شهدت الساحة السياسية في تونس حملة تباكي افتتحتها بعض مكونات ما يسمى ب” المجتمع المدني” وبعض وسائل إعلام، وأختتمها القائم بمهام رئيس الدولة ” محمد الناصر” والمناسبة هي ملابسات الدور الثاني للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها, إذ يقبع أحد المترشحين لهذا الدور خلف القضبان لاتهامه بالتهرب الضريبي وغسيل أموال. حملة التباكي هذه تردد صداها في أروقت البرلمانين الأوروبي والفرنسي خاصة وسائر المهتمين بما يدور في تونس عامة, أو إن شئت قل كل الطامعين في تونس وباقي بلاد المسلمين.
نحيب وعويل ودموع تماسيح انهمرت مدرارا حزنا وكمدا على عدم تكافؤ الفرص بين المترشحين للدور الثاني للانتخابات الرئاسية ولطميات مقروءة ومسموعة توثق الاعتداء الصارخ على نزاهة الانتخابات والمس من مصداقيتها ومصداقية المسار الديمقراطي برمته وبالتالي المس من مصداقية تونس حسب ما جاء في مرثية “محمد الناصر” القائم بمهام رئيس الدولة التي ألقاها مؤخرا, والأكيد أنه استلهمها من مرثية بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة انتخابات تونس وقد أبّنت البعثة الأوروبية تكافؤ الفرص ودعت الجهات المختصة إلى تدخل عاجل لانقاض ما يمكن انقاضه وحفظ ماء وجه الديمقراطية ومشتقاتها, ولا يمكن لهذا أن يتحقق في نظرهم إلا بإطلاق صراح المترشح المسجون “نبيل القروي” حتى وإن بلغت جرائمه عنان السماء, فالمهم هو أن تكون مسرحية الانتخابات تامة الفصول والمشاهد، نزاهة، شفافية، مصداقية وهذا كله رهين تكافؤ الفرص بين المترشحين.
مجرد مطية من المطايا
ليجوس خلال ديارنا وينتهك سيادة بلادنا أوجد المستعمر بتواطؤ من أذياله وعملاءه من بني جلدتنا سواء كانوا حكاما أو أحزابا علمانية أو تلك المتأسلمة العديد من المطايا تبرر أعماله الدنيئة وتغطي على سفالة من كان له يدُ عَونٍ في توطين الخراب بين ظهرانينا كالحرب على الارهاب وحقوق الانسان المزعومة والدفاع عن الأقليات ونحو ذلك من الحبائل التي ينصبها هنا وهناك، وها هو اليوم ممثلا في الاتحاد الأوروبي يستغل حبس مترشح للانتخابات الرئاسية ليمعن في بسط نفوذه واستقوائه بالعجل الذي صنعه ونجح في جعل المضبوعين بوجهة نظر الغرب في الحياة يعكفون على عبادته ويسبحون بحمده صباحا مساء. فإما أن يتبعوا ما أوحاه لهم شياطين الغرب والا لا كيل لهم عند كهنة معبد الديمقراطية. اما أن تنحني لهم رقاب الأتباع وإلا سيرفع صندوق النقد الدولي العصا ويلقي بالجزرة بعيدا عن الأيادي المتسولة وهذا ما حذر منه القائم بمهام رئيس الدولة ” محمد الناصر” “عدم تمتع نبيل القروي “بحرياته الكاملة لمواصلة حملته الانتخابية، أصبح محل اهتمام واستفسار وانتقاد من قبل مختلف الأوساط في الداخل و الخارج..” وعبر عنه صراحة أحد بيادق المستعمر وأبواقه, الكرونيكور “لطفي لعماري” وأحد المناشدين بالتدخل لإطلاق صراح ” نبيل القروي” لا حبا فيه كما قال وإنما لنيل مرضاة الدول المانحة, حيث قالها صراحة “يجب عدم اغضاب تلك الدول لأنها هي القائمة على إطعامنا وصرف رواتبنا..” فالمسألة إذن لا تتعلق ب “نبيل القروي” في شخصه, فالعملاء يتزاحمون بالمناكب على موائد كل مسؤول كبير ولا يضر الاستعمار في شيء إن هو خسر أحدهم أو حتى بعضهم. وسواء فاز “نبيل القروي” أو غيره لا يفسد للود قضية فمنذ سقوط دولة الخلافة وتغييب الإسلام عن الحياة وفصله عنها، وآلة المستعمر تنتج آلاف العملاء بأشكال مختلفة حكاما وأدباء ومفكرين والغالب الأعم ممن يدخل تحت ما يسمى بالنخبة المثقفة.. فجميعهم ما بين حذاءٍ ينتعله أو ينزعه الاستعمار أو بوق له يستعمله متى شاء ويدوسنا به كيف ما شاء، يحدث هذا بعد أن يتم توفير الذرائع وتذلل له المطايا ليركبها وينخرط في جلد ظهورنا بسياط أفكاره ومفاهيمه التي هي بعيدة كل البعد عن العقيدة ولم تنبثق منها البتة, ومن ثمة يتسنى له نهب خيراتنا واغتصابها منا دون حسيب أو رقيب بل بموجب قوانين تحاك فصولها في غرف يديرها هو إما مباشرة أو بتعليمات ترد تترا من وراء البحار.
والحالة تلك فالمأتم المقام على عدم تكافؤ الفرص بين المترشحين للانتخابات الرئاسية لا يخرج عن هذا سياق وهو الباطل الذي أريد به باطل وهو المطية الجديدة ليتمادى المستعمر في استباحة البلاد والامعان في استعباد أهلها.