فرنسا المستعمرة تنشئ قوة إقليمية للخروج من مأزقها في مالي
ذكرت وكالة فرانس برس أنه اختتمت يوم 2\7\ 2017 قمة دول الساحل في باماكو عاصمة مالي بحضور الرئيس الفرنسي ماكرون، وأقرت إنشاء قوة إقليمية مشتركة لمكافحة المجموعات الجهادية، ومن المقرر أن تتألف هذه القوة من 5 آلاف جندي وتتكلف 423 مليون يورو على أن تبدأ مهامها قبل نهاية العام الحالي، فقال ماكرون ” في المستوى العسكري نقدم جهدا تفوق قيمته ثمانية ملايين يورو حتى نهاية العام للمشروع الذي أطلق عليه التحالف من أجل الساحل” وعبر عن “أمله في أن يتم إثر إجتماعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يوم 13\7\2017 الإعلان عن تعهدات مشتركة حيال هذا التحالف“. وأضافت الوكالة أن هذه القوة ستنتشر في البداية على حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وفي وقت لاحق تضاف إلى قوة برخان الفرنسية التي تطارد الجهاديين في دول الساحل وبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما). وذكرت الوكالة أنه أعيد تحريك مشروع إنشاء قوة إقليمية مشتركة مدعومة من باريس يوم 6\2\2017 ، وأن فرنسا تعول على دعم ألمانيا وهولندا وبلجيكا، وتأمل في دعم ملموس من أمريكا الحاضرة عسكريا من خلال تسيير طائرات بدون طيار مقرها في النيجر.
وذكرت رويترز يوم 30\6\2017 أن الرئيس الفرنسي ماكرون يتوجه يوم 2\7\2017 إلى مالي ليلقي بثقله خلف قوة عسكرية أفريقية جديدة يأمل أن تمهد الطريق لخروج قوات فرنسا من المنطقة. وتستضيف مالي رؤساء دول النيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا باسم مجموعة دول الساحل الخمس وهي ما تزال تنشر آلافا من الجنود. وبعد 4 سنوات من تدخل فرنسا في مستعمرتها السابقة لصد هجمات الحركات الإسلامية لا تلوح في الأفق أية بادرة على أنها ستسحب قواتها وقوامها 4000 جندي، إذ تكافح هذه القوات مع قوات حفظ سلام أفريقية تابعة للأمم المتحدة قوامها 10 آلاف جندي لتحقيق الاستقرار في مالي وتنفيذ اتفاقات السلام. ونقلت وكالة رويترز عن دبلوماسي فرنسي كبير قوله“ليس من الخطأ القول إنها جزء من خطة انسحاب، لأن المهمة لن تبقى هناك إلى الأبد لكن يصعب تصور كيف يمكن أن ننسحب قريبا. نحتاج استراتيجية متعددة الأطراف طويلة الأمد، انتهى وقت فعل كل شيء في غرب أفريقيا بشكل منفرد“.
من هذه الأخبار يفهم أن فرنسا واقعة في مأزق شديد في شمال مالي، وأنها لم تحقق انتصارات، وميزانيتها المتداعية تستنزف في الحرب، فهي غير قادرة على تمويل هذه الحرب، فتبحث عن دعم مادي من أخواتها الاستعمارية. بجانب ذلك هي واقعة في أزمة عسكرية فلم تستطع أن تفرض سيطرتها ولا تستطيع أن تستمر في القتال وتبحث عن خط رجعة فتقوم وتنشئ قوة إقليمية من العملاء المأجورين حكام هذه البلاد، وهم يلبون طلبها للحفاظ على كراسيهم المعوجة، فيركنون إلى دول الكفر المستعمرة ويسندون حكمهم إليها، فهم لا يمثلون شعوبهم وليس لهم همٌّ سوى المنصب وجمع المال والتلذذ بالحياة، ولهذا لا يستحون من أن يكون عبيدا وخدما للمستعمر الذي ينهب ثروات بلادهم ويترك شعوبهم فقيرة تعاني الأمراض الفتاكة وشبابهم لا يجدون عملا فيضطرون إلى المغامرة بخوض عباب البحار للوصول إلى البلاد المستعمرة في أوروبا، فيموت قسم منهم غرقا، ومن نجا منهم لا يجد عملا محترما، والكثير منهم يبقى يتسكع في الشوراع ويتردد على الحانات ويبيت لياليه في مخيمات لاجئين تحت ظروف سيئة، فلا استفاد ولا أفاد.
