اجتمع قادة دول قوة الساحل الإفريقية التي أسستها فرنسا وهي مالي وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد يوم 1\7\2018 على هامش قمة الاتحاد الإفريقي للإعداد لاجتماع مع سيدهم الرئيس الفرنسي ماكرون. فتم هذا الاجتماع في مساء اليوم التالي مع سيدهم هذا في نواكشوط عاصمة موريتانيا تمحورت حول سبل التصدي لجماعات إسلامية مسلحة تقاوم النفوذ الفرنسي والغربي. إذ كان الحافز على هذه الاجتماعات هو حصول هجوم من قبل هذه الجماعات استهدف مقر قيادة هذه القوة الإفريقية يوم 28\6\2018 فقتل 4 أشخاص وجرح 20 شخصا من بينهم 4 فرنسيين. فأصاب فرنسا وأتباعها الذعر والرعب. فاعتبر ذلك كما عبر عنه عميل فرنسا رئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز بأن التفجير “ضرب في القلب”، لأنه استهدف مقر القيادة لأول مرة، علما أن الهجمات السابقة لم تصل هذا المقر، فحدثت قبلها أربعة هجمات أدت إلى مقتل 15 شخصا خلال ثلاثة أيام في مالي، ولكنها لم تصل إلى درجة هذا الهجوم الخامس الذي استهدف مقر القيادة، فاعتبر ذلك علامة فشل كبيرة تدمغ على جبين فرنسا ولطمة على وجوه عملائها. خاصة أن فرنسا التي احتلت شمال مالي عام 2013 بقرار من هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها عندما قامت جماعات إسلامية وسيطرت على المنطقة وأعلنت حكما إسلاميا وبدأت تتقدم نحو عاصمة مالي باماكو. فبهذا التدخل ظنت فرنسا أنها قد أخضعت أهل البلد المسلمين لاستعمارها من جديد، وقضت على الجماعات المقاومة وركزت نفوذها وجعلت شركاتها تنهب ثروات البلاد في أمان كما كانت من قبل تفعل منذ أكثر من قرن من الاستعمار.
والجدير بالذكر أنه عندما قتل عدد من الجنود الفرنسيين العام الماضي في هجمات على قوتهم المترابطة في مالي قررت فرنسا إنشاء قوة مشتركة من هذه الدول يوم 7\2\2017 وجاء ماكرون إلى مالي يوم 2\7\2017 ليجتمع مع قادتها ويعلن عن تشكيلها رسميا وتقرير دعمها، وقد بلغ تعدادها حتى الآن 5 آلاف جندي بجانب 4 آلاف جندي فرنسي من الغزاة المحتلين، وبجانب قوة دولية 12 ألف جندي من دول مختلفة ممولة من ميزانية الأمم المتحدة تحت مسمى بعثة الأمم المتحدة للسلام، وذلك لمنع تحرر المنطقة من الاستعمار الغربي البغيض، ومن المفترض أن يصل عدد قوة دول الساحل إلى 10 آلاف جندي أفريقي، ولكن هناك مشكلة التمويل لهذه القوة والتي تخصص لحماية النفوذ الاستعماري لفرنسا خاصة ولأوروبا والغرب عامة وتأمين نهب الثروات الإفريقية من قبل الشركات الفرنسية خاصة والغربية عامة. إذ تحتاج لأكثر من 400 مليون يورو ولا تستطيع فرنسا المنهكة وحدها تمويل هذه القوة، ويومها أعلن الاتحاد الأوروبي على لسان فيديريكا موغريني مسؤولة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد بأنها تعبر عن ” سعادة الاتحاد الأوروبي بأنه كان المساهم الأول في دعم إنشاء هذه القوة، بتقديم 50 مليون يورو”. وأعلنت فرنسا المساهمة بمبلغ 42 مليون يورو، وطلبت من ألمانيا التمويل والإمداد العسكري حيث تتواجد قوة عسكرية ألمانية هناك، وكذلك طلبت من الإمارات التمويل، حيث عقدت الإمارات اتفاقيات عسكرية مع فرنسا وسمحت لها بإقامة قاعدة عسكرية لها على أراضيها وهي تمول الاقتصاد الأوروبي عامة والبريطاني خاصة بجانب مساعدتها لفرنسا الأوروبية.
