اليوم، وفي ظل الأزمة السياسية المتواصلة تبدو تونس أكثر هشاشة من ذي قبل، ويبدو أيضا ان التقاء غير بريء يجري بين شقوق الجانب الرسمي التونسي المفكّك وعدد من السفراء الأجانب وتحديدا من الدول النافذة في العالم.
من هم الفاعلون السياسيّون في تونس؟
حين تسأل عن الفاعلين السياسيين في تونس، قد يظنّ البعض أنّنا نقصد الأحزاب الحاكمة والمسؤولين في الصفّ الأوّل (رئيس الدّولة، رئيس الحكومة، رئيس البرلمان) والحقيقة أنّ الفاعل الحقيقي في تونس هو الدّول المستعمرة بواسطة عملائها وسفاراتها. فهي التي تحدّد البرامج والمشاريع والقوانين والأفكار… ويتمّ هذا بإشراف مباشر عن طريق السّفراء والسفارات.
فالسفارة البريطانيّة وعلى مدار الأعوام الفارطة لا تغيب عن الساحة السياسيّة في تونس، فهي المتحكّم الأوّل في المشهد السياسي بكلّ تفاصيله، وتدخّلاتها في تفاصيل حياتنا السياسيّة صارت معروفة مشهورة، أمّا أمريكا التي ظلّت مبعدة عن الساحة السياسيّة التونسيّة لعقود وكانت كلّ محاولاتها (أن تجد لنفسها موطأ قدمٍ) تفشل، ولكنّها وجدت ثغرات نتيجة ضعف السياسيين (عملاء بريطانيا) وتفكّكهم فتسلّلت أمريكا وبدأت تفرض وجودها تدريجيّا في السّاحة السياسيّة التّونسيّة، وصار سفير أمريكا في تونس يتدخّل ويحشر أنفه في قضايانا ومظاهر ذلك كثيرة منها:
الإشراف المباشر على بعض الأنشطة الاجتماعية والتسييرية للدولة. وسبيله في ذلك المساعدات المسمومة التي تفرضها الإدارة الأمريكية، تغدقها على ما تسميه منظّمات المجتمع المدني، وأخرى تمنّ بها على السلطة حيث بلغ حجم المساعدات منذ مارس 2020 حسب السفير الأمريكي 36 مليون دولار، في صورة تجهيزات لمؤسسات تربوية وشبابية وصحية.
السفارة الأمريكيّة فرضت نفسها على المسؤولين الذين ناقشوا معها قضايانا الحسّاسة تحت ذريعة الصداقة والتّعاون، فترى سفير أمريكا يلتقي متى شاء «رموز الدولة» ورؤوسها، متدخّلا في قضايا البلاد يناقش التفاصيل، ففي الثلاثي الأول فقط من العام الجاري، التقى رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في أكثر من مناسبة دون أن ننسى لقاءاته بعدد من الوزراء.
أمريكا وبذريعة محاربة الإرهاب فرضت على تونس الانخراط في المسار الذي تتزعّمه عالميّا ولأجل ذلك جُعلت تونس عضوا في حلف النّاتو (زمن الهالك الباجي قايد السبسي).
وفي 30 سبتمبر الماضي وقّع وزير الدفاع الأمريكي مع وزير الدفاع التونسي في الحكومة الحالية اتفاقا عسكريا لمدة عشر سنوات في إطار العلاقات الاستراتيجية بما أن تونس «حليف» لأمريكا منذ 2015 وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب.
ويوم الثلاثاء 13 أفريل2021، نظمت «حفلة» توقيع جديدة لـ «مذكرة تفاهم» حول استراتيجية المساعدة الأمنية المشتركة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية وقعها عن الجانب الأمريكي السفير دونالد بلوم وعن الجانب التونسي رئيس الحكومة المكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية بالنيابة هشام المشيشي.” تَضَع هذه المذكرة -وفق ما نشرته الصفحة الرسمية للسفارة الأمريكية في تونس على الفايسبوك- إطار عمل لمناقشة برامج المساعدة الأمنية للولايات المتحدة مع تونس وتُوَسِّع من نطاق التعاوُن في مجالات مكافحة الإرهاب، أمن الحدود، تدريب الشرطة وبناء المؤسسات”.
