ألقى الرئيس الفرنسي ماكرون خطابا مساء يوم الأحد 14\6\2020 بثه تلفزيون فرانس24 معلنا فتح حدود بلاده مع العالم بعد ثلاثة أشهر من الإغلاق بسبب انتشار فيروس كورونا الذي حصد أرواح أكثر من 30 ألف شخص في فرنسا وقال “إن جائحة فيروس كورونا كشفت عيوب وهشاشة فرنسا وأوروبا بشكل أوسع فيما يتعلق بالاعتماد الزائد على سلاسل التوريد العالمية بدءا من صناعة السيارات وصولا إلى الهواتف الذكية والعقاقير الطبية”
إن العيوب والهشاشة كشفت عجز الرأسمالية وقادتها في معالجة فيروس، فظهر عليهم التخبط وأضروا بشعوبهم وببلادهم، مما يؤكد عدم صلاحية النظام الرأسمالي لمعالجة الأزمات، فيرزحوا تحت وقعتها، ويبدؤون يئنون تحت وطأتها، فتضيع أموال طائلة أو تزهق أرواح لا تحصى، كما حدث سابقا في كل أزماتهم المالية والسياسة والحروب المدمرة كالحرب العالمية الثانية.
إن العيوب والهشاشة ليست في اعتماد فرنسا وأوروبا على الاستيراد، بل في الأساس القائم عليه النظام الاقتصادي وغيره من النظم في هذه البلاد. فهو نظام رأسمالي مجحف أساسه النفعية والأنانية، قائم على حسابات الربح والخسارة فقط، فعندما يكون الاستيراد مربحا يقوم به، وإلا لا يقوم به. وهو نظام يفكر في أصحاب رؤوس الأموال ليضاعف أرباحهم، بل هو قائم بهم ولهم، ولهذا تصبح الهوة سحيقة بين أصحاب رؤوس الأموال الأغنياء والعمال الفقراء، فلا يعتمد على إيجاد التوازن الاقتصادي، فلا يعمد إلى ردم هذه الهوة بتوزيع الثروات وتداول الأموال بين أيدي الناس كافة بحيث لا يبقى فقير في المجتمع، بل هو يعمد إلى حصر أكثرية الأموال والثروات في أيدي قليلة وهم أصحاب رؤوس الأموال بناء على أن هؤلاء أهل لذلك وأحق بهذه الأموال، لأنهم أذكياء قدروا على جمعها وكدسوها في أيديهم ولو بالاحتيال وبالقوانين الجائرة التي تمكن بعض الأشخاص من جمع الأموال الطائلة وتحرم الآخرين من الحصول على ذلك. وهم يعمدون إلى حصر أكثرها في أيدي الأغنياء إذ يرون أن هؤلاء سيشغلون الاقتصاد ويؤمنون فرص عمل للناس، والدولة تمنحهم القيام في كل المجالات منها ما يدخل في ملكية الدولة ومنها ما يدخل في الملكية العامة.
فمثلا هناك قوانين في الدول الرأسمالية تمكن أشخاص بصفات معينة وكثيرا ما يكونون مقربين من أصحاب القرار السياسي أو المالي تمكنهم من أن يأخذوا منحا وقروضا من الدولة ومن البنوك للقيام بمشاريع، وإذا ما خسروا تقوم الدولة بدعمهم بضخ الأموال في شراين شركاتهم بشراء أسهمها المتعثرة! وفي الأغلب أن هؤلاء قد احتالوا على الناس عندما أصدروا أسهما بلا مقابل ليسلبوا أموالهم عندما يصنعون دعاية لهم بأن مبيعات الشركة وأرباحها قد تضاعفت أو أن مشاريعها قد توسعت وسوف تحقق أرباحا طائلة فتصدر أسهما لتحصد أموالا كثيرة من الناس الذين يسارعون لشراء الأسهم ولا يكون لها مقابل إلا سمعة الشركة وتلك الأخبار، وأية هزة اقتصادية للشركة أو لسمعتها أو للاقتصاد بشكل عام تخر هذه الأسهم لتهبط هبوطا شديدا أو لتصبح صفرا فتضيع مليارات بل ترليونات الدولارات من أموال الناس كما حدث في أزمة 2008. فمثلا شركة ليمان براذار الأمريكية التي انهارت عند تفجر الأزمة كانت قيمة الأسهم فيها 600 مليار دولار فعندما انهارت تبين أن لديها من الأصول 150 مليار دولار فقط والباقي 450 كانت قيمة أسهم جمعتها من الناس على مختلف أشكالهم دولا وبنوكا وشركات وأفراد، فكانت قيمة السهم قبل أشهر من الأزمة 69 دولارا فعندما بدأت