في حرب المفاهيم والقيم: حاجة الأمة إلى أبنائها

في حرب المفاهيم والقيم: حاجة الأمة إلى أبنائها

وصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، في مقال له نشره على موقعه على الإنترنت، بتاريخ 22 جوان 2021، وهو الذي قاد بلاده للحرب في أفغانستان إلى جانب الولايات المتحدة عام 2001، قرار انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بأنه “مأساوي وخطير وغير ضروري وأبله”. وأضاف “نحتاج إلى وضع قائمة بالحوافز والعقوبات والإجراءات التي يمكننا اتخاذها، بما في ذلك حماية السكان المدنيين حتى تفهم طالبان أن أفعالها سيكون لها عواقب (هكذا)”. معتبرا مبررات الولايات المتحدة للانسحاب “غبية” و”ليست مدفوعة بإستراتيجية كبرى بل باعتبارات سياسية”، وأن الإستراتيجية الحالية للحلفاء الغربيين ستضر بهم على المدى الطويل.

وصرح وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” بتاريخ 12. 08 .2021 لقناة تلفزيون “زد.دي.إف” أن بلاده لن تقدم أي دعم مالي لأفغانستان، في حال انتزعت حركة طالبان السلطة في البلاد وطبقت الشريعة الإسلامية. مضيفا أن ألمانيا تقدم مساعدات تنموية لأفغانستان، تصل 430 مليون يورو سنوياً. وشدد على أنّ أفغانستان “لا يمكن أن تستمر من دون مساعدات دولية”.

ويوم 13 أوت وفي الرسالة الخطية التي بعثها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مع نائب مستشار الأمن القومي لبلاده إلى الرئيس قيس سعيد وبعد أن أكد على حاجة تونس الملحة لتعيين رئيس وزراء وتكليفه بتشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية والصحية العاجلة التي تواجه تونس، ركز في رسالته على العودة سريعا إلى طريق الديمقراطية البرلمانية في تونس”.

وإثر استقباله من قبل عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، يوم 03 سبتمبر 2021، بمقر الوزارة، صرح دونالد بلوم سفير الولايات المتحدة بتونس، أن بلاده مستمرة في دعم تونس على جميع الأصعدة من أجل إتمام البناء الديمقراطي.

وفي بيان، مشترك بتاريخ 06.09.2021، لسفراء الدول السبع الكبار (كندا، الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، اليابان، إيطاليا، بريطانيا)، جاء التأكيد على أن هذه القوى السبعة”ستظل ملتزمة بإبقاء القيم الديمقراطية المشتركة ذات أهمية محورية في علاقاتها المستمرة مع تونس.

    هكذا أجمعت قوى الطغيان العالمية، متفرقة ومجتمعة، على مستوى الدول والهيئات والأفراد، على أن قضيتها المركزية في علاقتها بنا في تونس، أو مع أمتنا الإسلامية (أفغانستان نموذجا)، وسائر العالم، هي وجهة نظرها في الحياة ووجوب فرضها على العالم وتحقيق سيادتها وتفوقها على غيرها من وجهات النظر. فعلى اختلاف مواقع المسئولين في بلدانهم، وعلى حدّة درجات الصراع بينهم على المنافع والمكاسب المادية، واتساع مجال النفوذ لهذا الطرف أو ذاك، فإن درجة الوعي لديهم على حقيقة الصراع بين المجاميع البشرية، كونها صراع أفكار ومفاهيم عن الحياة، لا تخفت ولا تفقد أولويتها لديهم، حتى أن  وزير الخارجية اليوناني “نيكوس ديندياس” وهو الذي لا في العير ولا في النفير، وعقب لقائه الثلاثاء 07.09.2021، الرئيس “قيس سعيد” في قصر قرطاج، لم يتورع عن الانحشار في شأننا الداخلي وإعلانه الوقح وبدون مواربة أنه سيدعم “قوى الاعتدال” في تونس، (هكذا) مضيفا: “نحن ضد أي قوة تريد فرض المبادئ الدينية أو الأيديولوجية”.

فالناظر اليوم إلى الساحة العالمية لا يعجب من هيمنة الغرب على العالم وهو يرى قادته على هذا الوعي بالواقع السياسي للبشرية، وعلى هذا الثبات المبدئي والإصرار على فرضه على العالم، في حين نجد رأس الدولة عندنا، ولتبرير ما أتاه من تصرف ضمن مسئوليته، أصاب أو أخطأ، يرجو من أصدقائه الأمريكيين الاستماع إلى نبض الشارع، شارعنا، هذا الشارع الذي يريد قادة أمريكا أن يصبغوه بصبغتهم وأن يحمّلوه طريقتهم في العيش، ويصر قيس سعيد على علاقات التعاون والشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وهل إستراتيجية أمريكا غير الهيمنة على الشعوب؟

إلا أن أمتنا وقد ابتليت اليوم بحكام، وطبقة سياسية في مجملها، لا يزالون يرون في المجتمعات الغربية والتي تشكلها مجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات المنبثقة عن النظام الرأسمالي، قدوة لهم في العيش، رغم أن هذه المجتمعات تعيش التفكك والتشرذم المطّرد، مع إظهار الحقد والكراهية تجاه الإسلام المسلمين، تجد نفسها وهي تصارع من أجل الانعتاق والتحرر من التبعية، وفي سعيها لافتكاك إرادتها من عدوها، أحوج ما تكون إلى أبنائها، المخلصين الواعين، المدركين لصعيد الصراع الحقيقي. فكل مجموعة بشرية ارتضت العيش على نمط حياة خاص بها، لا يحفظ لها ذاتيتها ولا يصون كيانها إلا أعمدتها من أبنائها البررة المقتدرين. وأمتنا، اليوم، أحوج ما تكون إلى فقهائها وعلمائها الذين يذبون عن أفكارها ومفاهيمها المنبثقة عن عقيدة التوحيد، لا إلاه إلا الله محمد رسول الله، فهم منارة حاضرها وذخر غدها. وهي اليوم أحوج ما تكون إلى مثقفيها، وقادة الرأي فيها، فهم الذي تشبعوا بفكرها الصافي النقي القائم على فهم حقيقة الوجود، وهم حصنها، وهم قدوة نشئها. وهي اليوم أحوج ما تكون إل أهل القوة والمنعة فيها، فهم درعها الواقي وحصنها المنيع من عوادي الأيام في الداخل ومن غدر الأعداء ومكرهم، وتقع عليهم أساسا، اليوم، مسؤولية الأخذ على يد كل من يسعى إلى رضا الكافر المستعمر، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: “وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير (120)”، وعليهم تقع اليوم مسؤولية نصرة دين الله وقد بوأهم المولى عز وجل المقام الرفيع من أمتهم. بل إن الأمة لهي في على كل نفس من أبنائها، والله العزيز الحكيم يخاطبنا في الكتاب المبين بقوله: “ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَ‍ُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِين” (120)

فإن كان تهديد بلير للأمة، وتخويفنا من قبل وزير خارجية ألمانيا بالجوع، وتآمر سفراء الدول السبع الكبار على بلدنا، وحتى تطاول وزير الخارجية اليوناني “نيكوس ديندياس”، لم يبعث في النفوس الخاملة الحيوية، ولم تكشف عن العقول غشاوتها، فقد آن للخُلُّص من أبناء الأمة أن تحزم أمرها.

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This