ونظرة على هذه الاتّفاقيّة ترينا مقدار الهوان الذي أوصلنا إليه هؤلاء الحكّام:
المساعدات الأمنيّة: تعني التدخّل المباشر في الأمن التّونسيّ ليتحوّل من أمن تونسيّ إلى أمن “أمريكي” يضمن مصالح أمريكا في تونس وفي المنطقة. لأنّ المساعدات ستأخذ شكل التدريبات والبرامج والمشاريع الأمنيّة التي سيكون المحدّد لها أمريكا وما على المسؤولين الأمنيين في تونس إلا تنفيذها. وإلا قُطعت المساعدات وغضبت أمريكا، وهل يقدر أشباه الحكّام عندنا على غضب أمريكا؟؟؟
توسّع نطاق التّعاون في مجالات: مكافحة الإرهاب، لا ينفكّ أشباه السياسيين في تونس من ترديد مقولة “الإرهاب ظاهرة عالميّة” لا تعني تونس فقط وأنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ تونس والمنطقة هي ميدان للإرهابيين العالميين الذين يهدّدون السلم في المنطقة، والحقيقة التي يعرفها الجميع أنّ الإرهاب صناعة أمريكيّة صنعته لتبرّر حروبها الظّالمة الآثمة على المسلمين، (العراق وأفغانستان وسوريا ما هي إلا عيّنات عن هاته الحرب القذرة)، وانخراط السلطة في تونس في هذه الحرب القذرة هو انخراط في خدمة أعداء البلاد، وتوسيع نطاق ما يسمّونه “مكافحة الإرهاب” يعني عدم الاقتصار على مساعدات من قبيل التجهيزات، التي كانت أمريكا ترسلها من حين لآخر لوزارة الدّاخليّة، بل يعني أن يكون الضبّاط الأمريكان في غرف العمليّات في وزارة الدّاخليّة التونسيّة، يرسمون الخطط ويعطون التعليمات ويراقبون التّنفيذ…. لتتحوّل كلّ الأجهزة الأمنيّة في تونس إلى ملحق بالجيش الأمريكي تنفّذ بدلا عنه حروبه وتحرس مصالحه، بل وأكثر،إذ ستحوّل هذه الاتّفاقيّات أجهزة مخابراتنا إلى أعوان ميدانيينيقدّمون المعلومات (مجانا) إلى جهاز المخابرات المركزيّة الأمريكيّة.
أمن الحدود: وهذا يعني أنّ أمريكا هي التي ستُشرفُ على حراسة حدود تونس مع جاراتها ليبيا والجزائر، ومعلوم أنّ الحدود هي من أخطر المسائل السياديّة التي تتعلّق بأمن أيّ بلد، ومعلوم أنّ أمريكا صانعة الإرهاب العالمي تحتاج إلى ممرّات حدوديّة لتيسير حركة عملائها ومجنّديها، تفعل بهم ما تشاء تحت نظر جنود تونس. ومعلوم أيضا أنّ أمريكا بعد أن وجدت لنفسها موطئ قدم في ليبيا، بفرضها سلطة جديدة في ليبيا، لا بدّ لها من تأمين هاته السلطة وضمان النجاح لها فكان من المهمّ لأمريكا أن تحيطها من الجانب الغربي (تونس) بعد أن ضمنت لها الإحاطة من الجانب الشرقي (مصر).
تدريب الشّرطة وبناء المؤسّسات: هل نحتاج إلى أمريكا لتدريب شرطتنا؟ أمريكا تدرّب الشرطة، يعني أن تصوغ لها عقيدة أمنيّة توافق المصالح الأمريكيّة، وهذا يعني أنّ كلّ تحرّك لا توافق عليه أمريكا سيتمّ قمعه، والتحرّكات الثوريّة الصّادقة لا توافق أمريكا بما يعني تحويل الأجهزة الأنيّة في تونس إلى آلة قمع أمريكيّة.