تترنح بدأت تهبط الأسهم حتى آخر ساعتين من إعلان الإفلاس أصبح قيمة السهم 6 دولارات وبعد ساعتين خرّت إلى الصفر، فكل تلك الأموال ضاعت على أصحابها. وهكذا في كل الشركات التي دخلت سوق الأسهم المالية (البورصة) ولهذا قامت الدولة الأمريكية وضخت نحو 4 ترليون دولار خلال 8 سنوات لإنقاذ الشركات في إجراء مخالف للرأسمالية التي تحرم على الدولة تدخلها في السوق، وتقول ليسقط من يسقط ويبقى من يبقى وإن البقاء للأصلح وهكذا يتطور الاقتصاد! ومثلا بسيطا في ألمانيا كانت شركة كارشتاد تفرض على عمالها أن يشتري كل عامل منهم سهمين على الأقل من أسهمها حتى تكثّر سواد أسهمها في البورصة، وكانت قيمة السهم الواحد 100 يورو، فعندما حصلت أزمة 2008 أصبحت قيمة السهم يورو واحد فقط. وقد ضخت ألمانيا مئات المليارات لإنقاذ شركاتها.
مبدأ فاشل
فإجراءات الدول الرأسمالية تخالف المبدأ الرأسمالي، ولهذا يعتبر المبدأ الرأسمالي مبدأ فاشلا وساقطا لا يستطيع معالجة المشاكل حسب نظرياته وأفكاره، بل يحتال عليه أصحابه ويخالفونه بشكل صريح كما فعل الشيوعيون في الاتحاد السوفياتي فخالفوا مبدأهم عندما فشلوا في المعالجات فسقط وسقطت معه الدولة الشيوعية. وكما بدأ يحصل حاليا في أزمة فيروس كورونا، فالرأسماليون خالفوا مبدأهم، وقد تسببت لهم بخسائر كبيرة في كافة الميادين.
فالحرية الاقتصادية هي ما يؤمن به النظام الرأسمالي فيمنح الحرية لكل فرد أن يتملك ما يشاء وكيفما يشاء، وأن ينفق أمواله كيفما يشاء. ويؤمن بأن السعادة هي مقدار ما يحوز عليه الفرد من متع مادية وجسدية. ومن هنا ينطلقون في فرنسا وأوروبا وعامة دول الغرب وكل الذين يأخذون بهذا المبدأ ليمارسوا حريتهم حتى ينالوا السعادة حسبما توهموا. فيصبح همّ الفرد كسب المال كيفما يشاء ومن ثم صرف المال على الطعام والشراب والملذات والنزوات والشهوات والمرح واللهو وكل المتع الجسدية. وقد سنت القوانين في الدول الرأسمالية بناء على ذلك. فيندفع الأفراد الأقوياء والأفراد الذين حصلوا على فرص والذين اقتربوا من أصحاب القرار فيستحوذون على أكثرية الثروة ويحرمون باقي الأفراد، فيقيمون المصانع والمشاريع ولا فرق في أن يقيموها في دائرة الملكية الفردية أو في دائرة الملكية العامة وفي ملكية الدولة، بل الدولة تمنح الأفراد بأن يتملكوا في الملكية العامة وملكية الدولة وبذلك يجنون المرابح الطائلة ويصبحوا أصحاب مليارات، علما أن هذه الأموال هي لجميع الناس. وأما الذين لم تكن لديهم تلك القدرات ولم يحصلوا على فرص ولم يتمكنوا من الاقتراب من أصحاب القرار يصبحوا من الطبقة العاملة المسحوقة، وليس من الطبقة العاملة المحترمة، فيشتغلون كالآلات. فعندما يُشغلوا في هذه المصانع والمشاريع لا يعطون أجرا على ما قدموه من منفعة لصاحب العمل، وإنما يعطون ما يسمى الحد الأدنى للأجور. أي الأجر الذي يستطيع أن يعيش به الشخص عند أدنى حد من مأكل وملبس ومسكن ليبقى على قيد الحياة يشتغل كالآلة، فيعيش مسحوقا وإذا أراد أن يحصل على الكماليات يصبح مدينا للبنوك الربوية وللمحلات التجارية. ولهذا تظاهر أصحاب السترات الصفراء الذين سيّروا احتجاجات على أوضاعهم السيئة، وقد عمل الرئيس الفرنسي على إسكاتهم بزيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار 100 يورو، وجمد الضريبة على الوقود حتى لا ترتفع أسعار السلع والخدمات. فهذه عبارة عن مسكنات للألم الشديد الذي يعاني منه عامة الناس.
