“قائد السبسي ” يبشركم.. لا خيار للدولة سوى تجويعكم
أثناء حملته الانتخابية انهمرت دموع “الباجي قائد السبسي” مدرارا, حزنا وكمدا على تدهور القدرة الشرائية التي لخصتها شكوى رفعتها امرأة لرئيس حزب النداء آنذاك وتداعى لها ” سي الباجي ” بالنحيب والعويل. تلك المرأة لم تذق طعم اللحم لمدة قاربت المائة يوم, وهذا ما رفضه ” زعيم حزب النداء” وقد قطع على نفسه عهدا بأن تأكل تلك المرأة وكل من يعيش نفس ظروفها اللحم والسمك وكل ما حرمت منه الطبقات المسحوقة يوميا وفي أتعس الأحوال أسبوعيا بمجرد أن يستلم صاحب الهيبة “الباجي قائد السبسي” وحزبه المدجج بالخبراء والكفاءات الحكم.
وفعلا وصل من وصفوه المطبلون بمنقذ تونس إلى الحكم, وهيأت تلك المرأة المسكينة نفسها لحياة جديدة لا فقر فيها ولا جوع, وربما بدأت تخشى على نفسها وعائلتها التخمة من الإفراط في أكل اللحم بأحمره وأبيضه. وفعلا وقعت المرأة التي كانت مادة دعائية ل” السبسي” في ما كانت تخشاه, أصابتها التخمة وتعكرت صحتها بسبب إفراطها في الأحلام الناتجة عن إفراط “السبسي” وحزبه في الكذب والدجل, أحلام تحولت إلى كوابيس منذ أن ألقى الموظف بالسفارة الأمريكية السابق “يوسف الشاهد” كلمته الأولى في قصر باردو بمناسبة نيل ثقة أعضاء مجلس نواب الشعب.. لقد تحدث حينها رئيس الحكومة الجديد بلغة قالوا عنها غير معهودة وتعد علامة فارقة في تاريخ تونس. لقد تخلى الوافد الجديد على قصر القصبة عن لغة أسلافه الخشبية –هكذا زعموا- وصارح الشعب واصفا وضع البلاد بالمزري..وواعدا بغد أفضل لكنه لا يخلو من المرارة والألم..وما علينا غير الصبر وقدر عالي من التحمل. وفي الختام سنجني ثمار صبرنا ووقوفنا لتونس التي لن تطول أزماتها أكثر مع وجود “قائد السبسي” ورئيس وزرائه ” يوسف الشاهد.. وإثر انتهاء كلمته التي وصفت بالتاريخية..نال ” الشاهد” ثقة نواب مجلس الشعب..وعاد أدراجه فرحا مسرورا. وظللت المرأة التي أبكى حالها “سي الباجي” تنتظر موعدها الأول مع اللحم, فهي من البسطاء الذين لم يروا في ما قاله “الشاهد” ما من شأنه أن يبدد أحلامهم التي أقسم “السبسي” أن يحولها إلى واقع ملموس.. أو بالأحرى فهم لا يعرفون أن فقرهم وجوعهم مخطط له في غرف تقع وراء البحار في أقبية صندوق النقد الدولي وباقي المنظمات التي على شاكلته.. قلنا ظلت تلك المسكينة تنتظر وتمني النفس أن تتحول دموع رئيس “حزب النداء” إلى برامج واستراتجيات مع تحوله من رئيس حزب إلى رئيس دولة, وهنا أيضا لا تعلم كما لا يعلم عشرات الآلاف من المسحوقين والمهمشين أنه مجرد رئيس بالوكالة ولا حول له ولا قوة أمام ما يقرره المسؤول الكبير. لقد مرت سنوات على وصول “السبسي” وحزبه إلى الحكم والكل ينتظر النعيم الموعود في الحملات الانتخابية ومع طول الانتظار يكبر أمل أولائك البسطاء في انفراج الأوضاع وتحويلها نحو الأفضل. إلى أن جاء مشروع قانون مالية سنة 2018 لينسف كل الآمال والأحلام. وقبله أجبروا الأسعار على ممارسة جميع أنواع القفز, والسير بسرعة جنونية. وفي الأثناء أقنعوا تلك المرأة وأمثالها أن الأسعار الملتهبة سببها حفنة من الضاربين وقلة من المارقين على القوانين لا يحترمون مسالك التوزيع الرسمية. والمطمئن في المسألة أن الحكومة بصدد القضاء عليهم وأن اللحم قد حان موعد تناوله بكل يسر وبأقل التكاليف. وبما أن دور لأعضاء مجلس نواب الشعب لا يتعدى الصراخ والمزايدات لأغراض لا يسع المجال لذكرها, مرّ مشروع قانون المالية وصادق عليه نواب الشعب وكأن شيء لم يكن. ومع مطلع أول أيام عام 2018بدأت الزيادات التي لا دخل للمحتكرين والمضاربين و.. فيها تتهاطل على رؤوس الناس كالصواعق, وبدأت تلك الموعودة بتناول اللحم بشكل مطرد تدرك حقيقة الأمر وبدأت تقنع بأن ذلك الكم من الدموع التي سكبها من أجلها ” سي الباجي” ما هي إلا دموع تماسيح لن تزيل فقرها ولا تسكن جوعها. وأن من تباكى على عدم تناولها اللحم.. على أتم الاستعداد لحرمانها من تناول الخبز وحتى الماء إن لزم الأمر من أجل عيون “كرستين لاغارد” وصندوقها..
