على ضوء زيارة الشاهد.. أهداف الغرب وغاياته من دعم تونس
منذ إعلان الجمهوريّة الثانية في جانفي 2014 تمّ طيّ ملف إنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي على اعتبار النجاح في صياغة دستور مطابق للمعايير الدولية وإيجاد مجتمع مدني قادر على حراسة الديمقراطيّة، وتعددية حزبيّة أنهت حقبة الحزب الواحد وضمان حريّة التعبير. هلّلت كلّ الدول الكبرى والمنظمات الدولية لاتمام ذلك الدستور واعتبرته نقطة اللاعودة للدكتاتوريّة. ومن ثمّ تحوّل كلّ التركيز إلى التحدّيات الاقتصاديّة القائمة والتّي تستوجب إعادة النظر في نموذج التنمية الاقتصادية وتستوجب إصلاحات تؤدي إلى تسريع وتيرة النمو وخلق فرص عمل جديدة وتعزز التنمية الجهوية، زعما منهم أنّها البلسم الشافي لمشاكل المناطق التّي تعاني من الفقر والتهميش والحرمان.
على هذا الأساس انصبّ مجهود السّلطة والغرب منذ 2014 على إعداد البرامج والمشاريع الاقتصاديّة المتوسّطة والطويلة المدى فأعدّ لهذا الغرض مخطّطا للتنمية بإشراف البنك الدّولي يمتدّ على خمسة سنوات يهدف إلى الانتقال من اقتصاد الكلفة المنخفظة “lowcost” إلى اقتصاد القيمة المضافة”Added Value”على اعتبار أنّ تونس لها من الكفاءات البشرية ومن الخبرة في قطاع الخدمات الموجّهة للخارج وقربها من أوروبا ما يمكّنها من النجاح في هذا المنوال. كما أعدّ مشروع “سمارت تونيزيا” ومشروع “تونس الرقمية” اللذان سيجعلان من تونس إحدى الدول الثلاث الأولى في مجال تكنولوجيا الاعلامية والاتصالات في شمال افريقيا والشرق الأوسط واللذان سيضمنان لوحدهما 50 ألف موطن شغل حسب التقديرات، وغيرها من المشاريع الأخرى التّي تكفّل بتمويلها (ولو جزئيّا) البنك الدّولي والوكالة الفرنسيّة للتنمية والخارجيّة البريطانيّة وغرفة التجارة الأمريكيّة وكوميسيون الاتحاد الأوروبي…
الأهداف والغايات وراء الدعم الغربي لتونس
وبما أنّه قد تمّ مسبقا إعداد أرضيّة ملائمة لهذه البرامج من خلال الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي على غرار “الشراكة بين القطاعين العام والخاص” و”قانون المنافسة” واجراءات تقليص النفقات، بالإضافة إلى التعبئة الماليّة التي اقتضت حزمة كبيرة من القروض ومساعدات، انطلقت السلطة منذ سنة 2015 بدعم من الغرب في أعمال الدعاية انطلاقا من التركيز الكبير على التجربة التونسيّة في مؤتمرات دافوس الثلاث الأخيرة ومن تقارير البنك الدولي المروجة للاستثمار في تونس لعلّ أبرزها التقرير المتحدّث عن “معجزة” اقتصادية وتحقيق نسبة نموعالية في 2017 وكذلك أعمال الدعاية في الداخل التي قامت بها السلطة على غرار تونس 2020 والذي حضر فيه عدة ممثلين لشركات كبرى. ولقد انطلقت أعمال البناء فعلا في الثلاثية الأخيرة من سنة 2016 فأعلن الشاهد مثلا ابتداء أشغال “مرفأ تونس المالي” الذّي سيضم تجمع للخدمات المصرفية الاستثمارية والاستشارات ومركزا للشركات التجارية ومركزا للتأمين وإعادة التأمين وشركات التكافل وآخر للصرافة الدولية.