ولكن الإسلام يرفض الحرية الاقتصادية وقد شرع أحكاما تتعلق بكيفية حيازة المال وكيفية صرفه، وجعل السعادة هي نيل رضوان الله. فكل فرد ينضبط بالضوابط الشرعية فيمزج عمله المادي بالصلة بالله حتى ينال رضوانه بامتثاله لأمر الله. فتنتفي عنه الأنانية والجشع وحب اشباع الشهوات والملذات وتسود المؤاخاة والتعاون والتعاطف والتضامن فيتقاسم لقمة العيش مع أخيه، بل يؤثر أخاه على نفسه. فعندما يقيم مشروعا أو مصنعا فإنه يقيمه في دائرة الملكية الفردية التي هي إذن الشارع للفرد بالتملك. وعندما يتعاقد مع العمال ليشتغلوا عنده بكرامة يعقد العقد على منفعة العامل أو منفعة العمل فيأخذ الأجير أجره بحق فلا ينتقص منه شيئا. ويمكّن كل شخص من التملك ليصبح غنيا فتوزع الثروات وتتداول الأموال بين أيدي الناس. فالإسلام ينص على منع حصر الأموال في أيدي فئة معينة بل يوجب توزيعها بحيث يصبح كل شخص غنيا. فكما قال تعالى:
وأضاف ماكرون في خطابه أن ” الحل الوحيد هو بناء نموذج اقتصادي جديد أقوى، والعمل وزيادة الإنتاج حتى لا نعتمد على الآخرين” وقال “إن الحكومة أنفقت 500 مليار يورو لمواجهة فيروس كورونا”.
إنه يرى الحل الوحيد بزيادة الإنتاج كما تنص عليه النظرية الاقتصادية الرأسمالية بأن علاج المشكلة الاقتصادية يكون بزيادة الإنتاج، وهذا هو الخطأ بعينه، فالمشكلة الاقتصادية لا تحل بزيادة الإنتاج. فالرأسماليون يرون أن زيادة الإنتاج هو الحل، ولكن هل يحصل الناس على ما أنتج أم لا؟! فلا يهمهم ذلك! فيجعلون الثمن هو الموزع، أي من معه ثمن السلع والخدمات يستطيع أن يحصل عليها بقدر ما معه من نقود وأموال، والذي لا يملك نقدا أو مالا لا يستطيع أن يحصل على السلع والخدمات، وهكذا تحل المشكلة كما يتوهمون، وهذا الظلم بعينه.
فالحل إنما يكون بتوزيع الثروات، بتمكين كل فرد من أفراد المجتمع من الحصول على المال الكافي ليشبع حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن بكده وعمله فإن كان عاجزا أو أصبح عاجزا ولا يستطيع أحد أن يعيله ممن عليه واجب الإعالة تتولى الدولة إعالته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من ترك كلا فإلينا ومن ترك مالا فلورثته” (متفق عليه). بجانب تأمين الدولة مجانا الحاجات الضرورية لكل فرد من تطبيب وتعليم وأمن، ومن ثم تمنح الفرص بالتساوي لكل فرد بأن يقوم للحصول على الكماليات.
وأما ما يدخل في ملكية الدولة فلا يعطى استثماره للأفراد والشركات بل الدولة هي التي تقوم بما يلزم وتحصيل ريعه وإنفاقه على شؤون الدولة، وأما ما يدخل في الملكية العامة فتقوم الدولة بما يلزم من مشاريع ويكون الناتج في الميزانية العامة لإنفاقه على ما يلزم من رعاية شؤون الأمة وتأمين احتياجاتهم وبناء ما يلزم من مستشفيات ومدارس وطرق جسور وأنفاق وغير ذلك من مرافق الجماعة، فمثلا النفط مليكة عامة، فالدولة إما أن يكون لها معدات ومهندسين وفنيين وغير ذلك لما يلزم لاستخراج النفط وإما أن تتعاقد بأجر مع من لديهم معدات وفنيين لاستخراج النفط، فتعطيهم أجرة على ذلك ولا يأخذوا امتيازات أو يمنحوا استثمارات فيستخرجوا النفط مقابل شطره أو جزء منه، فهذا لا يجوز. وكذلك لا يسمح للشركات الأجنبية بالاستثمار في البلاد.
