ليست هذه المرّة الأولى التي يفتح فيها ملف الإسلام في فرنسا، وتكون فيها الجالية المسلمة ضحية فشل المنظومة السياسية في فرنسا وبروز عدم قدرتها على إيجاد الحلول لمشكلات البلاد؛ فقد حدث أكثر من مرّة أن استعملت ورقة الإسلام والمسلمين لكسب الأصوات في الانتخابات، وإلهاء الشعب عن المشكلات، وإثارة العصبيّة والحميّة لمبدأ الجمهورية العلمانية الديمقراطية بعد أن بان عواره وانكشف عجزه وفساده.
ولكنّ فرنسا هذه المرّة غير فرنسا التي عهدناها من قبل؛ فهي تتصرّف بلا عقل ولا سياسة ولا ديبلوماسية، تتصرّف كالموتور بدافع الحقد وبأسلوب متعجرف متكبّر متغطرس. فرنسا هذه المرّة تتحدّى المسلمين في العالم كلّه وهي تعلم أنّهم على أبواب الاحتفال بمولده، وتصرّ بكل عنجهية على نشر الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم موجّهة رسالة داخلية إلى المسلمين بأنّ دينهم لا قيمة له ولا مكان له في فرنسا، ومن أراد العيش هنا فعليه أحبّ أم كره التخلي عن إسلامه. وفرنسا هذه المرّة تنتقم من المسلمين في فرنسا كردّ فعل على فشلها في مناطقهم وبلدانهم وآخرها مالي، ولهذا بلغت بها هذه المرّة الوقاحة منتهاها.
تعلم فرنسا أنّ الحكام خونة لن يردوا الفعل، وتعلم فرنسا أنّ الشعوب مستضعفة لن تردّ الفعل، وإذا ردّت الفعل فلن يكون مؤثّرا، ولكن ما لا تعلمه فرنسا أنّ الأيام دول، و{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورَتْ * ما كان يعرفُ طِيبُ عَرفِ العُودِ
فهذه الحرب التي تخوضها فرنسا الآن ضدّ الإسلام وضدّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليست إلّا علامة من علامات فشل النظام الرأسمالي العلماني، وستكون دافعا لطائفة من غير المسلمين للتعرّف على الإسلام واعتناقه، كما ستكون دافعا للمسلمين للتمسّك بالإسلام. وإنّ المسلمين كلّما جرّبوا الغرب وخبروه أدركوا إدراكا يقينيا أنّه لا يمكن أن يكون يوما ما متسامحا معهم محبّا لهم راغبا في الخير لهم. وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: {ولَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰحَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗقُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ}.
ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تتزامن ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم بإعلان فرنسا شنّ حملة تشويه وإساءة له صلى الله عليه وسلم، وكأنّ الزمن قد استدار لتكون ذكرى مولده هذه المرّة مذكّرة حقيقة بالإرهاصات الأولى التي سبقت مولده مبشّرة بنبوته قبل مجيئه، وقد لخّصها البوصيري في قوله رحمه الله:
أبــانَ مولِدُهُ عن طِيــبِ عنصُرِهِ يـا طِيبَ مُبتَـدَاٍ منه ومُختَتَـمِ
فالعالم اليوم يشهد الحوادث الجسام والبلايا العظام، والنظام العالمي يتهاوى، والأمّة الإسلامية مظلومة مكلومة ولا خلاص لها إلا بالإسلام، فنسأل الله تعالى أن ينصر نبيه ودينه وأن يعيد المسلمين إلى سابق عزّهم.
وختاما، نذكّر فرنسا وأذنابها في بلادنا، بواقعة تاريخية: “قامت فرنسا، أيام احتلالها للجزائر، بتجربة عملية من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر، فقامت “بانتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات، أدخلتهنّ الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية، وألبستهنّ الثياب الفرنسية، ولقنتهنّ الثقافة الفرنسية، وعلمتهنّ اللغة الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تماما. وبعد أحد عشر عاماً من الجهود، هيأت لهنّ حفلة تخرج رائعة،دعي إليها الوزراء، والمفكرون، والصحفيون… ولما ابتدأت الحفلة، فوجيء الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهنّ الإسلامي الجزائري… فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً!؟أجاب لاكوست، وزير المستعمرات الفرنسى: “وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟!” (نقلا عن كتاب: (قادة الغرب يقولون: دمّروا الإسلام أبيدوا أهله)، للأستاذ جلال العالم، ص35).
ونحن اليوم نقول: نعم، القرآن أقوى من فرنسا، والإسلام باق لم ولن يندثر، وإذا عجزت فرنسا عن غلبته زمن الانحطاط والاستعمار فهل ستغلبه اليوم وملايين المسلمين يتحسّسون طريق نهضتهم به ويرون فيه سبيل صحوتهم وعزّتهم؟! ستقام الخلافة الإسلامية بإذن الله تعالى، وستهزم فرنسا، وسيلبس أعوانها وعملاؤها وأذنابها لبوس الذلّ والهوان.