في ذكراها الرابعة عشر،هل حققت الثورة أهدافها؟

في ذكراها الرابعة عشر،هل حققت الثورة أهدافها؟

أ.علي السعيدي

1- ثورة تونس،شرارة ثورات الربيع العربي،ماذا جنى أهل تونس منها وهل حصل التغيير المنشود؟

تمُرّ علينا هذه الأيام،الذكرى 14 لثورة أطاحت بطاغية جثم على الرّقاب وامتطى الأظهر لسنوات وأذاق العباد الويلات،ثورة انطلقت شرارتها من سيدي بوزيد تحت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”،سرت في البلاد سريان النار في الهشيم وعمّت أرجاءها كل المُدن صادعة بصوت متناغم واحد طالبا التغيير فانتهت بفرار الطاغية – بن علي – إلى خارج البلاد تاركا وراءه نظامه القميء وقوانينه العفنة وأمل الناس أنها صفحة وطويت والجديد الضديد للقديم قادم وسيسعدون بما هو آت.

توالت الوجوه وتداول الحُكّام على البلاد لكن ظل بيت لقمان على حاله ،بنفس النظام وبنفس الدستور والقوانين و بتعديلات سطحية مسّت الشكل دون المضمون وهكذا نجح ،لا أقول الحكام وإنما المشرفون على المشهد السياسي في تونس وأقصد  دول الغرب ، المتمثلة أساسا في أوروبا ،في إعادة تدوير نفاية العلمانية ورسكلتها وطعّمتها بوجوه جديدة غير مألوفة سُخّرت لهم الأجهزة الإعلامية والأوساط السياسية والأحزاب والجمعيات  لتجعلهم محور العملية التغييرية واختارت لهم شعارات ثوريّة إمعانا في تضليل الجموع الثائرة وامتصاصا وتفريغا لجذوة مُتّقدة في الأنفس فانطلى المكر على الناس وخانهم وعيهم خصوصا بعد أن طال بهم الأمد لهثا وراء تغيير لم ولن يحصل ممّا سهّل التلاعب بهم وإعياؤهم في أروقة ومتاهات السياسة الديمقراطية لهثا وراء وعود في الآفاق….فخمدت جذوة الثورة في صدور الثائرين وقادهم الواقع المُتكلّس إلى يأس وقنوط من أي عملية تغييرية قد تأتي من وراء حُكّام أجادوا الكذب وامتهنوا المكر والخداع  وتيقّنوا أن لا أمل في خير قد يأتي من وراء هؤلاء الحكّام وهذا ما يُفسّر حالة العزوف عن المشاركة في الإنتخابات كونها لن تأتي بجديد وبات الجميع على ثقة  باستحالة مجيء خير من عملية سياسية يحرسها النظام،وليس أي نظام بل هو النظام الرأسمالي بعينه الذي أرهقهم به بن علي.

وعلى مدى 14 سنة من حُكم الرويبضات وبعد العديد من الحكومات والسياسات والوعود الحالمة،ازدادت الأوضاع انتكاسة والأحوال سوءا وعمّ الفقر وارتفعت البطالة والتهبت الأسعار وفقدت السلع وازدادت الضرائب وجاع الناس وكثر الظلم وغاب الأمن… 

فذهبت الوعود الخادعة أدراج الرياح وبان لعموم الناس أن البلوى عظيمة في شخوص الحكام والأحزاب والوسط السياسي بعد زوال مساحيق التجميل التي تغطي كذبهم وأنهم ليسوا سوى ذئاب مُتربّصة بفريسة ،حريصون على كعكة الحكم وكرسي العرش فقط ولو دوسا على الرقاب.

تهبّ علينا نسمات هذه الذكرى العطرة ونحن نرنو للتغيير- لكنها نسمات غير مرغوب فيها  لا من قبل الحُكام لأنها تُعكّر صفوهم وتُقلق راحتهم،ولا من قبل الغرب الكافر لأنّها إيذان بزوال هيمنته وتحكّمه في البلاد ونذير بسقوط علمانيته واندثار نظامه الرأسمالي وقبر ديمقراطيته النتنة.