وكذلك طلبت فرنسا من أمريكا المساعدة في حربها على المقاومين من أهل البلد، ولكن أمريكا لم تستجب كما تريد فرنسا، فلديها قوة استعمارية منفصلة هناك ضمن قيادة أفريكوم وهي قوة التدخل الأمريكية في أفريقيا، وقد أقامت لها قاعدة عسكرية في النيجر تنطلق منها طائرات بدون طيار تشن عدوانها على المسلمين في سياسة استعمارية منفصلة عن فرنسا وأوروبا. إذ أن أمريكا تتشفى بفرنسا وبأوروبا وتتمنى هزيمتها حتى تحل محلها بالكامل في النفوذ والاستعمار في المنطقة، فهي لا تنسق بكثير مع فرنسا وأتباعها، وتستغل وجود المقاومة ضد الفرنسيين والأوروبيين وأتباعهم، وتشن الغارات بين الحين والآخر على المقاومين للنفوذ الغربي الاستعماري، فلا تريد للحركات الإسلامية المسلحة الانتصار والوصول إلى الحكم، وقد أيدت التدخل الفرنسي لضرب هذه المقاومة بجانب رغبتها في تورط فرنسا في حرب استنزاف لا تخرج منها منتصرة وتضطر إلى طلب المساعدة من أمريكا، وهكذا أصبحت فرنسا في وضع منهك لا تستطيع التخلص منه فلجأت إلى إنشاء هذه القوة. وقد كتب مسؤول القسم الدولي في صحيفة لوموند يوم 17\2\2017 أن ” مالي هي أفغانستاننا.. فكلما انخرطت فرنسا أكثر في هذا البلد كلما تعززت الجهادية التي جاءت فرنسا لمحاربتها.. فالجيش الأمريكي في أفغانستان يدخل سنته السادسة عشر، ويبدو خروجه أصبح أكثر بعدا من أي وقت مضى”. وتحدث الكاتب عن ورطة فرنسا وعدم قدرتها على الخروج من هذا المأزق.
فتقوم أمريكا وتستغل وضع فرنسا وورطتها ومأزقها لتعزز وجودها هناك لتحل محلها، فلم تتعاون مع فرنسا للقضاء على المقاومة، وذلك في انتظار استيئاس فرنسا عن الانتصار ومن ثم تقرر سحب قوتها التي كلف ميزانيتها كثيرا إذ استقال العام الماضي رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال دي فيلي بسبب اقتطاع في ميزانيته والذي يبشر الفرنسيين في كتاب له بعنوان ” الخدمة” ببقاء القوات الفرنسية في مالي خلال الخمس عشرة سنة المقبلة، وكل ذلك يشير إلى عجز فرنسا عن الانتصار كما هو الواقع بالنسبة لأمريكا في افغانستان حيث أعلن أوباما قبل رحيله أن أمريكا لم تتمكن من الانتصار في أفغانستان.
في الوقت الذي تحارب به أمريكا هذه الحركات وتضربها حتى لا يكبر شأنها ويستفحل أمرها، ولكنها تريد أن تنهك قوى الأوروبيين حتى تتولى هي زمام الأمور كلها والحرب، ولينضوي الأوروبيون تحت إمرتها وليسيروا خلفها، فلا تكون لهم حصة الأسد كما هو الحال الآن، بل تريد أن تستحوذ على كافة الثروات وتنهبها ولا تترك للأوروبيين إلا الفتات. فهناك صراع بين الإخوة الغربيين الديمقراطيين الأعداء، بين أمريكا وبين أوروبا، فهو صراع بين المستعمرين المتوحشين الذين لا يعرفون أية قيمة إنسانية أو أخلاقية، فجل همهم نهب الثروات، وليمت بعدها الإنسان الإفريقي، فهو في نظرهم محتقر لا يستأهل الحياة، وهو وسيلة تسخير لمصالحهم.
