” فرنسا” تتوسل ربائبها في تونس: أنتم أبنائي فلا تهجروني..

” فرنسا” تتوسل ربائبها في تونس: أنتم أبنائي فلا تهجروني..

في إطار زيارة رسمية قام بها رئيس فرنسا ايمانويل ماكرون لتونس, وألقى كلمة أمام البرلمان التونسي  يوم الخميس 01/02/2018 : زيارة وإن كانت مرفوضة من كل النواحي لبلد له معنا دفتر حسابات لم يغلق بعد, وتاريخ استعماري دموي لم تطوى صفحاته بعد, إلا أنه  كان واجبا الوقوف على طيَات خطابه والتَمعَن في أهم النقاط التي أتى على ذكرها.

وبداية لو نظرنا نظرة عامة في أسلوب الخطاب فقد كان يختلف تماما عما عهدناه من أسلوب خطابي لدى حكام الغرب عامة  والفرنسيين منهم خاصة الذي يتسم عادة بالتعالي والعجرفة والتسلُط, فقد كان أسلوبه شبيها بفحيح الأفاعي يغلب عليه التزلف والنفاق والتمسَح, فيدس في الشهد نوعا من السم الفرنسي الرفيع. ليس غريبا أن يجبر الحاكم الفرنسي على هذا الأسلوب المتلعثم والمحر̄ج بعد أن ظلت فرنسا تساند نظام المخلوع بن علي إلى آخر نفس, ولا ننسى اقتراح وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة قبل سبع سنوات بإرسال قوات أمنية خاصة لمساندة قمع بن علي للثورة منقلبة على القيم الفرنسية الأسطورية عن الثورة والحرية والمساواة التي أصدعوا بها رؤوسنا منذ عشرات السنين, اليوم وبفضل الثورة تغيرت قواعد اللعبة وأجبر المقيم العام الفرنسي على تغيير نبرة كلامه في خطابه لبلد لا زال يعتبره في وهمه إحدى ولاياته المستعمرة, فوصل به الأمر إلى أن اظطرّ لأن يدوس على غروره قائلا: نحن نحمل قيما مشتركة وتاريخا مشتركا… ونعمل على مساعدتكم ليس كما يساعد الصديق صديقه بل كما يساعد الأخ أو الأخت! ولو لا الحرج  لكان أتحفنا بدعم قوله بأية كريمة أو حديث نبوي تذكرنا نحن النَاسين بأننا والفرنسيين امة واحدة وإخوة لهم في العقيدة!! فالرجل أصبح يفتي ويعطينا دروسا في فقه السياسة مادحا  قدرة حفنة من “البيوعة و السَباييس” في فصل الدين عن السياسة وأن الإسلام الذي حكم البشرية بالعدل والرحمة  طيلة قرون ليس صالحا للحكم! ليس هذا فقط بل حتى انه أصبح يستوحي من عالمية الخطاب الإسلامي وقدرته الراسخة على مخاطبة الإنسان كانسان, وإقناعه, وتلبية حاجاته مهما كانت ثقافته وظروفه وزمنه, لنكتشف على يديه أن حضارة فرنسا هي حضارة عالمية صالحة لكل زمان ومكان, وأقتبس من قوله ان :{ الفرانكفونية ليست مشروعا فرنسيا… فتونس امة عريقة أعادت إفهام العالم أن الفرنسية لغتهم.. في وقت مضى كانت الوطنية في “واقادوقو” وبعض البلدان الأخرى تعرف من خلال كره الثقافة الفرنسية ورفض الفرنسيين والتحدث بلغتهم.. ولكن اليوم لدي قناعة أن حيوية اللغة الفرنسية تأتي منكم ومن إصراركم على بقاءها وتواصلها, وأن هذه اللغة تمثل جزءا من هويتكم وثقافتكم }.

إن ماكرون واهم تمام الوهم إن كان يعتقد انه يستطيع محاكاة خطاب الإسلام للبشرية, وقد سبقه مسيلمة الكذاب في ذلك وباء بالفشل الذريع, فشتان بين ثريا الإسلام التي ترقى بالإنسان وتلبي نواقصه, وتحفظ قيمته وكرامته, فكم من أمصار فتحت على مصرعيها دون عناء الحرب كاندونيسيا وتركستان الشرقية لما لمسوه من أخلاق وعدل الإسلام فآمنوا به وتبنوا ثقافته وتصاهروا مع الفاتحين وزوجوهم بناتهم وجاوروهم الدار حذو الدار وعملوا بأحكام الإسلام وحكموا به, وأصبحوا اشد المدافعين عنه من أهله العرب, بل أصبحوا هم أهله, وحتى يومنا هذا, رغم الانحطاط الذي أصاب المسلمين لازالت عقيدة

الإسلام رابضة راسخة قادرة على جذب الناس إليها, ولعل في اعتناق ألاف الأوروبيين للإسلام السنوات الأخيرة متلفظين باصقين لحضارة الغرب خير دليل على ذلك, فثرى الثقافة الفرنسية التي اعتمدت الاستعمار والقتل والتعذيب والتآمر لترسيخ حضارتها وثقافتها كرها وقهرا وإجبارا لن تستطيع الصمود مطولا واسأل أهل روما و بيزنطا وفارس عن ذلك.

إن فرنسا هرعت إلينا مرعوبة متوترة, تخاف خسارة تبعية  تونس الثقافية لها, فجاء خطاب رئيسها كنوع من رأب الصدع ليعد بأنه سيستثمر في تونس وسيفتح جامعة فرنسية تونسية تكون بوابة للتعليم العالي في إفريقيا كلها أو بالأحرى بؤرة لتثبيت أقدام فرنسا وصناعة جيل جديد من العمالة ذات وجه أكثر شبابا, وخطاب أكثر التواء وأفعوانية بعد أن أيقنت أنَ عملاق الوعي في أهل تونس قد استيقظ وأن الخطاب الاستعماري المتحجر لم يعد متاحا بعد الثورة, ونلتمس هذا أكثر في الإطلالة الإعلامية لتلك الفتاة “مها العيساوي”من سيدي بوزيد الطالبة الباحثة التي تدرس في “كلير منفلورون” التى قدموها لنا على أنها التقت الرئيس ماكرون صدفة في فرنسا وهي تنشط في مجال حقوق المرأة وقد قام ماكرون باستدعائها للسفر ضمن طاقمه في إطار زيارته لتونس هكذا صدفة وبكل براءة ! محاولة بائسة وفاشلة للتسويق للحضارة الفرنسية وتجميلها وإنعاشها, حضارة بان زيفها للقاصي والداني, وقد سبقنا أهلها في تلفظها, وهي حاملة لثقافة ستظل جسما هجينا في نظام مناعتنا قد حاصره جسد المسلمين وعزله في تونس في انتظار أن تندثر أثاره إلى آخر ذرّة من فساد.

أ. هاجر بالحاج حسن

CATEGORIES
TAGS
Share This