هذا تفسير مفردات الاتّفاقيّة الأمنيّة الأمريكيّة التونسيّة، فهي إن قُدّر لها أن تُفعّل (ويبدو أنّ السلطة في تونس أضعف من أن تُفشلها) فستكون إقحاما لأمريكا لا في تونس فحسب بل في كلّ منطقة شمال إفريقيا، وسيكون اقتحاما أمريكيّا بدون كلفة بضعة ضبّاط أمريكان وبضعة ملايين كافية لتجنيد كلّ أعوان الأجهزة الأمنيّة التونسيّة لخدمة أمريكا ومصالحها، وهكذا تكون أمريكا عدوّنا الأوّل قد أوجد لنفسه مكانا استراتيجيّا دون عناء ومجّاني يُغنيه عن القواعد العسكريّة المكلّفة ماديّا والمفضوحة سياسيّا. فلا غرابة إذن أن يصيح الخبيث الأمريكي السفير دونالد بلوم مبتهجا بهذا الاتّفاق: “نُضيف اليوم عَلامة بارزة جديدة لسِجِلّ علاقاتنا الثنائية ويعتبر هذا التوقيع شهادة على مكانة تونس كشريك أمني مفضَّل لنا في المنطقة، بفضل التزام بلدينا المشترك بالمبادئ الديمقراطية.”
فتونس شريك أمني مفضّل: لأمريكا، وأمريكا هي العدوّ الأوّل للمسلمين في العالم، ولتونس موقع استراتيجيّ هامّ جدّا، لم يبخل به أشباه السياسيين والحكّام ولم يُمانعوا أن يُسلّموه مجّانا لأعدائنا. “بفضل التزام بلدينا بالمبادئ الدّيمقراطيّة” نعم الدّيمقراطيّة هي التي جعلت من تونس تابعة ضعيفة مستسلمة، الدّيمقراطيّة هي التي أجازت للسلطة في تونس أن تكون عميلة خاضعة خانعة، فمن مانع هذه الاتّفاقيّة، أهو المشّيشي الذي وقّعها ووقف مبتسما من وراء قناعه أم هو رئيس مجلس النّوّاب الذي يدعم المشّيشي؟ أم هو رئيس الجمهوريّة الذي رأى كلّ فساد إلا الاستعمار المتغلغل في البلاد؟ كلّهم وافقوا بل صفّقوا وافتخروا بهذه الدّيمقراطيّة النّاشئة. التي منعت تونس من تطبيق الإسلام والعيش به.
فما معنى كلمة”الأمن الجمهوري” إذن؟
بقيت كلمة وجب الوقوف عندها وتفسير معناها، هي كلمة “الأمن الجمهوري” وليد الديمقراطيّة النّاشئة:
هاته الاتّفاقيّة المشؤومة، تكشف عن المدلول الحقيقي لكلمة “الأمن الجمهوري” فالجمهوري إذن يعني عندهم البريطاني والأمريكي، فالاتّفاقيّات التي عقدتها بريطانيا ومن بعدها أمريكا مع وزارتي الدّفاع والدّاخليّة التونسيّة لم تمنعها قيم الجمهوريّة التي يتغنّى بها العملاء والأغبياء، بل أباحتها إن لم نقل أوجبتها فقيم الجمهوريّة أباحت الخضوع والخنوع للكافر المستعمر، و”الالتزام المشترك بمبادئ الدّيمقراطيّة”، يعني رفض ما يناقض الديمقراطيّة، لا يناقض الدّيمقراطيّة إلا الإسلام، فيصبح معنى الالتزام بالدّيمقراطيّة رفض الإسلام وأحكامه وقيمه. وهذا هو المقصد الأمريكي في عالم اليوم حيث تسعى أمريكا إلى محو الإسلام أو تعديله ليكون إسلاما ديمقراطيّا، ومن ثمّ تحتويه في منظومتها الرأسماليّة العالميّة، وتبتلع كلّ البلاد الإسلاميّة وتهيمن عليها.
