نشر في الصفحة الرسمية لمجلس نواب الشعب الخبر التالي:
“بمناسبة الذكرى الخامسة للمصادقة على دستور الجمهورية التونسية، يعقد مجلس نواب الشعب جلسة عامة ممتازة يوم الاثنين 28 كانون الثاني/يناير 2019 بداية من الساعة التاسعة صباحا”.
كما صرح رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء يوم الخميس، “إن البرلمان سيعقد الاثنين 28 كانون الثاني/يناير 2019 جلسة عامة ممتازة، احتفالا بمرور خمس سنوات على مصادقة المجلس التأسيسي على دستور الجمهورية الثانية”.
التعليق:
من المعلوم أن الاحتفال هو اجتماع على فرح ومسرة، أما أن يكون اجتماعا على فشل وراءه فشل من خلفه محن ومصائب لا حصر لها ولا عد فهي مفارقة عجيبة، لكن هذا حالنا في بلد الزيتونة اليوم!
فقد تأسست الجمهورية الأولى على زعم الاستقلال فأغرقتنا في ظلمات استعمار فكري وثقافي كبل عقولنا سنين طويلة وسرنا فيه سير المضبوع الذي لا يدرك أنه يتبع مُفترسه إلى وكره، وحين قمنا ثائرين نريد التغيير أوهمونا أننا أصحاب قرار وأن مصيرنا بأيدينا ونحن من يختار الطريق… لكن حقيقة الأمر أننا خدعنا مجددا، بل إننا نعاقَب على مجرد رفضنا للظلم والقهر بيد من تصدر المشهد وزعم أنه يحمي الثورة…
دستور ولد ميتا وكبّر عليه أحد مؤسسيه أربعا (الصادق شورو) ورفضه الناس قبل المصادقة عليه، وقد كنا في حزب التحرير أعلنا رفضنا وتبرّؤنا منه في وقفة عز أمام مجلس النواب بباردو يوم 24 كانون الثاني/يناير 2014، لكن تبرُّؤنا هذا لا يجعلنا نغض الطرف عن الكوارث التي حدثت جراء هذا الدستور…
لقد كان إقرار مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة جرأة كبيرة على أحكام الله فتح المجال لمزيد من التجرؤ والتمادي حتى خرجت علينا لجنة الحريات الفردية والمساواة بتقرير يعلن الحرب صراحة على أحكام ديننا الحنيف ويحرفها أيما تحريف ليدعو لمساواة المرأة بالرجل في الميراث ويلغي المهر ويلغي العدة والقوامة…
وبإقرار حرية الضمير وتجريم التكفير فتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب، فخرج المثليون للعلن يتظاهرون وتوفر للمفطرين في شهر الصيام مجال للصياح وإشهار إفطارهم دونما حياء ولا خجل، بل تجاوزنا ذلك بكثير إلى حد سبّ الجلالة تحت قبة المجلس دون أن يحرك أحد ساكنا! ولم يكتفوا بنهب ثروات البلاد منذ الاستعمار فجددوا العقود ومددوها، بل باعوا البلاد ورهنوها عند صندوق النقد الدولي فصار هو الآمر الناهي، وعقدوا الاتفاقيات التي تدمر الاقتصاد والفلاحة (اتفاقية الأليكا)، وتصدوا لأحكام الله وحاربوها حتى يرضوا أسيادهم. وها هم بعد خمس سنوات بدل أن يقوموا بجردٍ لحجم الفشل والخسائر يغالطون أنفسهم ويستعدون للاحتفال!
يخادعون أنفسهم ويرفضون الإقرار بهزيمتهم، فدستورهم يحفظ مصالح العدو ويثقل كاهل الشعب فقد وصلت المديونية في تونس سنة 2018 إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي، ونزيف القروض متواصل بشروط تثقل كاهل الناس، وبلغت نسبة الفقر 15.2% خلال سنة 2016/2015 بحسب المعهد الوطني للإحصاء.. ووصلت سنة 2018 إلى 15.4% من عدد النشيطين المقدر بـ126 ألف و100 ساكن. تتوزع هذه النسبة بين الذكور والإناث كالآتي 12.5% ذكور و22.7% من الإناث. وكثر الإجرام حيث سجلت وزارة الداخلية 2700 قضية عنف خلال سنة 2017، وبلغت نسبة النساء اللاتي تعرضن للعنف إلى 47%.
وارتفعت أعداد حالات الطلاق لتصل إلى 16 ألفاً و452 حالة خلال سنة 2017/2016 أي بمعدل 45 حالة يوميا، وتنامت ظاهرة الحرقة ليصل عدد المهاجرين غير النظاميين إلى 38 ألف مهاجر في تشرين الأول/أكتوبر 2017 بحسب ما أشار إليه المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية. ناهيك عن حالات الانتحار التي بتنا نسمع عنها بشكل يومي، فقد وصلت في سنة 2016 إلى 583 حالة انتحار شملت مختلف فئات المجتمع التونسي، وانتشر ترويج المخدرات فقد سجلت وزارة الداخلية 4900 قضية مخدرات سنة 2016 منها 3186 قضية استهلاك و1641 قضية ترويج و73 قضية تهريب والإيقاع بـ8984 متهما. ولا ننسى ما وصل إليه حال قطاع الصحة وما أصبح الناس يعانونه من صعوبات الحصول على الدواء أو الإسعاف وما تعانيه الأسر من جراء مشكلة التعليم وأزماته المتكررة مع الاتحاد والغلاء الفاحش في المعيشة وارتفاع الأسعار الذي بات يفاجئ الناس بشكل يومي وشحّ المواد الأساسية، وغير ذلك كثير…
مشاكل بالجملة وأزمات تجر أزمات ومعاناة يومية أفقدت التونسيين الثقة في السياسة والسياسيين ولم يعد لديهم أمل في تحسن الأوضاع، ومن تسبب في كل هذا يقيم احتفالا على آلام الناس متغافلا عن الكوارث التي أحدثها باتباع أوامر أسياده والإعراض عن منهج ربه، ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾، حتى وهم ينظرون إلى ديمقراطية الغرب وهي تتهاوى أمام أعينهم ما زالوا يصرون على نهجه!!
ألا فلتعلموا أن أهل تونس بل المسلمين وحتى الغرب يشهدون موت النظام الرأسمالي وينتظرون فقط دفنه داخل قبره ليعلنوا ميلاد نظام الإسلام العظيم الذي سيملأ الأرض عدلا بعد جور نظامكم هذا، ولم يبق إلا القليل، فانتظروا إنا معكم منتظرون.