“…هناك جوانب مشتركة بين فرنسا وتونس نعتز بها ونعمل على تعزيزها…” ” تونس تعيش ديمقراطية لم يسبق لها مثيل وأثبتت تجربتها أن الإسلام يتماشى مع الديمقراطية، لقد كذّبتم من قال إن الإسلام لا يتعايش مع الديمقراطية…” هذا بعض ما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون” الذي ألقاه أمام أعضاء مجلس النواب على هامش زيارته التفقدية لتونس..خطاب جمع فيه الرئيس الفرنسي بين الوقاحة والسماجة صفتان تميزان جميع القوى الاستعمارية، وفي المقابل نجد الجبن والحقارة أبرز ما يميز العملاء وخدم تلك القوى.
تظهر وقاحة “ايمانويل ماكرون” وسماجته في زعمه أن بين تونس وفرنسا قواسم مشتركة يجب تعزيزها والعمل على المحافظة عليها ..تحدث “ماكرون” على تونس كبلد أهلها مسلمون ..عاشوا بالإسلام ولأجل الإسلام لعقود طويلة..تحدث عن تونس التي كانت جزء من دولة عظمى لم تكن فرنسا تجرؤ على مجرد التفكير في الاقتراب من حماها .. وأكيد أن “ماكرون” هذا على دراية بذلك شأنه شأن كل من سكن قصر “الاليزي”.. وعليه فـ”ماكرون” تجاهل أن تونس لم يتخل أهلها عن الإسلام بملء إرادتهم وإنما بمفعول حديد دولته المستعمرة الغاصبة و نارها في مرحلة أولى. وبتواطؤ من حكام باعوا ذممهم خدمة لمن احتل بلدنا واستحوذ عليه. فالجوانب المشتركة التي تحدث عنها الرئيس الفرنسي لا وجود لها إلا في أذهان القائمين على الدولة في تونس وشرذمة المضبوعين بالغرب وحضارته ليس إلا، ومن الوقاحة بمكان أن يدعي “ماكرون” بأن أهل تونس يرضون بنمط العيش الغربي كالشذوذ مثلا الذي يسعى بعض المرتمين في أحظان الحضارة الغربية إلى جعله أمرا مقبولا لدى أهل تونس المسلمين لكنهم خابوا في مسعاهم وبقى حبيس قوانينهم ودستورهم الهجين الذي لن يجعل بأي حال من الأحوال تونس كفرنسا إلا في أطماع رئيسها وفي أماني خدمها ممن انسلخوا عن جلودهم بزعامة “صاحب الهيبة” رئيس الدولة بالوكالة “الباجي قائد السبسي “، وبـ”إدارة” يوسف الشاهد الموظف السابق بالسفارة الأمريكية والموظّف حاليّا برتبة رئيس حكومة. لقد اصطفوا جماعات وفرادى ليقدموا فروض الولاء والطاعة لواحد من أولياء نعمهم. الذي لم يفوت الفرصة لشكرهم عن جهدهم المبذول في محاربة الإسلام وأحكامه حيث أشاد الرئيس الفرنسي بدعوة “الباجي قائد السبسي” إلى المساواة في الإرث بين الرجل و المرأة. (أو قل إن شئت) شكره على خدمته لأعداء الإسلام الذين باتوا يخشون عودة الإسلام للحياة أكثر من أي وقت مضى. فما بذلته القوى الاستعمارية الغاشمة طيلة عقود من أجل اجتثاث الإسلام من جهود باءت بالفشل الذريع. فأموالهم و جهودهم كلها ذهبت أدراج الرياح. فهم يسابقون الزمن لطمس ما تبقى من أحكام الإسلام علهم ينجحون في تأخير عودة الإسلام في ظل دولة تطبقه وتحمله للعالم وقد وجدوا في ” الباجي قائد السبسي” وأمثاله من حكام المسلمين خير من ينوبهم في حربهم على الإسلام تحت مسميات خادعة كاذبة مثل حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب….. ولهذا كال “ماكرون” في خطابه أمام أعضاء مجلس النواب المديح كيلا أثنى فيه على تونس وأشاد بدورها الريادي في القضاء على العبودية واستمرارها في الذود على حقوق الإنسان، بزعمه، وذلك بإقرار حرية الضمير وإحلال المساواة بين الرجل المرأة في الميراث.
