في تونس: قادة لا يبصرون وشعب مكلوم وأرض محروقة
ابتلى الله تعالى المسلمين في تونس بحكومات رفعت شعار التغريب أولا وأخيرا، ومنذ ذلك الوقت انحدر حال البلاد انحدارا شديدا، أشدّ ممّا كان عليه.. فأصبحت الفوضى عامة والبلاد تسيّرها لوبيات الفساد والعصابات، أمّا الحكومات المتتالية فعاجزة تتفرج تاركة الحبل على الغارب لكل المغرضين وكل الطامعين في نهب ثروات البلاد وخيراتها ونهش لحوم الأبرياء والضعفاء…
بينما الوضع حرج نجد العصابات السياسية المتحكمة في أمور البلاد لا تلقي بالا إلى سوء الأوضاع من غلاء فاحش وفقر وأمراض وسوء رعاية.
فمن يكشف هاته الغمّة ويزيح هذا الكرب؟ وإلى من يشتكي الشعب المكلوم ؟
فمن نظام فاسق ظالم إلى سياسات عبثيّة عمياء، واستهتار بالحقوق والمسؤوليات ضاعت البلاد وضاع حق الناس في عيش كريم بالإسلام وأحكامه الربّانيّة العادلة، الذي أصرّت الطّبقة السياسيّة العلمانيّة على إبعاده، ورضيت بدل ذلك بالفوضى وبالتبعيّة العمياء للغرب الكافر المستعمر.
عطش وحرائق… مآسي لا يكترث بها أحد
خلال الأسبوع الفارط شهد عدد من مناطق البلاد لا سيما مناطق الشمال الغربي اندلاع حرائق هائلة بعديد الجبال والمناطق الغابية مع ارتفاع درجات الحرارة التي بلغت معدلات قياسية وغير متوقعة، فانتشرت النيران وتوسّعت لتأتي على مئات الهكتارات وتتلف أشجار الصنوبر والبندق والفرنان إضافة إلى المحاصيل الزراعيّة، والماشية وتزامن ذلك مع انقطاع المياه في أيّام العيد، في باجة وعمدون والكاف وجندوبة.
يحدث هذا في منطقة من أغنى المناطق التونسية من حيث احتياطي المياه الذي تزود به باقي الجهات كما تتوفر في هذه المنطقة أكبر السدود والبحيرات الجبلية، ولكنّ ذلك لم يشفع لأهل هاته المناطق فكان حالها:
كالعيس في البيداء يقلها الظمأ — والماء فوق ظهورها محمول
وهذه المعضلة – نقص المياه وتواتر الحرائق – يعيشها سكان الشمال الغربي منذ سنوات بل عقود، دون أن يكترث بهم أحد أو يلتفت إلى مآسيهم التي لا تنتهي، حتّى صارت مناطق منكوبة همشتها سياسات الحيف والظلم والتمييز الجهوي المنظّم رغم ثرواتها ورغم ثراء طبيعتها…
الخسائر فعلا كبيرة، فالحرائق أتت على مئات الهكتارات والتهمت الأخضر واليابس، وتُرك الأهالي – في كلّ من القصرين والكاف وسليانة وجندوبة وغيرها من المناطق – لمصيرهم يجابهون ألسنة اللهب في هذا الصيف القائظ بأدوات بدائية، لم يصغ أحد من الوزراء ولا المسؤولين الحكوميين لصرخات النساء ولا لنحيب الأطفال، ولم يكترث أحد بدموع الشيوخ وهم يرون متاعهم القليل تلتهمه النار، فأي دولة هذه التي تعجز عن توفير الماء الصالح للشراب أو إخماد حريق…؟؟؟ وما الفائدة من وجودها إن لم تتحمّل مسؤوليّتها وتقوم بما أوجبه الله تعالى عليها من واجب الرعاية والعناية…؟؟؟
هكذا يترك عشرات الآلاف من البشر يواجهون العطش وقيظ الصيف والحرائق المشتعلة بمفردهم… ولا حياة لمن تنادي …
“الفاعلون” السياسيون والسقوط المدوّي
حقا ما أبشع هذا السقوط المدوي للحكّام والسياسيين، فهم مهتمون بشؤون أخرى، فالدولة عوض أن تتحمل مسؤولياتها وتقوم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتتكفل بإرسال طائرات إطفاء لإخماد الحرائق المشتعلة في الغابات وإطفاء لهيب المرارة التي تلتهم أفئدة الأهالي، عوض أن تفعل ذلك نراها مشغولة بنفسها وبالصراعات الداخلية لطوائفها.
