أعلن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي أنّ الحكومة تقدّمت بقانون جديد يسمّى قانون «الأمان الاجتماعي» يعطي للفقراء مرجعية قانونية للمطالبة بحقهم في العيش الكريم مشيرا إلى أن القانون يعطي الفقراء الحق في مقاضاة الدولة إن لزم الأمر لنيل تلك الحقوق.
وأضاف : بمقتضى القانون سيتم تحديد خط الفقر حسب العديد من المؤشرات واعتماد نظام تنقيط لكل أسرة مهما كان عدد أفرادها بما يساعد على معرفة موقعها من خط الفقر.
وحسب ما جاء في بلاغ الوزارة, يهدف هذا القانون إلى تعريف الفقر ليحرره من المقاربة “النقدية ” الضيقة التي تقتصر على الفقر المالي فقط، ليرتقي إلى الفقر متعدد الأبعاد باعتماد مؤشرات متعددة تتعلق بالعمل والسكن والمرافق العامة والصحة والتعليم والعزلة الجغرافية والإعاقة والأمية.
إذن, فالإطار العام الذي يندرج فیه القانون الجديد “الأمان الاجتماعي” وھو تصور لمقاربة جديدة للمنوال الاجتماعي، والذي يقتضي إدخال جملة من الإصلاحات الھیكلیة على الخطط والمشاريع والبرامج الاجتماعیة الجاري بھا العمل حالیا وذلك بتعديلھا وتطويرھا وحوكمة آلیات التصرف فیھا وتحسین آدائھا على أساس احترام مبادئ العدالة الاجتماعیة والإنصاف وتكافئ الفرص.
ومن اجل الحدّ من الفقر والوقاية منه تقرر- حسب وزارة الشؤون الاجتماعية مؤخرا – تحيين سجل الفقر من خلال برنامج «الامان الاجتماعي» الذي يهدف إلى توفير ظروف العيش الكريم للفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل التي قدر عددها سابقا بقرابة 900 ألف أسرة فقيرة.
مقاييس تحيين سجل الفقر
والسؤال الذي يطرح حول هذا الملف يتعلق بالمقاييس التي سيتم اعتمادها لتعريف الفقر والعائلات المعوزة وتصنيفها ومدى دقة وشفافية المسألة خاصة وأن المعنيين ببرنامج الأمان الاجتماعي مطالبين بالإسراع بتحيين بياناتهم ومعطياتهم الشخصية للاستفادة من خدمات هذا البرنامج الجديد في انتظار زيارة الأخصائي الاجتماعي لمقر سكناه لمعاينة ظروف عيشه واستكمال البحث الميداني ، فوثائق تحيين بيانات ومعطيات الشخصية وكذلك تقييم مقرّ السكنى، ومن ثمة يتم تصنيف درجات الفقر، تكون ضرورة من وزارة الإشراف التي تحكمها موارد مالية محدودة فقد خصصت ميزانية 2019 ما قيمته 687،9 مليون دينار لفائدة برنامج الأمان الإجتماعي كما رصد البرنامج 14 مليون دينار للسنة الدراسية 2019 – 2020 ، فهذه المبالغ فعلا محدودة بالمقارنة مع تفشي مظاهر الفقر والعوز المنتشرة في جميع الجهات بشكل لا يخفى عن العين المجردة.
أزمة المنوال الاجتماعي من أزمة المنوال التنموي
تتراوح المنحة للعائلات الفقيرة والمعوزة ما بين 180 و240 دينار حيث تضاف 10 دنانير على كل طفل و20 دينار على كل طفل معاق بالإضافة إلى مساعدات موسمية تخص شهر رمضان والأعياد والعودة المدرسية. وهي بالتأكيد لن تغطي حاجياتها من المواد الأساسية والاستهلاكية وبالتالي في المحصّلة النهائية لا توجد استفادة كبرى من هذا البرنامج.
إن مقاومة الفقر والتهميش لا يمكن عزلها عن أزمة المنوال التنموي الحالي والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتي أفرزت قاعدة اجتماعية ما فتئت تتوسع من الفقراء والمهمشين.
فعوض أن نعالج الأسباب فان هذا القانون يتجه إلى معالجة النتائج ويلقي بأزمة الفقر على الفقراء ويضع مسألة خروجهم من دائرة التهميش على عاتقهم، فالفقراء والمهمشون في حاجة إلى سياسات عادلة تكرّس حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وتدمجهم وتجعل منهم قوة ازدهار وتطور، وهذا لم يكن ولن يكون بنظام علماني يفصل الإسلام ومعالجاته عن الحياة ويؤسس للحريّات العامة ومنها الحرّة الإقتصادية التي تجعل فئة قليلة من النّاس تتحكم في ثروات الشعوب.