لقد فاجأت الثورات في البلاد الإسلامية الحكام وكذلك الأسياد،رغم كثرة مراكز الإستشراف والدراسات التي ترقب كل همسات الشعوب وترفع التقارير لاستباق أي حراك وإخماد أي تمرّد وعدّت نقيصة في مراكز استخباراتهم جعلتهم يعيدون الحسابات ويغيرون الإستراتيجيات، لذلك هم يعمدون اليوم إلى أمرين:أولا معاقبة الثائرين جماعيّا على ثوراتهم بالتنكيل والتجويع حتى لا يعودوا لمثلها أبدا وربط الحالة المزرية التي وصلوا إليها بهذه الثورة… وثانيا،إطفاء جذوة الثورة وإلى الأبد حتى لا يبقى لها أثر في مخيال الناس.

حال البلاد والعباد لم  يتغير منذ هروب الطاغية إلى الآن  بل لم يتحسن و ازداد سوءا ، ورغم أن كل حاكم يلعن سابقيه ويُلقي عليهم جميع التبعات التي آلت إليه،ورغم أن حكّام ما بعد 25 جويلية ادّعوا الإصلاح والقطع مع الماضي وتركة العشرية السوداء،إلا أنهم جميعا مُتورّطون في ما آلت إليه البلاد وما ستؤول إليه مستقبلا لأنهم امتداد لبعضهم البعض تحت رعاية نفس النظام البائس.فمن السهل إلقاء اللائمة على الغير لكن من الصّعب التفلّت من الحقيقة وهي إجرام الحكّام في حكم الناس بغير ما أنزل الله وهو ما تداول عليه كل حكّام تونس بلا استثناء.

ورغم حجم الكذب والتضليل المُمارس على الناس،إلا أن أهلنا في تونس باتوا يعلمون يقينا أن كل من حكموا البلاد منذ ما يسمى بالاستقلال المزعوم إلى حد اليوم ،كلّهم وُكلاء للمستعمر الغربي، خونة بامتياز ، لأنهم حكموا الناس بنفس منظومة الفساد المتمثلة في النظام الرأسمالي الديمقراطي العلماني التي حكم بها بورقيبة وبن علي رغم ثورة الناس عليها ومطالبتهم بإسقاطها  لذلك لا غرابة أن تكون إفرازات حُكمهم ضنك وفساد وانحطاط.

وهذه بعض أرقام ما أثمرته سياساتهم الفاشلة في حكم البلاد:

غلاء الأسعار –  تراجع قيمة الدينار-انخفاض القدرة الشرائية – نقص في توفر السلع والخدمات – زيادة في تكاليف الإنتاج – انخفاض الاستثمار- زيادة الواردات وركود الصادرات – زيادة نسبة التضخم (100 دينار في 2010 تساوي 171 دينارا في 2021 )- تدهور الخدمات العامة الحيويّة مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل – ارتفاع نسبة الدين الخارجي ( 12315 مليار)- نسبة الدين الداخلي 25 بالمئة – ارتفاع نسبة الضرائب (90 بالمئة من موارد الدولة في شكل ضرائب )…ومصائب أخرى لا تحصى ولا تُعد.

 فإذا كانت ثمار النظام الرأسمالي نكد وضنك وضيق وحرمان وخصاصة فهل نواصل السير معه أم نسعى للتغيير؟

حقيقة، لقد تآكل رصيد هذا النظام العلماني وانكشف  للناس وبان زيفه وكذبه ودجله … ويأبى الله إلا أن يُتمّ نوره ويفضح العملاء والخونة فيتّضح السبيل للناس وهو أنه لا خير يكمن في هذه العلمانية  وأن الديمقراطية شقاء للبشرية وأن الرأسمالية توحّش وإجرام….

2- التغيير المنشود وكيفية تحقيقه.

لأن الوجوه تغيرت لكن النظام بقي على حاله، ولأن القوانين والتشريعات متناقضة مع عقيدة  الشعب المسلم ،ولأن الإستعمار مازال ينهب الثروات ،ولأن النظام الوضعي سبب الجريمة والفساد،لكل ذلك وجب التغيير وليس أي تغيير  بل هو تغيير جذري يبدأ من الأسس ويقطع مع الماضي ويبني بناء جديدا… وكل هذا يحتاج إلى وعي على المشروع  ووعي على طريقة تحقيق المشروع ووعي على حسن تنفيذه ويحتاج أيضا إلى تجديد أنفاس الثورة المعتمرة في النفوس المتوثبة للتغيير حتى تستمر الثورة  لتسقط النظام العلماني،وتحرر الناس من الإستعمار ويُقام حكم الإسلام، وإنه لواجب عظيم يُلقى على أكتاف أمة المليارين لتتحقق الكفاية ويحصل التغيير.