ونسي “ماكرون هذا” أنّ كذبه مفضوح فأين حقوق الإنسان التي يشيد بها ويطلب تطبيقها في تونس وغير تونس؟ أليس استعمار الشعوب والقتل بمئات الآلاف بل أكثر، والإعانة على القتل الجماعي (كما فعلت القوات الفرنسيّة في افريقيا الوسطى حين نزعت سلاح المسلمين وتركتهم عزلا أما عصابات الإجرام المسيحيّة) فأين كانت حقوق الانسان وقتها. انتهاك الأعراض وتدنيس الأرض هي ما تتقنه القوات الفرنسيّة حيثما توجّهت في استعمارها قديما وحديثا. أمّا عن نهب الثروات وسرقة الشعوب فحدّث ولا حرج. ومن يقدر أن ينسى إجراء فرنسا لتجارب نووية فقط لتعرف مدى قدرة القنبلة على قتل أقصى عدد ممكن من البشر..وهذا ما قامت به فرنسا في الجزائر..أليس الجزائريّون من البشر؟؟ وحديثا الاعتداء على مالي وتفقير شعبها ومساندة كلّ طاغية من أجل المعادن واليورانيوم ألا يُعدّ اعتداء على حقوق الإنسان؟؟؟
“ماكرون” هذا خبيث كاذب بطبيعة دوره كرئيس لدولة استعماريّة لا تعرف انسانا ولا حيوانا، لا تعرف إلا المصالح الماديّة وهي كمصّاصي الدّماء لا تشبع من مصّ الدّماء يقدمون على جرائمهم بوجه ضاحك وثغر بسّام.
حقوق الانسان هي عند فرنسا وغيرها كل ما يتعارض مع مصالح قوى الشر، تعدّه انتهاكا لحقوق الإنسان، فمقاومة المستعمر بالسّلاح هي الإرهاب ومقاوته بالفكر والوعي هي التطرّف الذي يجب القضاء عليه.
وهل هناك غير الإسلام بوصفه عقيدة ينبثق عنها نظام يقضي على أطماع الغرب ويصيب أفكاره ومفاهيمه في مقتل؟ ومن غير حملة دعوة الإسلام اليوم ينادي بأعلى الصّوت بمقاومة الاستعمار ويدعوا الشعوب وخاصّة الإسلاميّة إلى التحرّر الكامل منه ومن غير حملة دعوة، ولأجل ذلك سيحاربون الإسلام عن قوس واحدة وسيطاردون حملة دعوة الإسلام في كلّ مكان بدعوى التطرّف والإرهاب.
وقد يغترّ البعض بزعم “ماكرون” أن الإسلام حاضن للديمقراطية ولا يتعارض معها. وقد يظنّ البعض أنّ لفرنسا توجّهات جديدة مخالفة لسيرة رؤساء فرنسا السابقين الذين كانوا يدعون صراحة إلى استئصال الإسلام خاصّة من أوروبا، والحقيقة أنّ ماكرون ذكر الإسلام من أجل محوه وفصله عن الحياة فمقدّماته كانت نتيجتها أنّ الدّيمقراطيّة هي التي تسيطر ودور الإسلام فقط أن يعطيها المشروعيّة ومن ثمّ يتنحّى جانبا. والعجب ليس من مستعمر وقح صلف متكبّر بل العجب كلّ العجب من المسلمين في مجلس النّوّاب الجالسين بين يديه ثمّ المصفّقين بحرارة مؤمّنين على قوله مكذّبين لقرآنهم؟؟؟؟ والعجب أكبر ممن يدّعون الصّفة الإسلاميّة يقبلون هذا القول وقد أكلت السجون أبناءهم وأفنت أعمارهم لأنّهم كانوا يناضلون من أجل أن يكون الإسلام في الحكم. ولكنّهم تنازلوا ليصلوا إلى الحكم ثمّ يوصلوا الإسلام، فأجلسوهم في كراسيّ الحكم وكان الثّمن التخلّي عن الإسلام وفصله عن الحكم إرضاء للغرب المستعمر فرنسا وأخواتها.
وبالجملة لقد كشف خطاب ماكرون:
عن وجه فرنسا المهيمن المتسلّط القبيح، وأنّ المتحكّم في بلدنا ليس فكرنا بل هو فكر غربيّ غريب وأنّ السياسات والبرامج تأتينا من وراء البحار مفروضة علينا، والثّمن هو بلدنا وشعبنا وديننا.
وعن طبقة سياسيّة خانعة ذليلة لا تقدر على شيء. تستجدي جلّادها رغيف خبز افتكّه منها. فهل ما زال من يقول أنّ في تونس دولة بالمعنى الحقيقي؟ وهل من الحقيقة أنّ في تونس رئيسا وحكومة أم هم مجرّد ظلال لمستعمر متسلّط يتحكّم في البلاد والعباد ومصيرهم.
حسن نوير