على أبواب الانتخابات: الغنّوشي في فرنسا.. أو افتتاح موسم “الحجّ” إلى أوروبا

على أبواب الانتخابات: الغنّوشي في فرنسا.. أو افتتاح موسم “الحجّ” إلى أوروبا

الخبر:

يؤدي راشد الغنوشي زيارة لفرنسا من 14 ماي الى 20 ماي 2019 مرفوقا بوفد مكون من رفيق عبد السلام المكلف بالعلاقات الخارجية في الحزب، وعضوي مجلس النواب عن فرنسا الشمالية حسين الجزيري وكريمة النقاز، وعضو المكتب التنفيذي رضا إدريس، وكريم عزوز مسؤول الحركة بفرنسا الشمالية. وتشمل الزيارة لقاءات مع مسؤولين في الرئاسة ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية والجمعية العمومية الفرنسية ومجلس الشيوخ الفرنسي ومجموعة من رموز السياسة الفرنسية. كما تحتوي على لقاءات مع خبراء ومختصين في العالم العربي. وسيكون لراشد الغنوشي أيضا لقاءات مع الجالية التونسية المقيمة في فرنسا للتباحث في مشاغلهم واهتماماتهم.
وحسب بيان لحركة النّهضة، تأتي هذه الزيارة في إطار الديبلوماسية الشعبية التي تقوم بها حركة النهضة في التواصل مع شركاء تونس الإقليميين والدوليين وذلك لتعزيز مجهودات الديبلوماسية الرسمية ضمن السياسات الخارجية الكبرى للدولة ومصالحها العليا.

وخلال اليومين الأوّلين انعقدت اللقاءات التالية:

– لقاء مع المستشار الديبلوماسي لدى الرئيس ماكرون, أورليان لوشوفاليه.
– لقاء مع كاتب الدولة للخارجية جان بابتيست لومواني
– لقاء مع طاقم إدارة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية.
– لقاء مع لجنة الصداقة الفرنسية التونسية بالجمعية العمومية، ورئيسها جيروم لمبار
– لقاء مع جان بيار رفاران، الوزير الأول الأسبق ورئيس منظمة “قادة من أجل السلام”
– لقاء مع جان بيار شوفانمان: الوزير الأسبق ورئيس مؤسسة ريبوبليكاFondation Respublica

وممّا صرّح به راشد الغنّوشي والوفد المرافق له:

– تأكيد عراقة واستراتيجية العلاقة بين تونس وفرنسا.

– بيان تميز التجربة التونسيّة في الانتقال الديمقراطي عن طريق الحوار والتوافق بين مختلف العائلات الفكرية السياسية التونسيّة.
– حاجة المنطقة الى الاستقرار والأمن والتعاون من أجل تحقيق خير الشعوب في التنمية والرفاهية والحرية وخير الدول في مزيد الديمقراطية والاستقرار والسيادة.
– الحاجة لتطوير مجالات التعاون بين الدولة التونسية والدولة الفرنسية وبين الفاعلين الاقتصاديين الفرنسيين والتونسيين.
– دعوة فرنسا كشريك مهم لتونس الى الاستثمار في الديمقراطية والاستقرار لأن في ذلك مصلحة للبلدين.

أمّا أهمّ ما صدر عن المسؤولين الفرنسيين:

– التنويه بما حققه الشعب التونسي من ثورة ومن تقدم كبير على مستوى المسار السياسي الديمقراطي
– تثمين دور الفاعلين السياسيين في تونس وخاصة حركة النهضة في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وما تميزت به من حكمة وواقعية في التعاطي مع التطورات السياسية، وما نجحت فيه من بلورة وتنزيل لمبدأ التوافق والمحافظة على استقرار المؤسسات والمحافظة على الوحدة الوطنية.
– تأكيد حرص فرنسا على مزيد تطوير التعاون والدعم لتونس وتجربتها
لقاءات مع مفكرين وخبراء:
– ندوة في المؤسسة الفرنسية للعلاقات الخارجية IFRI: ندوة تحت عنوان الوضع التونسي في محيط مضطرب, بإدارة الدكتور جيل كيبال، تناول هذا اللقاء عددا من القضايا التي تهم تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس. وقد دار حوار مع الحاضرين من خبراء ومختصين حول مواقف حركة النهضة من الأوضاع الراهنة في البلاد والمنطقة والتطورات التي تشهدها الحركة ورؤيتها للمستقبل.

التعليق:

نبدأ هذا التعليق بذكر بديهيّات لا يختلف فيها اثنان:

فرنسا دولة استعماريّة، وفرنسا نفسها تفاخر حتّى إنّها سنّت منذ سنوات قليلة قانون ” تمجيد الاستعمار”. ممّا يعني أنّها تسير على نفس السياسة الاستعماريّة (ومعروف أنّ لفرنسا وزارة أقاليم ما وراء البحار). وتحرّكات سفيرها في تونس تفضحها

فرنسا دولة مجرمة وجرائمها معلومة مفضوحة لا في التّاريخ فحسب بل جرائمها متواصلة خاصّة ضدّ المسلمين، فهي التي دعمت انقلاب الجنرالات الجزائريين في بداية تسعينات القرن الماضي وزوّدتهم بالسلاح وال”خبراء” لمنع وصول الإسلاميين إلى الحكم بواسطة الانتخابات، وهذا أمر يكشف نفاق فرنسا حين تتحدّث عن الدّيمقراطيّة والانتقال الدّيمقراطي في تونس لأنّ فرنسا لا تدعم إلا من يضمن مصالحها ولو كان سفّاحا ففرنسا هذه التي تقول للغنّوشي (وهو يصدّقها بكذبها) أنّها تدعم الانتقال الدّيمقراطي هي التي دعمت ” بن علي” إلى آخر رمق وصرّحت أنّها مستعدّة أن تعاونه في قتل التونسيين.