لما الإسلام هو البديل؟ بكل بساطة لأنه لا بديل عنه، فإما الفساد وإما الصلاح،إما الظلم وإما العدل،إما الشر وإما الخير،وإما الباطل وإما الحق فالإسلام رمز للصلاح والعدل والخير والحق وما سواها سمات للنظام العلماني، فهل نستجير – ونحن أمة الإسلام – بغير الإسلام لينقذنا وهل نرتمي في أحضان من ظلمونا وقهرونا واستعبدونا لعشرات السنين طالبين منهم الإحسان في قتلنا؟

إن الثورة تمثل تعبيرة عن حالة الرفض التي يعيشها الناس إزاء نظام سياسي مُعيّن ولّد لديهم حالة من الإحتقان والإمتعاض نتيجة فساد المعالجات وسوء الرعاية والظلم المستشري،وقد عبر عنها  أهل تونس بشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.وسرى هذا الشعار سريان النار في الهشيم  في  البلاد الإسلامية وأنتج حراكا ثوريا انتقل من تونس إلى مصر إلى ليبيا ثم سوريا واليمن ولا زال الحراك لم يثمر العنوان الذي حمله وهو إسقاط النظام بسبب تدخل الغرب بكل أدواته على هذه الثورات ليحقق بذلك بقاء هيمنته ونهبه لخيرات بلاد المسلمين وذلك بإنفاذ نفس نظامه الرأسمالي الديمقراطي بتشكيلات وديباجة جديدة يعسر على عموم الناس التفطن إلى أحابيله وجزئياته.

خلاصة القول أن ثورات الأمة قامت تُعلن الحرب على المنظومة الرأسمالية الديمقراطية الفاسدة فتم التحيل عليها وتحويل وجهتها من حرب على النظام العلماني إلى حرب على الإرهاب شعار أمريكا والغرب الصليبي للقضاء على  الإسلام.

ولتصحيح المسار نقول أن الواجب في ذمة أمة محمد عليه الصلاة والسلام هو مواصلة الحراك ودفع منسوب الوعي لدى الأمة حتى تنهض من جديد وتستأنف الحياة بالإسلام بإقامة الخلافة الراشدة التي بها يُعز الإسلام وأهله ويُذل الكفر وأهله فتستعيد أمتنا عافيتها وتعود إلى صدارة وقيادة الأمم وتنقذ البشرية من مآسي الأنظمة الوضعية.

وعي الأمة هذا ومطلبها في تطبيق الإسلام تحت قيادة حزب مبدئي  يعمل معها ومن خلالها يحتاج إلى أهل قوة ومنعة ينصرون المشروع ويقيمونه على أرض الواقع ويحمونه.حين تلتحم الفكرة مع القوة يصبح للإسلام شأن وصولة وجولة لذلك ينادي حزب التحرير أمة الإسلام وقوى الخير الفاعلة فيها وأهل القوة والمنعة للإنخراط في هذا المشروع وإقامة فرض رب العالمين وينالون بذلك عزي الدنيا والآخرة.

قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ }

ونحن على يقين تام أنّ الخير كل الخير كامن فقط في عقيدة الإسلام،حين ينبثق منها نظامها الربّاني ليرعى شؤون الناس تطبّقه دولة تربط دينها بحياتها،دولة لا سيادة فيها إلاّ للشّرع: خلافة على منهاج النبوة،آن أوانها وهلّ زمانها .

– الخلافة هي نظام الحكم الذي فرضه الله على المسلمين وهي النظام السياسي الذي أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وسماه الخلافة في قوله “…ثم تكون خلافة على منهاج النبوة”.

– تقوم الخلافة على أساس وحدة الأمة ووحدة الدولة،السيادة فيها للشرع والسلطان للأمة،فالأمة هي التي تختار الخليفة وتبايعه حاكما عليها بالكتاب والسنة وما أرشدا إليه من أحكام ،وهي التي تحاسبه على تقصيره إن قصّر وتعزله إن استوجب العزل.

-إقامة الخلافة على منهاج النبوة يعني استئناف الحياة الإسلامية وتوحيد الأمة تحت حكم رئيس واحد،هو خليفة المسلمين ،والتخلص من أي نفوذ للدول الغربية وأدواتها المحلية ،وعودة سلطان المسلمين على مقدراتهم وثرواتهم المنهوبة،واسترجاع الأمة لنهضتها ودورها في نشر الهدى وقيادة العالم بنور الإسلام العظيم ،والعمل لإقامتها اليوم فرض عين على كل قادر. 

قال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

CATEGORIES
Share This