التمييز:اعتراف رسمي
واعترف الرئيس الفرنسي في خطابه بوجود التمييز العنصري في فرنسا فقال ” إن لون البشرة عادة ما قلل من فرص الشخص في فرنسا”، وتعهد “بعدم التهاون أمام كافة أشكال التمييز وأنه سيتخذ قرارات جديدة من أجل المساوة”، ولكن كل ذلك ركوبا للموجة فعندما تخمد الاحتجاجات وتتوقف الموجة ضد العنصرية يعود كل شيء على ما كان عليه سابقا. فقد اعترف ماكرون سابقا بوجود النظرة العدائية في فرنسا للإسلام، ووعد “بمنح المسلمين إطارا وقواعد تضمن بأن يمارسوا دينهم في كل أنحاء البلاد طبقا لقوانين الجمهورية”، (9\7\2018 فرانس برس) ولكن شيئا لم يتغير. فمن عادة ماكرون أن يعترف بسيئات وجرائم فرنسا أم الحرية والديمقراطية والإنسانية! ولكن لا يقوم بالتغيير، يقول ذلك للخداع وركوبا للموجة واستغلال المشاعر لكسب التأييد وكأن فرنسا الاستعمار ستتغير! فقد اعترف أيضا بخطأ الاستعمار الفرنسي قائلا” غالبا ما ينظر إلى فرنسا اليوم على أن لديها نظرة هيمنة ومظاهر خادعة للاستعمار (الذي) كان خطأ جسيما، خطأ ارتكبته الجمهورية” وقد ذكر عام 2017 لقناة جزائرية ” إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي، إنه جريمة إنسانية. من غير المقبول تمجيد الاستعمار” (فرانس برس 22\12\2019). وما زالت فرنسا ماكرون تخوض الحروب الاستعمارية في أفريقيا، وإلا فلماذا تتواجد هناك جيوشها وتقوم بشن الحروب في مالي وغيرها بذريعة محاربة الإرهاب؟!
إن التمييز العنصري والتعالي على الغير متأصل في نفوس الرأسماليين الديمقراطيين العلمانيين، فكان شعار الثورة الفرنسية حرية إخاء مساواة ولكن ذلك لم يتحقق وبقيت فرنسا دولة استعمارية عنصرية، تمتص دماء الشعوب وتنهب أموالهم وتحتقرهم وتشغل أبناءهم كالعبيد.
وقال ماكرون في خطابه الأخير “إن التصدي للعنصرية يجب ألا يقود لإعادة كتابة تاريخ فرنسا ” بكراهية” والتي امتدت إمبراطوريتها ذات يوم من البحر الكاريبي إلى جنوب المحيط الهادي وضمت معظم شمال وغرب أفريقيا” وقال ” سأكون واضحا للغاية الليلة أبناء وطني: الجمهورية لن تمحو أي أثر أو اسم من تاريخها، لن تنسى أيا من أعمالها الفنية، لن تزيل أي تمثال من التماثيل”. “علينا على أن ننظر إلى تاريخنا إلى كل ذاكرتنا علاقاتنا مع أفريقيا على وجه خاص”. فهذا الكلام يناقض الكلام الذي سبقه فهو يؤكد على بقاء العنصرية ورموزها ويتفاخر بتاريخ فرنسا العنصري، وأكبر رمز للعنصرية والكراهية هو الجمهورية بحد ذاتها، أي النظام الجمهوري. إنه باسم الجمهورية استعمر الفرنسيون تلك البلاد ظلما وعدونا وسرقوا خيراتها واستعبدوا شعوبها وسحقوا من قاومهم. فهو يفتخر بتاريخ الجمهورية وبقادة فرنسا العنصريين فلا يريد كتابته من جديد ليكشف عن جرائم الجمهورية التي استعمرت تلك المناطق التي ذكرها ويفضح رموزها العنصريين الذين يجري تمجيدهم. ويؤكد على العلاقة مع أفريقيا لأن الاستعمار الفرنسي ما زال قائما فيها، وتنشر فرنسا قواتها وتقيم القواعد فيها، فلها قواعد وقوات مرابطة في عدة بلدان في غرب ووسط أفريقيا، حتى في شرق أفريقيا في جيبوتي. وتنهب شركاتها ثروات البلاد تحت مسمى الاستثمار، وتربط اقتصاد نحو أربع عشر دولة في غرب أفريقيا باقتصادها، فكأنها وصية عليها!