وهذا هو جوهر الصّراع اليوم، أمريكا ومعها كلّ الدّول الرأسماليّة التي تسعى للهيمنة على العالم ولا يقف أمامها إلا المسلمون لأنّ دينهم يحرّم عليهم تحريما شديدا الخضوع للكفّار، ويوجب عليهم أن يتحرّروا من كلّ تبعيّة للبشر، وإذا أضفنا إلى ذلك الثورة التي اندلعت في العالم الإسلامي ضدّ الأوضاع التي صنعتها الرأسماليّة العالميّة منذ القرن التّاسع عشر (وخطّت أسسها الحاليّة منذ الحرب العالميّة الثانية وسعت إلى ترسيخها منذ سقوط الاتّحاد السوفياتي)، فصارت هيمنة الدّول المستعمرة مهدّدة بثورة الأمّة الإسلاميّة التي انطلقت من تونس، إذا أضفنا ذلك ووضعناه في الاعتبار فهمنا:
هاته الاتّفاقيّة المشؤومة، تكشف عن المدلول الحقيقي لكلمة “الأمن الجمهوري” فالجمهوري إذن يعني عندهم البريطاني والأمريكي، فالاتّفاقيّات التي عقدتها بريطانيا ومن بعدها أمريكا مع وزارتي الدّفاع والدّاخليّة التونسيّة لم تمنعها قيم الجمهوريّة التي يتغنّى بها العملاء والأغبياء، بل أباحتها إن لم نقل أوجبتها فقيم الجمهوريّة أباحت الخضوع والخنوع للكافر المستعمر، و”الالتزام المشترك بمبادئ الدّيمقراطيّة”، يعني رفض ما يناقض الديمقراطيّة، لا يناقض الدّيمقراطيّة إلا الإسلام، فيصبح معنى الالتزام بالدّيمقراطيّة رفض الإسلام وأحكامه وقيمه. وهذا هو المقصد الأمريكي في عالم اليوم حيث تسعى أمريكا إلى محو الإسلام أو تعديله ليكون إسلاما ديمقراطيّا، ومن ثمّ تحتويه في منظومتها الرأسماليّة العالميّة، وتبتلع كلّ البلاد الإسلاميّة وتهيمن عليها.
وهذا هو جوهر الصّراع اليوم، أمريكا ومعها كلّ الدّول الرأسماليّة التي تسعى للهيمنة على العالم ولا يقف أمامها إلا المسلمون لأنّ دينهم يحرّم عليهم تحريما شديدا الخضوع للكفّار، ويوجب عليهم أن يتحرّروا من كلّ تبعيّة للبشر، وإذا أضفنا إلى ذلك الثورة التي اندلعت في العالم الإسلامي ضدّ الأوضاع التي صنعتها الرأسماليّة العالميّة منذ القرن التّاسع عشر (وخطّت أسسها الحاليّة منذ الحرب العالميّة الثانية وسعت إلى ترسيخها منذ سقوط الاتّحاد السوفياتي)، فصارت هيمنة الدّول المستعمرة مهدّدة بثورة الأمّة الإسلاميّة التي انطلقت من تونس، إذا أضفنا ذلك ووضعناه في الاعتبار فهمنا:
هذه الحرب الشّرسة التي تشنّها كبرى الدّول الرأسماليّة بقيادة أمريكا على الأمّة الإسلاميّة وعلى دينها.
وفهمنا إصرارهم على مثل هذه الاتّفاقيّات التي يُحاولون بها تكبيل البلاد الإسلاميّة وإبقائها ممزّقة هشة مهينة لا تقوى على شيء.
وتبيّن أنّ مثل هاته الاتّفاقيّات، خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، إذ هي ليست من قبيل الاستسلام للعدوّ بل هي وضع البلد وطاقات شبابه خدمة لأعدائه، بشكل مهين.
وتبيّن لكلّ من يريد أن يُبصر أنّ الدّيمقراطيّة والجمهوريّة وقيمها الفاسدة ما هي إلا أسلحة فتّاكة تفتك بنا وتجعلنا خدما وعبيدا في ذيل الأمم.
إنّا في تونس اليوم بل في كلّ العالم الإسلامي في حاجة إلى الإسلام الذي يوجب علينا الوحدة أي أن تكون كلّ البلاد الإسلاميّة دولة واحدة، تحكم بالإسلام. والإسلام يوجب علينا التحرّر الكامل من كلّ تبعيّة فحرّم أن يكون المسلم تابعا للكافر، وفرض على كلّ المسلم أن يتحرّر من عبوديّة البشر لتكون عبوديّته لله وحده. فلا مجال في دولة الخلافة إلى اتّفاقيات مهينة مذلّة ولا مجال للاستسلام للأعداء.
الإسلام وحده يصنع رجال الدّولة العظماء الذين وقفوا ويقفون أمام كلّ جبّار وطاغية، والإسلام وحده الذي صنع الدّولة العظيمة.
ألا فليعلم الجميع في تونس أنّ تونس لن تعود بلدا قويّا عزيزا إلا بالإسلام، وما دون ذلك فهو العبوديّة الدّائمة وغضب من الله أشدّ.