقته، فلا يميز بينهم بشيء. وهذه الأمة العظيمة تتوق للنهضة فهي حية بحيوية دينها وتكافح من أجل التحرر من ربقة الاستعمار ولا تقبل الذل والمهانة ، فهي أمة كريمة، وفيها قوى حية مفكرة ومبدعة وفيها أحزاب مخلصة مبدئية سياسية كحز.. التح.. تعبر عن إحساس الأمة وتقودها نحو النهضة وإقامة دولتها لتجمع لحمتها وتوحد صفوفها وتطبق مبدأها الخالد متجسدا في دولة عظيمة ألا وهي دولة الخلافة الراشدة.

ترامب والتخبّط في الأساليب السياسية

عدا ذلك فإن ترامب مشهور بتناقضه في اتخاذه القرارات وتراجعه عنها، ففي سياسته تجاه كوريا الشمالية يظهر التناقض والتخبط، فعندما وصفه وزير خارجيته تيلرسون بالأحمق، كتب يومها ترامب على حسابه في موقع تويتر :” لقد قلت لريكس تيلرسون وزير خارجيتنا الرائع إنه يضيع وقته في محاولة التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير” ويقصد رئيس كوريا الشمالية، حيث كان تيلرسون يتفاوض مع الكوريين الشماليين سرا في الصين. والآن يعلن ترامب أنه سيلتقي مع هذا الرجل الصغير ويفاوضه مما يدل على عدم اتزانه! وقد أرسل نائبه بنس إلى كوريا الجنوبية ليلتقي مع وفد كوريا الشمالية،فقال مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي يوم 7/2/2018 في كلمة لقوات بلاده الموجودة في قاعدة يوكوتا الجوية باليابان إن “بلاده ستسعى دائما للسلام وسنعمل أكثر من أي وقت مضى من أجل مستقبل أفضل…” قال ذلك وهو يتأهب للذهاب إلى كوريا الجنوبية في محاولة للقاء مسؤولين من كوريا الشمالية تحت غطاء حضور افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونج تشانغ التي تبعد نحو 80 كلم عن الحدود مع كوريا الشمالية. ويحضر الافتتاح اثنان من كبار مسؤولي كوريا الشمالية.

وقد رتب لقاء بين الوفد الكوري الشمالي مع بنس نائب الرئيس الأمريكي ولكنه ألغي. فأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية نويرت يوم 20\2\2018 “خلال زيارة مايك بنس لبيونغ تشانغ بمناسبة افتتاح الألعاب الأولمبية، كانت هناك إمكانية للقاء قصير مع قادة الوفد الكوري الشمالي، كان نائب الرئيس مستعدا لاغتنام هذه الفرصة من أجل التشديد على ضرورة تخلي كوريا الشمالية عن برنامجيها غير المشروعين للصواريخ الباليستية والنووية.. وفي اللحظة الأخيرة قرر مسؤولون من كوريا الشمالية عدم المضي قدما في اللقاء.. نأسف لعدم اغتنامهم هذه الفرصة”. وكل ذلك بعد تصريحات ترامب بأنه سيدمر كوريا الشمالية ويمسحها عن وجه الأرض! فأصبحت أمريكا تبدو في مظهر المستجدي لكوريا الشمالية للتفاوض معها، فتهديداته ذهبت مع أدراج الرياح. مما يدل على التخبط في اتباع الأساليب في السياسة.

وترامب يشبه فرعون في حماقته الذي أردى قومه فأوردهم موارد الهلاك في الدنيا والآخرة، فأخبرنا الله حقيقة سياسية بأن من علامات سقوط الدول تولي الحمقى قيادة شعوبهم: ” فاتبعوا أمر فرعون، وما أمر فرعون برشيد” ” يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار”.

أمّا حكّام البلاد الإسلامية الرويبضات..

وأما حكام بلادنا الإسلامية وقد وصفهم قائد الأمة إلى الأبد ورسولها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالرويبضات.فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ»، (أخرجه أحمد في مسنده وأخرجه الحاكم في المستدرك). فهؤلاء الحكام، بل هؤلاء النواطير المضبوعين بالغرب وبثقافته المنحرفة فحدث عنهم ولا حرج. ولكن إذاحدثمثل ذلك في أمريكا وهي دولة بمعنى الكلمة، بل دولة عظمىأن تولى رئاستها رجل أحمق فإنه يورد شعبه موارد المهالك ويقودها نحو الهاوية، كسائق أحمق يقود حافلة ملئية بالركاب فيهوي بهم في واد سحيق. فبلاد المسلمين لا يوجد فيها دول أصلا بمعنى الكلمة، فهي دول كرتونية، بل هي مستعمرات أقام المستعمر فيها دولا ليخفي حقيقة استعماره، وهي تأتمر بأمره وتحارب شعوبها لحسابه، وتعمل على تجويعهم وإذلالهم وقهرهم وجعلهم يستسلمون للمستعمر بفكره العلماني البغيض المخالف للعقل وللفطرة، وبديمقراطيته الفاسدة التي تجعل البشر مشرعين، بل تجعل الإنسان الغربي هو المشرع والدول المستعمرة كالبلاد الإسلامية كلها مستوردة لتشريعاته ودساتيره الباطلة، بل تفرضها على أهل البلاد المسلمين فتخالف دينهم وإرادتهم ومن ثم يقولون هذه ديمقراطية! وكذلك الحريات التي تحط من قيمة الإنسان وتجعله كالدواب التي لا تسمع ولا تعقل ولا همّ لها إلا إشباع نزواتها وشهواتها ومعدتها، وتقتل فيه إنسانيته وتجعله عبدا لهواه، فيصدق فيه قول خالقه عز وجل ” أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون” (الجاثية 23).

وبإذن الله ستسقط أمريكا عن مقام الدولة الأولى في العالم، ولن تحل دولة من الدول القائمة مكانها، وستحل دولة الأمة الإسلامية القادة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة محلها وسيبلغ ملكها مشارق الأرض ومغاربها تقيم العدل وتنشر الهدى والفضيلة والقيم الرفيعة، وتوزع الثروات على الناس وتعطي الحقوق لأصحابها فيرضى عنها ساكني السماء والأرض.

بقلم: أسعد منصور

CATEGORIES
TAGS
Share This