وبإمعان النظر في كلّ هذه الأحداث والمجريات يتبيّن أنّ الغرب ماض بجدية في تحقيق “نجاحات” على المستوى الاقتصادي وطي هذا الملف الذّي بدوره سيطوي بشكل نهائيّ ملف الثورة حسب رأيهم، فالسلطة تلقى دعما لا متناه من أوروبا وأمريكا من أجل الخروج من الأزمة الاقتصاديّة التي تهدّد الاستقرار في البلد، فأمريكا مكنت تونس من قروض بنسب فائدة منخفضة وكانت وراء محافظة تونس على ترقيمها السيادي المهدّد منذ 2012 بالتراجع وذلك من خلال الضمانات التّي قدّمتها والتّي بلغت في عدّة مناسبات 500 مليون دولار أمريكي ولولاها لما تمكّنت تونس من النفاذ إلى سوق المال العالميّة واستصدار سندات في سوق المال. أمّا بريطانيا فهي من ساندت ملف تونس لدى الصندوق وهي من تعمل منذ فترة على إنجاح فكرة إقامة قطب ماليّ إقليميّ في تونس وما زيارة عمدة الحيّ المالي في لندن City of Londonالأخيرة (أفريل 2017) إلاّ تأكيد على استمرار بريطانيا حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في هذا المشروع حيث قال: “بصفتي عمدة City of London فأنا أجوب العالم بصفتي سفير بريطانيا للخدمات المالية لإيجاد فرص وربط علاقات وطيدة مع شركائنا، صحيح أن تونس هي أصغر بلد في شمال افريقيا ولكنها ستلعب دورا كبيرا في التنمية الاقتصادية للمنطقة. حال قدومي إلى تونس سمعت أشياء جيّدة حول تطلعات الحكومة نحو تحويل تونس إلى مركز متميّز للخدمات المالية في المنطقة.” كما أكّد العمدة البريطاني ضرورة العمل المشترك بين البلدين معرّجا على أهميّة المالية الإسلاميّة في العشرية القادمة الذّي تقدّر قيمة أصولها ب2 تريليون دولار يرتقب أن تتزايد بنسبة 20% كل سنة.
الأمة لم تقُل كلمتها بعد
أمّا التحدّي الأكبر والعائق الفعلي أمام تحقيق أهداف الغرب بريطانيا وأمريكا فهو الاحتجاجات المتتالية في شتى نواحي البلد وخاصّة الجنوب، تلك الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل وحسن الرعاية، فهذه الاحتجاجات تعطي صورة غير مطمئنة للشركات الأجنبيّة وتكشف عجز السلطة عن السيطرة على الوضع. وهذا التحدي لم تتعامل معه السلطة إلاّ من خلال اللعب على عامل الوقت وتقديم الوعود وأحيانا تحت الضّغط تعطي بعض المسكنات كإنشاء وظائف هامشيّة كالحضائر ورصد أموال لتهيئة بعض الطرقات…
وبالرغم من أنّ القطبين – أوروبا وأمريكا – متفقان على انجاح الديمقراطيّة في تونس من جهة من أجل الحيلولة دون وصول المشروع المعادي للحضارة الغربيّة أي الإسلام والخلافة ومن جهة أخرى من أجل استنساخ هذا النموذج في دول أخرى من العالم الاسلامي فإنّ هناك في الحقيقة غايات أخرى مختلفة ومتباعدة تهدف إليها كلّ جهة، فبريطانيا على المدى المتوسّط تعمل على تضخيم حجم تونس اقليميّا ليكون لها وزن سياسي يمكن استغلاله في القضايا الاقليميّة. أمّا أمريكا فمن الملاحظ أنّ دعمها لتونس هو من النوع الذّي يمكن استخدامه كوسيلة ضغط حيث يمكن سحبه متى شاءت أمريكا، فالضمانات يمكن سحبها، والاعانات يمكن إيقافها، وقروض وأقساط صندوق النقد يمكن لأمريكا تجميدها أو على الأقل تعطيلها.
وخلاصة القول أنّ دعم أمريكا هو للتحكم في تونس، وهذا مقصود والغاية منه استعمال تلك المعونات كتهديد كلّما أرادات الولايات المتحدة من تونس شيئا ما، فالولايات المتحدة تسعى لاستخدام تونس كأداة ضغط على الفرقاء غير الموالين لأمريكا في ليبيا، وهذا بالضّبط ما حصل مؤخّرا فقد قامت الادارة الأمريكية بتقديم مشروع قانون للكونغرس ينصّ على تخفيض دعم المؤسسة العسكريّة، الأمر الذّي سيؤدّي إلى إحداث خلل في الموازنات في قانون مالية 2018، وقد كانت زيارة الشّاهد إلى أمريكا ضمن هذا السّياق الأمريكي حيث إنّ المحاور الأساسية التي نوقشت هي أوّلا الابقاء على الدعم العسكري في مقابل تعزيز التعاون الاستخباراتي والعسكري وتعزيز العمل المشترك من أجل مكافحة الارهاب، وثانيا الملف الليبي حيث أكّدت الولايات المتحدة الأهميّة التّي توليها للوضع في ليبيا وأكّد الشاهد من جانبه أن تونس في وضع سياسي وموقع جغرافي يؤهلها لأداء دور كبير وإيجابي بليبيا.
سلمان لغرايري