فضيحة وستمنستر الجنسية تبرز فساد النظام الليبرالي العلماني

فضيحة وستمنستر الجنسية تبرز فساد النظام الليبرالي العلماني

الخبر:

اجتمع زعماء الأحزاب السياسية الرئيسية في بريطانيا يوم الاثنين 6 تشرين الثاني/نوفمبر لمناقشة خطط بشأن معالجة أزمة الفضيحة الجنسية التي ضربت وستمنستر وعصفت بالسياسة البريطانية خلال الأسبوعين الماضيين. واتفقوا على إجراء جديد مستقل للتظلم وتحسين الموارد البشرية لمساعدة الضحايا المحتملين الذين يتعرضون للتحرش الجنسي من قبل السياسيين وغيرهم ممن يعملون في البرلمان. وخلال الأسبوعين الماضيين، وُجهت سلسلة من الادعاءات التي تتراوح بين الاعتداء والاغتصاب إلى القيام بسلوك جنسي غير لائق، وقد تم توجيه الاتهام إلى عدد من أعضاء البرلمان وغيرهم من الشخصيات السياسية البارزة في مختلف الأحزاب السياسية بمن فيهم وزير التجارة الدولية، ووزير الخارجية الأول، ووزير الدفاع الذي استقال من منصبه بسبب هذه الادعاءات. وقد سلطت الفضيحة الضوء على أن سوء السلوك الجنسي يعتبر مشكلة عميقة داخل أروقة البرلمان. وقال زعيم حزب العمال جيريمي كوربين إن “ثقافة تحرش جنسي مشوهة ومهينة” تزدهر في وستمنستر. (الإندبندنت(

التعليق:

إن هذا السلوك غير الأخلاقي هو مجرد إحدى الثمار الفاسدة الناتجة أصلًا عن فساد الثقافة الليبرالية والنظام العلماني الذي عزز ثقافة عدم احترام المرأة عند الكثير من الرجال، فضلًا عن أنه أوجد ارتباكًا وغموضًا حول الكيفية المناسبة أخلاقيًا للتفاعل بين الجنسين. إن التحرش الجنسي والاعتداءات والاغتصاب متأصل داخل المجتمعات الليبرالية في جميع أنحاء العالم، وهي تؤثر على جميع مجالات الحياة، بما يشمل السياسة ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية والمجالات الطبية والجيش، وهو ما يجب أن يثير بالتأكيد التشكيك في دور القيم والقوانين الليبرالية في التسبب بحدوث هذه الأزمة. وقد وجد مسح نشر في عام 2016 أجراه مؤتمر نقابات العمال ومشروع التحيز الجنسي اليومي أن أكثر من نصف النساء (52%) في بريطانيا قد تعرضنّ لسلوك جنسي غير مرغوب فيه في العمل، وقد ارتفعت نسبة الإبلاغ عن التحرش الجنسي بين النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16 و24 عامًا إلى 63%. وأبلغت امرأة واحدة من بين كل 8 نساء عن ملامسة جنسية غير مناسبة في العمل، وقالت 1% من النساء إنهنّ قد تعرضنّ للاغتصاب أو اعتداءات جنسية خطيرة في أماكن عملهن. إن كل هذا يحدث على الرغم من أن التحرش الجنسي مصنف على أنه شكل من أشكال التمييز غير القانوني بموجب قانون المساواة لعام 2010، ويمكن أن يُعتبر اللمس غير المرغوب فيه اعتداء جنسيًا في نظر القانون. إن هذا يسلط الضوء على حقيقة أن مجرد تعزيز التدابير التأديبية وإجراءات التظلم والعقوبات القضائية ليست هي الطريقة لإيجاد “ثقافة الاحترام” تجاه المرأة. بل يجب على الجمعيات #الليبرالية أن تعترف بأن تعزيز الحريات الجنسية، إلى جانب الترويج للجنس في المجتمع واعتبار المرأة سلعة جنسية من خلال وسائل الترفيه والإعلانات وغيرها من الوسائل سيكون له حتمًا أثر سلبي على طريقة نظر الرجل للمرأة ومعاملته لها.