فرنسا دولة لا تعرف إلا النّهب نهب ثروات الشّعوب وهذا أمر اعترف به جاك شيراك الرئيس السّابق حين قال علنا وأمام الجميع أنّ فرنسا تعيش على الثروات التي تنهبها من إفريقيا، ومعلوم للجميع مقدار النّهب الذي مارسته وتمارسه الشركات الفرنسيّة الكبرى الرّاعي الرسمي للحكومات الفرنسيّة المتعاقبة. ولذلك فإنّها حين تتحدّث عن دعم تونس فهي كاذبة ومن يدعوها إلى الاستثمار في تونس إنّما يدعو لصّا خبيثا ويكون حينئذ متواطئا معه، يلّمه جزء من البلاد وثرواتها. ولكن ما هو المقابل؟؟

فرنسا دولة صليبيّة مشهور عداؤها للإسلام وكثيرة تصريحات مسؤوليها المعادية للإسلام وآخرها تصريحات الرئيس الفرنسي “ماكرون” المعادية للإسلام السّياسيّ صراحة دون مواربة. وعليه فإنّ استقبالها لحركة النّهضة ليس تراجعا منها بل هو تراجع من حركة النّهضة التي انسلخت عن صفتها الإسلاميّة وعمل رئيسها الغنّوشي جاهدا لينسلخ عن الصّفة الإسلاميّة كي يكون مقبولا عند الغربيين، فقد صرّح الغنّوشي في 2012 أنّ الشريعة مصدر خلاف ولذلك وجب عدم اعتبارها في الدّستور، ولم يكن قوله حينئذ إلا إرضاء للغرب على حساب ملايين التونسيين الذين يريدون تطبيق الإسلام. ثمّ كان مؤتمر النّهضة العاشر التي أعلنت فيها صراحة عن فصل الدّين عن السياسة، هذا التراجع بل التخاذل هو ما يحلو لرئيس حركة النّهضة ومريديه تسميته بالتّوافق وما هو في الحقيقة إلا التنازل جهرة عن الإسلام وتبنّي الدّيمقراطيّة إرضاء للدّول الأوروبيّة، وهذا واضح في كلّ زيارات الغنّوشي الخارجيّة ومنهم زيارته الأخيرة إلى فرنسا واضح فيها أنّ الغنّوشي يسوّق نفسه للغرب كسياسيّ “محنّك” قادر على إيجاد التّوافق، حتّى يتمّ اعتماده “شريكا” يمكن أن تعوّل الدّول الأوروبيّة عليه في ضمان مصالحها.

وبالإستناد إلى هذه البديهيّات فأين يمكن أن نصنّف زيارة الغنّوشي لفرنسا؟

لقاء الغنّوشي بالسياسين الفرنسيين كان على أعلى مستوى، وتناول الوضع في تونس وفي المنطقة (ليبيا والجزائر)، أي تناول قضايا المسلمين مع عدوّ لدود للمسلمين يبحث عن مداخل وثغرات من أجل الهيمنة والسيطرة، فما دخل فرنسا في قضايانا؟ ثمّ إنّ لقاء الغنّوشي بالفرنسيين جاء في إطار عرض “رؤية” حركة النّهضة لقضايا المنطقة، وهو عرض تسويقيّ الغاية منه أن ترضى فرنسا عن الغنّوشي والنّهضة، أي هو عرض لتلميذ أمام معلّمه أو قل هو عرض العبد الذّليل أمام سيّده يبتغي رضاه. وإلا فلماذا يمجّد الغنّوشي هذا التمجيد المبالغ فيه للديمقراطيّة والانتقال الدّيمقراطي رغم المصائب التي جرّها على البلاد وعلى المنطقة. ولماذا يصرّ الغنّوشي على دعوة هذا المستعمر على الاستثمار في البلاد؟ هل تنتظر فرنسا الغنّوشي ليدعوها؟ أم هو التخاذل والتسليم للعدوّ ب”حقّه” المزعوم في ثروة البلاد؟ أم هو إظهار أنّ الحركة ما عادت تعتبر الغرب عدوّا بل صارت تعتبره صديقا لتونس؟

لقاء الغنّوشي كان فيه عرض شامل رؤية الحركة في تونس والمنطقة، وفيه تطمين لفرنسا وللغرب بأن لا خوف من الحركة إن هي فازت في الانتخابات على الغرب وعلى مصالح الغرب. وهو ما يقيم الدّليل أنّ حركة النّهضة وكلّ الطّبقة السياسيّة تحكمها عقليّة العبيد الانهزاميّة التي لا ترى قدرة على الحكم والسياسة إلا بالاعتماد على الأعداء أو قل بعبارة أوضح الرضوخ للأعداء وإبداء الاستعداد لخدمتهم وضمان مصالحهم ولكان على حساب الشّعب.

وهذا يسمّى خيانة بل هو الخيانة العظمى التي توجب المحاسبة بل المحاكمة.

وسؤال أخير:

ألا يذكّرنا خطاب الغنّوشي وحركته عن فرنسا الشريك والصّديق، بخطاب بورقيبة بُعيد الاستقلال المزعوم؟ حين سارعت الطّبقة السياسيّة وقتها إلى التهالك على أعتاب المستعمر وصارت فرنسا صديقا ولمّا تجفّ دماء الشهداء بعد؟

CATEGORIES
TAGS
Share This