لقد تدخلت فرنسا في مالي عام 2013 ، بل قامت بعدوانها الغاشم بدعم من مجلس الأمن الدولي الجائر واستصدرت قرارا منه تحت رقم 2085 في 20\12\2012 وبمشاركة من دول عميلة وهي دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)، وذلك على إثر قيام جماعات إسلامية بتحرير شمال مالي من الاستعمار الفرنسي والزحف نحو باماكو عاصمة البلاد لإسقاط الحكم الموالي للمستعمر، ومحاولة هذه الجامعات إقامة حكم إسلامي هناك. وقد خاض المسلمون حربا ضروسا مع فرنسا، وما زالوا يخضونها، حيث تكبد العدو خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، ولهذا وقع في مأزق ويبحث عن خطة انسحاب. وينطلق المسلمون في حربهم لمواجهة المستعمرين العائدين بعد خروجهم عام1960 من إيمانهم بدينهم الحنيف وعلوه وسيادته على كل الأديان والمبادئ، فيعلنون أنهم يواجهون الصليبيين، ويستشهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته وجعل كلمة الكافرين هي السفلى، مما يشحذ همم المقاتلين هناك ويقوي معنوياتهم ويشد من عزيمتهم ومن صبرهم، فلا يسأمون من قتال العدو ومن مقارعته حتى الموت كما في كل مكان وإن كانوا يألمون فهم يدركون أن أعداءهم الصليبيين يألمون أكثر ولا يرجون من الله ما يرجون، وأصبحوا على وشك الفرار.
من هنا تضع فرنسا خطة الانسحاب للفرار من قلب المعركة، وتضع قوات أفريقية في المواجهة مشكلة من أهل البلاد المسلمين لتواجه هذه القوات أخوة لهم من المسلمين المقاومين للاستعمار، فيموت عناصر تلك القوات في سبيل فرنسا. فتريد فرنسا أن تتراجع عن خوض القتال المباشر وتكتفي بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لتقلل من خسائرها التي تتكبدها حاليا أو لتتفادها نهائيا وخاصة في الأرواح والرهائن. فتريد أن تحفظ ماء وجهها حتى لا تجر ذيول الهزيمة وتعود إلى باريس ذليلة كما عادت جيوشها من مصر وفلسطين على عهد نابليون، ومن قبل على عهد الحروب الصليبية.
والجدير بالذكر أن منطقة ما أطلق عليه من اسم دول الساحل هي بلاد غنية باليورانيوم والذهب والحديد والبوكسيت والنفط والغاز، فتعمل فرنسا على سرقتها ونهبها، وأن مناجم اليورانيوم في النيجر تنهبها فرنسا لتشغيل مفاعلاتها النووية وإنتاج الكهرباء، حيث تقوم شركة ” أريفا ” الفرنسية العملاقة للطاقة النووية باستخراج اليورانيوم في النيجر المجاورة لمالي. فالدول الغربية ومنها فرنسا لا يهمها في أفريقيا إلا الاستعمار أي نهب ثروات البلاد، ولا تعمل على تطوير البلاد وجعلها تتقدم قيد أنملة، بل تتعمد على إبقائها متأخرة وشعوبها متخلفة تكابد الفر والمرض وتعيش في جهل حتى يسهل استعمارها للبلاد فلا يقوم أحد بمقاومتها وطردها.