فعن أي قانون «الأمان الاجتماعي» وأي بطيخ يتحدثون؟ فأين هي حقوق هذا الشعب التي ينكّل به ويشرّد ويجوّع ويتم إفقاره؟ وأي أمان إجتماعي لشعب يدمّر، وتنهب ثرواته لحساب المسؤول الكبير ووكلاؤه عديمي الضمير، الذين أُتخموا بالمليارات المودعة في شتى بنوك العالم، والشعب غير قادر على سدّ رمق عيشه، وبسسب تواطئهم لا يملك إمكانية استرجاع بعض ثرواته، وحكومته تفتعل الأكاذيب والأباطيل لتوهمه بالأمل الكذّاب لعلّها تستغفله ويستجيب لندائها ويدخل حضيرة الطاعة والمسكنة بإعطائه فتات الطاولة ظناّ منه أنّها تفكّر فيه وفي أسرته.
تحيين لسجلّ الفقر أم سياسة مخادعة لرفع الدّعم؟
انه قانون يمهد لقطع الدعم عن الأسر الفقيرة كما يفتح الباب أمام الفساد تحت عنوان تحيين البيانات والمعطيات الشخصية، إذ لا توجد قاعدة بيانات واضحة، ما يجعل إدراج المشمولين بالقانون مسألة تعود إلى المزاج السياسي والمحاصصات الحزبية والفئوية، إضافة إلى أنّ هناك من اعتبر هذا القانون خطوة أخرى في اتجاه سياسة رفع الدعم وتأبيد الفقر لدى عديد الفئات, استجابة لسياسات المانحين الدوليين وأنّ برنامج الأمان الاجتماعي يأتي في إطار إملاءات صندوق النقد الدولي من أجل إصلاح وضعية المالية العمومية في تونس وكيفية تدخل الدولة بصفة عامة، فرغم جاذبية عنوان هذا القانون فإنّ الحكومة سوف ترفع الدعم عن عديد المواد التي سترتفع أسعارها بالضرورة ، وفي الأخير ستكون الدولة هي المستفيدة من خلال التقليص في ميزانية الدعم لأنها عندما ستبيع المواد بأسعارها الحقيقة ستحقق أرباحا، فهي ترفع باليسرى ما تدعمه باليمنى.
أزمة المنوال الإجتماعي أزمة نظام
إن سياسة الاقتصاد في الإسلام هي التي تعالج أزمة المنوال الاجتماعي في تونس بضمان تحقيق الإشباع لجميع الحاجات الأساسية لكل فرد، إشباعاً كلياً، وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر المستطاع، حيث حدد الإسلام بدقّة متناهية فقر الأفراد بالحاجات الأساسية وهي : المأكل، والملبس، والمسكن، فهي حقّ لكل فرد من أفراد الرعية، والتطبيب، والتعليم، والأمن فهي حقوق لمجموع الناس، وهذا ما لا يهتم به النظام الرأسمالي الذي تطبقه السلطة في تونس ويرفعه كعناوين ووعود انتخابية لا غير، إذ ان النظام الحالي بقوانينه لا يهتم برعاية شؤون الناس، وإنّما مهمّة الدولة توفير السلع والخدمات فقط ، حيث فشلت حتى في توفيرها. فالدولة الرأسمالية القطرية هذه مهمتها حصرا أخذ الضرائب والمكوس والجبايات، وليس رعاية مصالح الناس، بل كل ما تقدّمه هاته القوانين ومنها قانون «الأمان الاجتماعي» لا يعدو أن تكون ترقيعات لا تسمن ولا تغني من جوع, يعطيها الإعلام المرئي صدى لعلّه يجد من يصدّقه, وهذا رجاء بعيد المنال بوجود من تعاهد مع الله بأن يكشف الخطط وأساليب المكر والمخادعة من وكلاء الإستعمار وأذناب المسؤول الكبير، أمّا عن حديث «الأمان الاجتماعي» المزعوم فلا يكون إلاّ بالالتزام بأحكام الإسلام وشرع ربّ العالمين ، ودون ذلك فلا أمن ولا أمان ولا استقرار. وحال الخضراء في هذا الأمر يغني عن المقال.