فالبرلمان المنقسم على نفسه قد ركن إلى الراحة في عطلة سنوية: شهرين، خالصة الأجر من أموال النّاس، وأما حكومة تصريف الأعمال فمنهمكة في جمع حقائبها والاستعداد للمغادرة، وأمّا رئيس الدولة فلا يزال منشغلا بمعاركه الدستورية الوهميّة…، فلا دولة تسمع الاستغاثة وتلبّي النداء وتصلح ما فسد من أمر النّاس، فلا أحد يتحدث اليوم عن الدولة وعن حضورها وعن مسؤوليّاتها في توفير المرافق الضرورية للناس والاستجابة لحاجياتهم، فلا وجود لها ولا أثر لسلطانها.
هذه هي الدولة في تونس، حاضرة على الورق غائبة في الواقع.
“الفاعلون” السياسيون والنفاق السياسي
لم يصغ أحد من المسؤولين لصرخات النساء ونحيب الأطفال ولم يكترث أحد بدموع الشيوخ وهم يرون متاعهم القليل تلتهمه النار، ولكن ما إن وقع ذلك الانفجار العنيف الذي هزّ العاصمة اللبنانية يوم الثلاثاء 04 أوت حتى تداعت الدولة بجميع أركانها تطلق التصريحات التضامنية حيال هذا الحدث الجلل وذلك كما يقولون من منطلق الواجب الإنساني وتأكيدا لوقوف البلاد إلى جانب لبنان في هذا الظرف الصعب الذي يحتم مزيدا من تعزيز التضامن والتآزر بين الشعوب كما جاء في بلاغ رئاسة الجمهورية، وقد أقلعت بالفعل طائرتان عسكريتان محملتان بشحنة من الأدوية والمواد الطبية والمساعدات الغذائية إلى لبنان تضامنا مع الشعب اللبناني في محنته، إضافة إلى التكفّل بجلب مائة جريح من المصابين جراء الانفجار لرعايتهم وعلاجهم بالمستشفى العسكري وباقي المستشفيات التونسية.
لا نشكّ في أهمية التضامن والتعاون والتآزر بين المسلمين وأنّ ما أصاب أهلنا في لبنان ليس بالأمر الهيّن وواجب التكافل أمر لازم لأنّ ما وقع رهيب.
والسّؤال لماذا لم تقع إغاثة النّاس في تونس وقد اجتمعت عليهم الحرائق وفقدان الماء وتخاذل المسؤولين؟ هل سمع “الحكّام” بكارثة لبنان وصمّت آذانهم عن المصائب المتتالية التي تجري أمام أعينهم؟
إنّه النفاق والظّهور بمظهر “الدّولة” بعد أن اهترأت الدّولة حتّى تخلّت عن تحقيق أدنى مرافق العيش (الماء الصالح للشراب” وعجزت عن إطفاء حريق.
لا حلّ في ظلّ من صنع الأزمة
الحلّ لا يمكن أن يصنعه من صنع الأزمات وفرّط في الثروات، ولن يكون الحلّ في نظام وضعيٍّ يدوس مصالح الشعوب من أجل مصلحة حفنة من الجشعين والمترفين.
فما هو الحل ومن أين يأتي؟
الجواب هو بكل بساطة نظام بديل يعنى بالإنسان كإنسان، نظام يعينه ويقف معه وينجده ويحميه من الخسارة خاصّة زمن الكوارث والفواجع، نظام يرعى شؤون النّاس رعاية صحيحة ويوجد التوازن الاقتصادي والاجتماعي ويوزع الثروة ولا يجعلها بأيدي حفنة من المنتفعين تتحكم بمصائر الشعب، نظام رباني من لدن عليم لطيف خبير.
إنه نظام دولة الخلافة الراشدة الذي يحتاج إليها البشر كلهم جميعا، والذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة… إنه نظام رب العالمين.
————————–
موجة جديدة لحرائق “مجهولة المصدر“ نذكر بعضها، عبر ما توفر لدينا من أخبار نشرتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء وبعض الإذاعات الخاصة.