ومن ناحية ثانية فإن أغلبية أهل هذه البلاد قد منّ الله عليهم بالإسلام، وقد بدأت رياح الصحوة الإسلامية تهب عليهم لتيقظهم من غفلتهم وغفوتهم وتنقذهم من جهلهم وتخلفهم، وهذا ما يزعج الدول الاستعمارية فتصف المسلمين العاملين للإسلام أو المقاومين للاستعمار على أساس الإسلام تصفهم بالإرهابيين والمتشددين لتبرر حروبها الاستعمارية لإحكام سيطرتها على البلاد.فالدول الاستعمارية المتنافسة هناك أي أوروبا وأمريكا تتحد ضد الحركات الإسلامية وضد العمل الإسلامي، ولهذا وافقت على اتخاذ قرار مجلس الأمن بالتدخل. ولكن تبقى تكيد بعضها لبعض حتى تزيح إحداها الأخرى عن الساحة لتحل محلها، فأمريكا وهي تحارب الإسلام وأهله والساعين لإعادته إلى الحكم وتستعمل طائرات بلا طيار في حربها القذرة تتربص بفرنسا وبهزيمتها لتستحوذ على حصة الأسد وتتفرد باستعمار المنطقة كلها.
ولهذا يجب على الجماعات الإسلامية ألا تقع في فخاخ أمريكا أو غيرها، وتنتبه للعبة ولما تريده أمريكا وما هو حاصل من صراع وتنافس بين أوروبا وأمريكا. ولتعلم أن الدول الإقليمية ما هي إلا دول عميلة تعمل لحساب الدول المستعمرة، ولتحذر هذه الجماعات الجزائر التي عملت على خداع الحركات الإسلامية وسوقها إلى طاولة المفاوضات التي تسعى الدول المستعمرة والعميلة دائما على ترويض الحركات الإسلامية أو نزع تنازلات منها أو إيقاعها في الشرك حتى تتمكن تلك الدول من القضاء عليها. ولتعلم الحركات الإسلامية أن العدو لو تمكن أن يقضي عليها بالحرب لما طلب منها أن تأتي ليفاوضها وليقضي عليها بالتفاوض أو يتغلب عليها بالتفاوض. ويجب أن يدرس المسلمون الفارق بين مفاوضات الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المفاوضات الحالية وعلى ماذا تجري.فالرسول صلى الله عليه وسلم ككونه رئيسا للدولة الإسلامية وقائدا للجيش لم يفاوض العدو على ما حققه من إنجازات وانتصارات، بل فاوض العدو على أرضه لينفذ إليها وعلى سلطان العدو ليجد سبيلا عليه. ففاوض قريشا ليدخل ديارها التي ليست تحت سلطانه ولم تكن في يوم من الأيام تحت سلطانه ليهيأ الأجواء لفتحها وليعمل على تحييدها مؤقتا حتى يتفرغ لقتال يهود وليتمكن من القيام بحملة عالمية لتبليغ الإسلام حيث أرسل الرسل إلى الدول الكبرى والصغرى وليشعرهم أنه قادم إليهم ويرسم الخط للخلفاء من بعده لمواصلة حمل الدعوة عالميا بالجهاد وبالعمل الفكري والسياسي. وأما الآن فالكثير من الحركات الإسلامية في سوريا والعراق وأفغانستان ومالي وغيرها دخلت في مفاوضات أو تدخل فيها لتفاوض على أرضها وعلى ما أنجزته وعلى سلطان المسلمين ولا تفاوض أمريكا على أرض أمريكا وسلطانها لتهيء الظروف لفتحها بل هي تفاوض أمريكا وعملائها على أرض أفغانستان الإسلامية أو تفاوض روسيا وأمريكا وعملائها في سوريا على أرض سوريا الإسلامية وسلطان المسلمين وما أنجزته الثورة، وتفاوض اليهود الغاصبين والأمريكان الداعمين لهم وعملائهم في فلسطين على أرض فلسطين وسلطان المسلمين لتقدم للأعداء التنازلات.
والله سبحانه يخاطب عباده المؤمنين بآية تعلمهم السياسة وكيف يتعاملون مع العدو قائلا:” ولا تهنوا وتدعو إلى السلم وأنتم الأعلون وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم“. (سورة محمد: الآية35)
أسعد منصور
CATEGORIES اقليمي ودولي