وفي الوقت نفسه دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الرئيس الفرنسي إلى “الإعلان عن إصلاحات ملموسة لإنهاء التحقق من الهوية التي يطغى على التعسف والتمييز”.(فرانس24 14\6\2020) لأن هذه المنظمة تعرف كذب الرئيس الفرنسي وخداعه، فلهذا السبب دعته إلى القيام يإصلاحات ملموسة وليس بتوزيع الكلمات وإطلاق الخطابات الرنانة، ولكن على أرض الواقع لا ينفذ شيئا. فهو يقول كلاما في مواجهة الموجة العارمة ضد العنصرية ولكن عندما تمر الموجة ينتهي الكلام بدون أفعال تذكر. فهو على شاكلة كل الرؤساء والساسة في الدول الاستعمارية والرأسمالية والدول التابعة لها كتونس والجزائر وتركيا، بل كافة البلاد التابعة للمنظومة الرأسمالية وللدول الاستعمارية، فهم ميكافيلليون يتبنون قاعدة ميكافيللي ” الغاية تبرر الوسيلة”، فحتى تصل إلى غايتك لا ضير في أن تكذب وتغطي كذبك بكذب وتقوم بالمراوغة والخداع وتعد كذبا حتى إذا تمكنت تخفي كل شيء، فتاريخ الجمهورية الفرنسية مليء بالجرائم ومنها الجرائم التي ارتكبتها في منطقة شمال أفريقيا الإسلامية التي قاومت الاستعمار الفرنسي فارتكب الفرنسيون أفظع الجرائم في حق أهل هذه البلاد وخاصة في الجزائر إذ قتلوا أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين هناك.
عندما قاومت الشعوب المستعمرين قامت بريطانيا وأعطت الاستقلال الشكلي لمستعمراتها وأنشأت منظمة الكومنولث البريطاني أي ربطت تلك المستعمرات بها لتستمر في استعمارها بأشكال سياسية وثقافية واقتصادية وباتفاقيات أمنية وعسكرية، وقامت فرنسا وركبت الموجة فأعطت مستعمراتها الاستقلال الشكلي وأقامت منظمة الفرنكفونية لتستمر هي الأخرى باستعمارها لتلك البلاد بأشكال سياسية وثقافية واقتصادية وباتفاقيات أمنية وعسكرية، بل أبقت لها قواعد في عدة بلدان تتدخل في أية لحظة. ويقوم العملاء في السياسة والفكر والثقافة بتأمين الاستعمار غير المباشر لها ويروجون لها ولثقافتها وأفكارها العلمانية والديمقراطية والليبرالية والجمهورية. فكل من ينادي لهذه الأفكار هو عميل قطعا يعمل لحساب المستعمر بأجر أو بدون أجر، عن علم أو عن غير علم فهو قطعا عميل للاستعمار، لأنه يؤمن بقاءه وسيطرته على البلاد الإسلامية. وللتحرر من ربقة الاستعمار لا بد من محاربة هذه الأفكار ومحاربة حملتها وفضح سياسة فرنسا وسائر الدول الاستعمارية وكشف مؤامراتها على المسلمين وعلى كافة شعوب الأرض. فهذا واجب من أوجب الواجبات أثناء حمل الدعوة للتغيير الجذري وإعادة حكم الإسلام إلى الأرض متجسدا في خلافة راشدة على منهاج النبوة تحمل مشعل الهدى والخير للبشرية جمعاء. فالإسلام دين الرحمة والهدى والخير. قال تعالى واصفا رسالة الإسلام مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا الخطاب لجميع المسلمين: “وَمَاۤ اَرۡسَلۡنٰكَ اِلَّا رَحۡمَةً لِّـلۡعٰلَمِيۡنَ”