تأزمت الأوضاع في الحوض المنجمي من جديد, بعد أن توقف إنتاج الفسفاط بصفة شبه كلية, وذلك اثر دخول بعض الشباب المعطلين عن العمل الذين طالت بطالتهم في سلسلة من الاعتصامات والحركات الاحتجاجية مطالبين بالتشغيل.
وقد أكد المعتصمون في مختلف مناطق الحوض المنجمي أن الاعتصامات ليس غايتها شل الاقتصاد في حد ذاته بقدر ما تمثل بالنسبة لهم الوسيلة الوحيدة للفت نظر الحكومة وتحسيسها بالتهميش الذي تعيشه الجهة وسبيلا لدعوتها إلى ضرورة الاستجابة لجملة الطلبات الأساسية التي لم تعد تحتمل مزيد التأجيل.
وبينما يواصل المئات من حملة الشهائد العلمية في المنطقة اعتصاماتهم في أماكن مختلفة حاملين معها الكثير من الأحلام والتصورات للتطوير الإيجابي للحوض المنجمي, والتي تلاشت بفعل تراكم سنين الفقر والفاقة والتهميش, تأتي سرعة التعامل الأمني كالمعتاد باستدعاء عشرة منهم للمثول لدى باحث البداية بفرقة الأبحاث والتفتيش بمدينة “القصر”.
استدعاء للحضور لدى فرقة الأبحاث والتفتيش ل10 من الشباب المعتصمين بالقرب من محطة الأرتال / سكة الحديد الرابطة بين قفصة وقابس
وأكّد المعتصمون أن ما يحدث في الجهة من احتقان وغليان تزداد حدّته يوما بعد آخر أمر طبيعي وناتج بالأساس عن تملص الدولة من التزاماتها السابقة واتفاقياتها ومن محاضر الجلسات التي وقعت عليها منذ 2012 قصد إيجاد حلول لملف الحظائر ولأصحاب الشهائد العليا وتحقيق التنمية بالجهة عموما.
ففي سياق الحديث مع المعتصمين يحدثك بعضهم عن إنطلاق المملكة المغربية الأسبوع الماضي في إنشاء أطول خط أنابيب في العالم لنقل الفسفاط بطول 190 كم، بكلفة 681.25 مليون دولار الذي سيتم من خلاله نقل 38 مليون طن سنويا وسيمكن المغرب من تخفيض كلفة نقل الفسفاط بنسبة 45%، فيما فيما يتأسّف عن حالة انحدار إنتاجنا نحن إلى ما أقل من 4 ملايين طن، وهو الآن شبه معطل.
كما سيحدثك أحد الشباب المعتصم هناك عن مشروع عرضه على الشركة يخصّ مغسلة “آم العرائس” وتكلفته لا تفوق خمسين ألف دينار من شأنه أن يمكن الشركة من الإقتصاد في 25 % من الماء, وكيف تم رفضه بتعلة عدم وجود التمويل اللازم, بينما الحقيقة كانت في إطار الحفاظ على نصيب مزود متنفذ من كعكة الفساد….
وعَودا على أنبوب المغرب لا بد أن نذكر بعضا من أحلام مهندسي شركة فسفاط قفصة التي يتمنون تنفيذها, وهي كثيرة وكبيرة بقدر ما عندهم من طموحات تقمعها الحكومات بشكل متواصل:
– ربط المغسلة عدد 3 بالمظيلة بمعامل المجمع الكيميائي التونسي بالمظيلة على طول 18.5 كلم بقنوات مطمورة ومجهزة بكل ما هو ضروري لتأمين تزويد معامل المجمع الكيميائي بالفسفاط التجاري، الكلفة: 125 مليون دينار.
– المشروع المندمج للنقل الهيدروليكي للفسفاط نحو معامل الصخيرة (المجمع الكيميائي والتيفارت): تحلية 160 ألف م3 يوميا من مياه البحر وجلبها إلى المغاسل المنتجة حاليا وأيضا المغاسل المبرمج انجازها, واعتماد الطاقة الشمسية لتوليد طاقة كهربائية الضرورية ثم نقل الفسفاط في قنوات حديدية مغلفة من الداخل بمادة البوليتيلان ومطمورة بطول 180 كلم، الكلفة: 1350 مليون دينار.
بينما يؤكد أغلب العاملين بالمغازات التابعة للشركة أن العجز قد وصل إلى عدم القدرة على توفير قطع غيار جديدة للآلات المستعملة في استخراج الفسفاط.
ملف يعكس العجز الذريع للحكومات عن الفعل والتصرف, هذا باعتبار حسن النية.. لكن جميع المؤشرات البارزة من الإجراءات التي تتخذها الحكومة إزاء المؤسسات العمومية وخاصة إزاء الثروات الباطنية, تدل على توجّه كامل نحو التفويت فيها للمستثمرين الخواص وإنهاء دور الدولة في الإشراف بصفة كليّة.
فبين شباب وطاقات علمية وبشرية طامحة ومطالبة بحقها في أرضها وثروتها وبين حكومة أضعف من أن تواجههم بحقيقة تسليم أمرهم لمستعمر عاث في مقدرات البلاد نهبا وفسادا, يبقى الحل معقودا على استبدال النظام الحاكم بأكمله, إبتداء بالقوانين والتشريعات التي خوّلت للحاكم الاستهانة بمطالب الناس وحقوقهم في الحياة الكريمة وجعلته يعبّر عنها بعبارات تهط من أهميتها ووقعها على مسؤولياته من قبيل “الضغط الإجتماعي” و”الحراك الاجتماعي” عوضا عن “الاحتجاجات والانتفاضات المطالبة بالتغيير والمطالبة بالحقوق”
هذا بالنسبة للشغل وموارد الرزق, أما من ناحية الإمكانات والثروات والموارد المتاحة فإن الأمر جلل والوقع صاخب ومخزِ لكل ذي مسؤولية, حيث أن مسالة الفساد والنهب والتلاعب بمقدرات البلاد في جميع ارجائها صار من أبين بائنات الخيانة في ملفات الحكومات والمسؤولين المتعاقبين, وإلى اليوم لم ترتدع أي منهم وتخضع إلى أمر الله وشرعه بإرجاع حق أهل البلاد كاملا وفق ما أمر به الله الذي وهب تلك الموارد وجعل لاستغلالها أطرا وقوانين ومجالات واضحة يحرم الخروج عنها, أوّلها أن الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار: ملكية عامة للجميع ولا يحق امتلاكها لأحد, وللدولة مهمة التصرف فيها وإدارتها وتمكين الناس جميعا من الانتفاع بها ومنع الأفراد من السيطرة عليها أو التحكم بها حفظا لحقوق الناس وحفاظا على استقرار المجتمع وطمأنينة أفراده.