وقد شارك ماكرون في القمة الإفريقية الأخيرة التي عقدت في نواكشوط يومي 1و2\7\2018 فخاطب عملاء الغرب في القمة قائلا:” سنخوض هذه المعركة سويا” مظهرا عجز “فرنسا العظيمة”! عن تحقيق الانتصار، فتمرمغت أنوف الفرنسيين تحت أقدام المجاهدين في رمال مالي. وقال ماكرون ” أملنا هو أن نستأصل الإرهاب من المنطقة بأسرها بواسطة التنسيق الأمني بين القوة المشتركة مجموعة دول الساحل الخمس والعملية العسكرية الفرنسية ” برخان” وبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي ” مينوسما”. فالسيد الفرنسي عاجز أصابته ذلة، ولهذا يريد أن يقاتل أهل البلد بأهل البلد للحفاظ على الاستعمار الفرنسي والغربي ويعتبر أهل البلد المقاومين لهذا الاستعمار إرهابيين ووحوش وقتلة! أما هو وجنوده المجرمون اللصوص القادمون من وراء البحار إلى الصحراء هم أناس وادعون بريئون محبون للسلام وللإنسان!! هكذا الصورة معكوسة تظهر معكوسة. فصورة هذا الفرنسي والغربي القبيحة أصبحت جميلة وهو لص بلباس مزيف بتزيفات الديمقراطية والعلمانية والسلام وحقوق الإنسان ينهب ثروات البلاد ويترك أهلها يعانون الفقر والحرمان والأمراض الفتاكة، فيضطر أبناؤهم لخوض عباب البحار للنفاذ إلى بلاد الغرب للبحث عن فرص لكسب الرزق وهم لا يدرون أن الثروات تموج تحت أقدامهم، ولكن لا يقدرون على تحصيلها واستردادها من الناهبين، فيذهبون إلى أوروبا ظانين أنهم سيتخلصون من هذا العناء فيعيشون في الفردوس، ولكنهم يجدون أنفسهم قد وقعوا في جحيم الغرب. وقد جعلت صورة ابن البلد صاحب الحق قبيحة، فاعتبر لصا ومجرما وهاربا إلى بلاد الغرب ليسرقها أو ليكون عالة عليها، ومتخلفا لا يتقن عمل شيء إلا القيام بأعمال إجرامية وتهريب مخدرات وغير ذلك!
بينما أن هناك من خرج من بين أبناء أفريقيا المسلمين من يبحث عن تحرير بلاده من سطوة الأجنبي اللص وسماسرته العملاء المتربعين على كراسي الحكم، ويبحث عن تحسين أوضاعه المعيشية بالاستفادة من ثروات بلاده، ويبحث عن تحكيم دينه الإسلامي وشرع ربه العزيز ويتخلص من الديمقراطية والعلمانية التي تعني فرض السيطرة الغربية والاستعمارية، فتفرض دساتير وقوانين الغرب على أهل البلاد المسلمين بالقوة ليبقى الغرب متحكما في البلد وجاعلا نفسه مصدرا للإلهام والفكر! في الوقت الذي يقوم الغرب ويحتقر هذه الشعوب التي ينهب ثرواتها ويمنعها من الاستفادة منها بالتعاون مع حكام رويبضات خانوا الله ورسوله وخانوا شعوبهم وبلادهم مقابل أن يتربعوا على كرسي الحكم بدعم فرنسي وغربي ولا يهمهم نهضة بلادهم ولا إطعام فقرائهم ورعاية شعوبهم رعاية صادقة، فيستخدمون هذه الثروات من أجل شعوبهم لا أن يتركوها لتنهبها الشركات الفرنسية والغربية. إلى أن يصل الحال ببعضهم أن يصرح علنا ويعبر عن نظرة الغرب لهذه الشعوب، فتقول قائدة الغرب أمريكا على لسان رئيسها ترامب الذي يتبع سياسة متهورة ويكشف عن أهدافه وأرائه وهي أهداف وأراء الغرب الحقيقية؛ فقد نقلت وكالة رويترز يوم 13\1\2018 عن مصدرين أن ترامب ذكر أمام بعض أعضاء مجلس الشيوخ أثناء لقائه إياهم في مكتبه فقال:” لماذا نريد كل هؤلاء الناس من أفريقيا هنا؟ هذه حثالة الدول”. هذه هي نظرة الغرب الاستعلائية المتغطرسة.
