يرى جمع من علماء السياسة والاجتماع أنّ تفاعل الناس بوصفهم الفردي أو الجماعي مع الواقع السياسي يختلف باختلاف مذاهبهم وتيّاراتهم ومواقفهم المبدئية وطرائقهم وغاياتهم وأمزجتهم، فمنهم من يخيّر العزلة وينسحب من العملية السياسية ويتعامل مع الحياة السياسية بلامبالاة، ومنهم من يقف موقف المتفرّج فيقتصر تفاعله على الفرجة والمتابعة، ومنهم من يدخل ميدان السياسة ليشارك فيها بإيجابية بمعنى يساهم في العملية السياسية وفق ما يقتضيه ويتطلّبه الواقع السياسي في مجتمع ما تحقيقا لهدف ما، وهذا ما يسمى عندهم بالمشاركة السياسية.
وتعني المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية، ممارسة الأفراد لحقّهم في صياغة القرار السياسي في إطار النظام القائم. وتعرّف بأنها “تلك الأنشطة الإرادية التي يزاولها أعضاء المجتمع بهدف اختيار حكامهم وممثليهم، والمساهمة في صنع السياسات والقرارات بشكل مباشر أو غير مباشر، أي أنها تعني اشتراك الفرد في مختلف مستويات النظام السياسي” (عن علم الاجتماع السياسي، للدكتور مولود زايد الطبيب، ص87).وتعدّ الانتخابات من أبرز وأهمّ مظاهر المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية؛ إذ يتمّ من خلالها التعبير عن إرادة الشعب وتتجلّى فيها مساهمة الفرد الإيجابية في العملية السياسية في مجتمعه.
فالمشاركة السياسية في النظم الديمقراطية، عبر التصويت وتحمل المسؤولية الوظيفية وغير ذلك،هي “العصب الحيوي للممارسة الديمقراطية وقوامها الأساس، والتعبير العملي الصريح لسيادة قيم الحرية والعدالة والمساواة في المجتمع” (عن علم الاجتماع السياسي، للدكتور مولود زايد الطبيب، ص85=86). وبناء عليه، فإنّ المتلبّسين من “الإسلاميين” في عملية المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية وفق آلياتها وأشكالها المنبثقة عنها – بسوء أو حسن نيّة -قد وقعوا في فخّ الديمقراطية – شعروا أو لم يشعروا – وأصبحوا طرفا فاعلا فعلا إيجابيا داعما للمنظومة الديمقراطية – بوعي أو بلاوعي -. فالمشاركة السياسية – بمعناها الاصطلاحي السياسي الديمقراطي – هي عملية صهرية للأفراد في نظام المجتمع بمنظومته القيمية وآليات حكمه وأشكال إدارته. فكلّ من تلبّس بعملية المشاركة السياسية ضمن النظام القائم فقد تمّ احتواؤه وصهره داخل المنظومة، والدليل عليه أنّك لا تجد أحدا منهم يجاهر بالتغيير الجذري على أساس الإسلام، ولا تجد أحدا منهم يدعو إلى تغيير نظام الحكم شكلا ومضمونا، أو تغيير أنظمة المجتمع كلّها وتطبيق الشريعة، وأصبح عملهم يقتصر على طرح البدائل الجزئية وإيجاد المعالجات الفرعية دون مساس بالجذر والأصل والأسّ. وقد يبرر الواحد منهم لنفسه عمله فيقول: إنّ السياسة فنّ الممكن والعمل ضمن المتاح، وينسى أنّ الممكن والمتاح مقيّد في الإسلام بالحلال والحرام. أو يقول: إنّ المشاركة في البرلمان جائزة من أجل المحاسبة، وينسى أنّ المحاسبة المقصودة هي بالإسلام وفق مقياس الحلال والحرام، وليس المحاسبة لأجل المحاسبة أو المحاسبة المحسوبة لضمان البقاء.
إنّ الحركة الإسلامية الواعية هي التي تفصل نفسها عن الواقع السيئ ولا تتلطّخ بأخطائه وأغلاطه ومعاصيه، فصلا لا نعني به البعد عن الناس وهمومهم وقضاياهم وشؤونهم، إنما نعني به التمايز؛ ليسهل على النّاس رؤية الخطّ المستقيم بجانب الخطوط العوجاء، وليدرك النّاس أنّ بينها ومعها ومنها فئة لم تنصهر في قيم المجتمع الفاسدة بل تعمل من أجل تغيير جذري حقيقي يحقّق نهضتهم وتقدمهم ورقيهم وسعادتهم الدنيوية والأخروية.