“السبسي”: نعم الزيادة في الأسعار موجعة ولا خيار عندنا ولا بديل
في اجتماعه بالموقعين على وثيقة قرطاج قال “الباجي قائد السبسي” “أن ميزانية 2018تضمنت إجراءات موجعة لكن ليس هناك خيارات أخرى أمام الحكومة…” وقال أيضا “..إن الزيادات في الأسعار بدت مشطة للجميع لكن لا يوجد أي بديل أخر لكن ستكون لها فائدة في ما بعد…” لا خيارات ولا بديل.. ومنذ متى كانت لهم خيارات و بدائل فطيلة ست عقود لا يملكون إلا خيار واحد يصلون ليلهم بنهارهم لترسيخه و تكريسه و هو خدمة من أجلسوهم على الكراسي لينفذوا أجنداتهم ويمكنوهم من بسط نفوذهم وإن حصل وتمنعوا عن تنفيذ أمرا ما فذلك من قبيل خدمة جهة على حساب جهة أخرى ..لقد أقرّ ” السبسي” بالعجز و عدم القدرة على رعاية شؤون الناس و هذا واضح و جلي و لا يحتاج لإقراره ..لكنه أراد بقوله ذلك الظهور في صورة رجل الدولة الذي يتحمل المسؤولية ..أظهر شجاعة بالغة في مصارحتنا و لم يدس رأسه في الرمال ..وهذا دأب جديد لحكام تونس بعد الثورة..ففي عهد المخلوع ” بن علي” و من قبله “بورقيبة” كان السائد جعل العصافير تزقق ليلا نهارا و السماء دائمة الزرقة حتى في غز فصل الغيوم و الأنواء..وبما هذا التمشي لم يعد ممكننا بعد الثورة..جنح حكام البلاد الجدد إلى نوع أخر من الدجل و هو وصف الواقع كم هو عليه ..وفي ذلك إيهام الناس بكون الماسكين بالسلطة على قدر عال من المسؤولية وأنهم يبذلون كل جهدهم ووسعهم لنقل البلاد و العباد إلى أرقى المراتب..ولكن ذارف الدموع لم يتخل على أسلوب “بورقيبة” وبن ” علي” وأنّ له أن يتخل على بيع الأوهام و نثر الوعود الزائفة يمنة ويسرة وهو من ترب في غياهب الفكر البورقيبي وشرب من مستنقعه حتى الثمالة ؟ كما انه الوريث الشرعي ل “بورقيبة” في النباهة و العبقرية الفريدة و النادرة فما يراه غيره خطأ هو في الحقيقة عين الصواب و من يعتبره سواه ضارا يراه هو بفضل حكمته و تبصره نافع ..وهذا ما أراد إقناعنا به في معرض حديثه عن الزيادات الأخيرة “..إن الزيادات في الأسعار بدت مشطة للجميع.. لكن ستكون مفيدة في ما بعد..” إن ما يراه ” قائد السبسي ” لا يراه أحد..نعم فالزيادة في الأسعار و إن قسمت ظهورنا و سحلتنا على جمر الفاقة فهي مفيدة.. إن بلغ بنا الحال ولم نجد ما نسد به الرمق فذلك هو منتهى الفائدة..نعم سنستفيد حتما من انعدام المقدرة الشرائية..ومن عدم القدرة على العلاج..ومن تنامي الجهل والأمية بما أن شريحة واسعة من الناس غير قادرة على مجابهة الكلفة الباهظة لتداوي ولتعليم..فكلما زادت الأسعار ارتفاعا, وكلما عجز الناس على مجارات نسقها التصاعدي عمت الفائدة أكثر..والفضل كله في ذلك يعود إلى السياسة الرشيدة لصاحب الهيبة وجوقته بقيادة الموظف السابق بالسفارة الأمريكية ..ولكن حتما بعد فظل صندوق النقد الدولي الذي لولاه لما بشرنا “سي الباجي” بالموت جوعا وهنا تكمن الفائدة العظمى.