وعلاوة على ذلك، فإن تردد العديد من النساء في رفع دعاوى تحرش جنسي خشية أن يتم تجاهلهن أو تهميشهن في العمل، أو خوفًا من فقدان وظائفهن، هو مؤشر واضح لدرجة الانحطاط التي وصلت إليها كرامة المرأة في المجتمعات الليبرالية. وفي الدراسة الاستقصائية المذكورة أعلاه، قالت أربع نساء من كل خمس نساء إنهن لم يبلغن أرباب العمل عن هذه الحوادث، لأن الكثير منهن يخشين أن يضر ذلك بعلاقاتهن في العمل أو أنهن لن يؤخذن على محمل الجد. إن هذا الخوف له أسبابه؛ فقد أفادت الكثير من النساء، خلال فضيحة وستمنستر الحالية، أنه عند رفع شكاواهن المتعلقة بسوء السلوك الجنسي ضد أعضاء من البرلمان أو كبار أعضاء الحزب، تم تجاهل شكاواهن أو حتى جرى تشجيعهن على عدم الإبلاغ عن الإساءة. فعلى سبيل المثال، ادعت بيكس بيلي، وهي ناشطة بارزة في حزب العمال، بأنها تعرضت للاغتصاب في مناسبة أقامها الحزب في عام 2011، وقالت إنها عندما رفعت شكوى بشأن الجريمة لمسؤول كبير في الحزب، قيل لها إنها إذا أبلغت عن الحادث فإنه يمكن أن يضر حياتها المهنية. كل هذا يظهر بوضوح أن ضمان السلطة السياسية أو الربح المادي غالبًا ما يعتبر أكثر أهمية من حماية كرامة المرأة.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد برز في النقاش داخل المجتمعات الليبرالية حول هذه الفضيحة الغموض حول ما يعتبر بالضبط تحرشًا جنسيًا وما يعتبر “مجرد مغازلة ومزاح بريء” أو “اتصالاً بدنياً ودياً بين الزملاء في العمل” كما وصفه البعض. إن الذاتية داخل المجتمعات الليبرالية وعدم وجود مقاييس واضحة للتفريق بين التفاعل المقبول وغير المقبول بين الرجال والنساء، يرجع إلى اتخاذ العقل حكمًا على الأفعال ما أدى إلى هذا الغموض والارتباك. ونتيجة لذلك، صار تعرض بعض النساء لتعليقات جنسية أو لمسات غير مرغوب فيها يوصف بأنه تفاعل مفرط ولا يؤخذ على محمل الجد.

إن منع التحرش الجنسي والاعتداءات ضد المرأة يتطلب المعتقدات والقيم والقوانين التي تعزز احترام المرأة وتحمي كرامتها على كل مستوى من مستويات المجتمع وفي كل ركن من أركانه. فالنظام الاجتماعي في الإسلام يجسد هذه المعتقدات والقيم والقوانين التي تلزم الرجال بوجهة النظر الصحيحة تجاه المرأة ومعاملتها باحترام دائمًا. وهو يحرم استغلال المرأة جنسيًا لأي غرض من الأغراض، مما يضع حماية كرامة المرأة بشكل لا لبس فيه فوق السعي لتحقيق أي مصلحة مالية أو مادية. كما أن الإسلام يرفض الحريات الجنسية، ويشرع بدلًا منها مجموعة واضحة من القوانين والأحكام التي تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة على نحو فعال لضمان اقتصار جميع أشكال التفاعل الجنسي، دون استثناء، في إطار الزواج وحده. هذا إلى جانب فرض عقوبات صارمة على أي شكل من أشكال انتهاك كرامة المرأة، حتى لو كانت كلمة واحدة ضد شرفها. وكل ذلك يسهل إقامة علاقة صحية ومنتجة بين الجنسين في المجتمع، ما يمكّن المرأة من العمل والدراسة والسفر، وإقامة حياة عامة نشطة خالية من الخوف من التحرش والاعتداء.

د. نسرين نواز

CATEGORIES
TAGS
Share This