فشل الإستشارة الوطنية الإلكترونية… ماذا بعد؟

فشل الإستشارة الوطنية الإلكترونية… ماذا بعد؟

اختار الرئيس قيس سعيد يوم 20 مارس 2022 ليكون اليوم الأخير للإستشارة الوطنية الإلكترونية التي تمثل الركيزة والخطوة الأولى لخارطة الطريق التي طرحها بما تتضمنه من محطات كبرى: أبرزها تنظيم استفتاء حول تعديل الدستور يوم 25 جويلية وإجراء انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر القادم، بهدف تركيز مشروع اللامركزية الذي يمر عبر المجالس المحلية لتشكيل السلطة التشريعية والرقابية من المحلي نحو المركزي.

مقاطعة شعبية للاستشارة

ضعف الإقبال على المشاركة في الاستشارة التي لم تتجاوز نسبة 5% من مجموع من يحق لهم المشاركة يكشف عن مقاطعة شعبية غير معلنة وعن رفض صريح “لمشروع الرئيس”، إذ لا يمكن التسليم بأن مشاركة أقل من نصف مليون عينة كافية لتمرير الاستشارة ومفرزاتها، بالإضافة إلى أن هذا الفشل يقوض مشروعية الرئيس التي اعتمدها كتفويض شعبي لإزاحة خصومه وجعلته يستأثر بالسلطات الثلاث، فالتأييد العريض الذي رافق إجراءات 25 جويلية كان لإزاحة الطبقة السياسية التي حكمت بعد الثورة وانقلبت على مطلب الثائرين في التغيير الحقيقي، ولم تكن بحال من الأحوال تأييدا لمشروع الرئيس، إذ أن عامة الشعب لم يكن يسمع بهذا المشروع فضلا عن تأييده. أما الفوز الكاسح في انتخابات 2019 فقد انكشف حجم التدخل الخارجي فيه وحجم التضليل الذي مُورِسَ لتزييف إرادة الناخبين ودفع الناس قسرا نحو الخيار الأوحد إذ لا مجال لفوز من تخابر مع الصهاينة على من كان يصرخ بأعلى صوته بأن التطبيع خيانة عظمى.

ماذا عن خارطة الطريق؟

فشل الاستشارة الإلكترونية ستغري المعارضة لزيادة الضغط على الرئيس من أجل دفعه إلى حوار وطني تكون فيه الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية (اتحاد الشغل) طرفا أساسيا فيه، إلا أن كل هذا لن يثني الرئيس عن الاستمرار في تنفيذ خارطة الطريق، خاصة وأن القوى الغربية التي استعان بها الطرفان (الرئيس ومعارضيه) منشغلة بقضية أوكرانيا، بالإضافة إلى أن الوضع السياسي في ليبيا لا زال يراوح مكانه وأن حسم الصراع في تونس ليست أولية عند الدول الكبرى وبخاصة أمريكا المستفيد الأكبر من الإطاحة برجالات الإنجليز في حركة 25 جويلية التي قام بها الرئيس قيس سعيد بدعم فرنسي واضح، لذلك فمن المرجّح أن يعلن الرئيس في خطابه الذي سيتوجه به إلى الشعب التونسي يوم 20 مارس إنشاء لجنة مكلفة بالإصلاحات السياسية لصياغة دستور جديد يؤسس لنظام رئاسي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة تمكنه من حل البرلمان اذا اقتضى الأمر ذلك، على أن تنهي هذه اللجنة عملها قبل يوم 25 جويلية المقبل موعد الاستفتاء على الدستور الجديد.

استمرار الانسداد السياسي

إذن سيستمر الانسداد السياسي في تونس وستراهن المعارضة على الوقت وعلى إمكانية  تفجر الغضب الشعبي في وجه الرئيس بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وعلى تململ بعض النافذين من رجال الأعمال وحلفائهم في الداخل من توجهات الرئيس ونواياه، وعلى تعدد مراكز القوى في الدولة وعدم انسجامها، والمراهنة على أن موازين القوى في الشارع ستتغير مع الزمن.

إرتهان للأجنبي

لقد ابتلي أهلنا في تونس بجزء كبير من السياسيين يعظمون الغرب ويقرون بهيمنته على البلاد، سياسيون لا يرون غضاضة في الاستعانة بالأجنبي، بالرغم من أن ذلك يمثل انتحارا سياسيا وخيانة للأمة ومخالفة صريحة لقوله تعالى: “لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْء”.

ولا يختلف الرئيس قيس سعيد عن خصومه في ذلك، فحكام ما قبل 25 جويلية قد فتحوا البلاد على مصراعيها للإتحاد الأوروبي وللمؤسسات المالية الدولية، ورهنوا قرارها السياسي للغرب، وأقصوا الإسلام من الحكم والتشريع، وسلموا ثروات الشعب التونسي للشركات الغربية الإستعمارية، أما الرئيس قيس سعيد فقد بقي أسيرا للمنظومة الغربية، ومدد وزير صناعته للشركات الفرنسية عقود استغلال الطاقة كما قام بفتح الجنوب التونسي أمام الشركات الغربية لاستغلالها من أجل إمداد أوروبا بالطاقة النظيفة المتجددة، وعقد اتفاقية عسكرية مع أفريكوم جعلت من تونس مرتعا للجيش الأمريكي، وتعهدت حكومته لصندوق النقد الدولي بما لم تجرأ عليه حكومة من قبل. كل هذا يؤكد أن تونس لازالت في مربع التبعية ولم تتحرر بعد.

ما هو الحل؟

إن الأزمات التي تعيشها تونس اليوم، وما وصلت إليه من مآزق تعجز عن مواجهتها المشاريع السياسية النابعة من مشكاة الدساتير الوضعية التي تحكم بغير ما أنزل الله، تعزّز أكثر وأكثر الثقة بأنّ مشروعنا الذي نحمله منذ عشرات السنين، مشروع استئناف الحياة الإسلامية من طريق إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة، هو المشروع الوحيد القابل للتنفيذ، والكفيل بإخراج تونس من مآزقها، خاصة وأن الأزمة الأوكرانية وما أفرزته من صراع بين الغرب وروسيا يوفر ظرفا دوليا يمكن استغلاله للتحرر من الهيمنة الغريبة وأدواتها المحلية.

الشمعة المضيئة

إذن تبقى الشمعة المضيئة ومحط الرجاء أن يهتدي الشعب التونسي إلى أنه لا خلاص له إلا بالإسلام وحكم الإسلام، فيقلب الطاولة على الغرب وأدواته المحلية، مستعينا بأهل القوة والمنعة، فيسترجع سلطانه ويمكن المخلصين من أبنائه لتأسيس حكم راشد على أساس الإسلام في إطار خلافة راشدة على منهاج النبوة، تحرر المنطقة من النفوذ الغربي وتجمع من طاقات الأمة وقواها ما يمكنها من الوقوف في وجه أعتا الدول.

“وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”.

د. الأسعد العجيلي

CATEGORIES
Share This