فالقمة الإفريقية الأخيرة عقدت في نواكشوط وعلى رأس أولوياتها مسألة الأمن للأنظمة العميلة وللدول المستعمرة في منطقة دول الساحل. فلم تعقد لخير شعوب أفريقيا وإنما تعقد لحساب الغرب المستعمر وبأوامره ا لتنفيذ سياساته ولتركيز نفوذه واستعماره في البلاد وتمكينه من نهب ثرواتها والقضاء على مقاومة أهلها وسعيهم للتحرير والتخلص من ربقة الاستعمار وعودتهم إلى تطبيق شرع ربهم، إذ يدركون أن العدل كل العدل في هذا الشرع الإسلامي الحنيف الذي لا يميز بين أبيض وأسود، ويمكّن الناس من الاستفادة من ثروات بلادهم، فيضمن تحقيق سياسة توزيع عادلة لثروات البلاد على كل فرد بأحكام شرعية دقيقة توضح ما يمكن أن يملكه الفرد وكيف، محددة بإذن الشارع، وهو ما نطلق عليه الملكية الفردية، فيؤمن لكل فرد حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، ويعبد له الطريق للحصول على الحاجيات الكمالية. فالدولة تمنح فرص العمل وإقامة المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية وغيرها لكل فرد قادر على ذلك، حيث أنها سوف تحدث ثورة صناعية في البلد وتحفز كل فرد على العمل والابتكار، وتسخر كل الإمكانيات سواء الداخلة في ملكية الدولة أو الداخلة في الملكية العامة من أجل إحداث الثورة الصناعية. لأنها هي التي تحقق تقدم البلد ماديا في كل مجال وتؤمن مصادر الرزق لكل فرد. بجانب ذلك تقوم الدولة بتأمين التطبيب المجاني وكذلك التعليم المجاني للجميع فردا فردا، وتقوم بحماية أرواحهم وأعراضهم وأملاكهم بواسطة تجنيدها لقوى أمنية على حساب الدولة.
فعندئذ لن يذهب شخص واحد من أفريقيا إلى أوروبا أو إلى بلاد الغرب إلا حامل دعوة ليهدي شعوبها الضالة إلى دين الحق الإسلام. لأن كل مسلم يؤمن بقوله تعالى ” هُوَ الَّذِىۡۤ اَرۡسَلَ رَسُوۡلَهٗ بِالۡهُدٰى وَدِيۡنِ الۡحَـقِّ لِيُظۡهِرَهٗ عَلَى الدِّيۡنِ كُلِّهٖ وَلَوۡ كَرِهَ الۡمُشۡرِكُوۡنَ”. وذلك كائن بإذن الله حيث إن هناك السعي الحثيث والجاد لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستقوم بتطبيق هذه الآية الكريمة لتنشر الهدى بين الناس ولتظهر دين الله الحق على كافة الأديان والمبادئ والأفكار، ديمقراطية وعلمانية اشتراكية وليبرالية ونصرانية ويهودية وبوذية وهندوسية وغيرها. وهو أصدق القائلين :”وَاللّٰهُ غَالِبٌ عَلٰٓى اَمۡرِهٖ وَلٰـكِنَّ اَكۡثَرَ النَّاسِ لَا يَعۡلَمُوۡنَ”.