كارثة بيئية وصحية تهدد حي “حفر الطين” بتوزر “فهل يستقيم الظل والعود أعوج!”

كارثة بيئية وصحية تهدد حي “حفر الطين” بتوزر “فهل يستقيم الظل والعود أعوج!”

يشهد حي ” حفر الطين ” بمدينة توزر معضلة بيئية مزمنة استعصى حلها على مدى اكثر من ثلاثين سنة, وقد تفاقمت هذه الأيام بعد تسرب لمياه الصرف الصحي بالحي مما أصبح يهدد الأمن الصحي والبيئي لمتساكني هذه المنطقة.

بل إن مجرد الإقتراب من المنطقة يجعل صدرك يضيق من الروائح الكريهة المنبعثة من الصرف الصحي, إذ أصبحت كل بالوعة بمثابة نافورة تتدفق منها مياه مصفرة اللون كريهة الرائحة, وأصبحت بذلك ” حفر الطين ” بيئة مثالية لانتشار الأمراض المنقولة عبر المياه, فالحدود الجزائرية التي بدأت تعاني من تفشي وباء الكوليرا لا تبعد على المدينة أكثر من سبعة وخمسين كيلومترا, والناس يتساءلون إلى متى الاستهتار بصحة وحياة البشر في هذه الربوع.

وأمام هذه الأوضاع السيئة والبيئية المتردية نفذ متساكنوا منطقة ” حفر الطين ” بتوزر يوم 10 سبتمبر 2018 وقفة احتجاجية طالبوا من خلالها الجهات الرسمية بالتحرك العاجل لإيجاد حل ينقذهم مما يعانونه من تلوث أفقدهم الطمأنينة والحياة الكريمة.

توجهنا الى المنطقة وأخذنا آراء الناس ومتساكني المنطقة واتصلنا بمسؤولي ديوان التطهير لمعرفة الأسباب والحلول الممكنة لهته الكارثة الصحية والبيئية.

السيد عبد الحميد حدان متساكن من مدينة توزر

عبد الحميد حدان

إنكم تلاحظون بأنفسكم المشاكل البيئية في الظرف الذي عيش فيه المتساكنون في هذا الحي بين الأوبئة القاتلة, فديوان التطهير يقتطع في كل فاتورة ماء معاليم الصيانة دون أن نلمسها في واقع حياتنا, فأين تذهب؟ هل يقتطعونها من أهالي توزر لتصرف في أماكن أخرى ؟ كما تساءل أين الدولة أمام هذه الكوارث الصحية والبيئية التي تعيشها المدينة؟ وشدد على ضرورة التحرك السريع من طرف الدولة لإيجاد الحلول حفاظا على صحة الناس. وأضاف معلقا إذا عجز هؤلاء المسؤولون عن أداء المهمة المناطة بعهدتهم فليتنحوا ليحل مكانهم من هو جدير بإدارة البلاد بشكل سليم فما يهمنا كمتساكنين هو النتائج. فبالوعة تسرب المياه الملوثة على إمتداد خمسة عشر يوما أمر غير مقبول, ولا بد من محاسبة المسؤولين عن ذلك.

“عائلة شربة” تعيش على بعد عشرة أمتار من مجمع ديوان التطهير

استضافتنا هذه العائلة بمنزلها وسمحت لنا بأن نعاين على عين المكان المياه الآسنة التي غمرت ساحة المنزل والمطبخ وقاعة الجلوس وبيت الحمام, وكانت الروائح كريهة لا تطاق وعلى حد تعبير صاحبة المنزل كما ” ترون فنحن عائلة تعيش في راقارة  مع انتشار الناموس والبرغوث وامراض الحساسية والامراض المتعلقة بالجهاز التنفسي, هذا علاوة على ما نعانيه أيام نزول الأمطار حيث تغمر المياه كل الحي واولها منزلنا  لقربه من مجمع ديوان التطهير, وقد ضخت اموال هائلة من طرف الدولة لاستصلاح المنطقة دون ان نرى نتائج ملموسة ” فهذه البركة الآسنة ” هي بمثابة شقاقة يرتزق منها المتنفذون الذين يشربون الماء البارد ونحن نترشف الأوساخ والقاذورات إنها عيشة لا تطاق “

تصريح الشرطة البيئية

صرحت الشرطة البيئية أنها توجهت بمراسلات بالصور والمعاينات للبلدية وديوان التطهير لإتخاذ الإجراءات اللازمة ولم نلمس أي تلبية للنداء من طرف الإدارتين.

تصريح الوالي

أعطينا التعليمات لديوان التطهير للبدء في التدخل الفوري والعاجل وستظهر النتائج في غضون ساعات ليتناقص تسرب المياه الآسنة, ووضعت خطة عمل لحل جذري لا تتجاوز مدته العشرين إلى الخمسة والعشرين يوما.

تصريح السيد عبد الباسط حليم مدير ديوان التطهير بتوزر

بعد كل الاستقصاء كانت أصابع الإتهام مصوبة نحو ديوان التطهير لعجزه طوال سنين عديدة على إيجاد حل جذري ينقذ منطقة ” حفر الطين ” ومتساكنيها من كارثة بيئية وصحية أكيدة إن بقي الحال على ما هو عليه خاصة وأن أمراضا معدية خلنا أنها انقرضت قد عاودت ظهورها من جديد عند جارتنا الجزائر التي لا تبعد ستين كيلومترا على توزر, توجهنا إلى المسؤول الأول في ديوان التطهير بتوزر السيد عبد الباسط حليم ونقلنا له هذا الواقع المفجع والصادم صورة وصوتا, فكان جوابه التالي:

السؤال : الكارثة البيئية والصحية عيان أمام الناس ومسؤولية الإدارة التي تترأسونها ظاهرة لا تتطلب دليلا فماذا تعلقون؟

الجواب: لا أتفق معك في توصيف الواقع بأنه كارثة بيئية وصحية. هناك مشكل بيئي وصحي إذا تواصل ولم يعالج يمكن أن يتطور إلى كارثة ونحن في الديوان قمنا بالدراسات الازمة منذ زمن بعيد وحددنا مواطن الخلل واقترحنا الحلول الجذرية.

فبالنسبة لحقيقة المشكل:

فإن المياه التي تصل المجمع تفوق قدرة المضخات التي تعمل على مدار الساعة على الضخ الكامل لها, هذا بالإضافة للأتربة والفضلات الصلبة التي تصل مع المياه إلى المجمع والتي تتسبب كذلك في التقليص من نجاعة المضخات وقدرتها على الضخ بكامل طاقتها, ولا يمكن أن نتجاوز هذا الإشكال إلا إذا خففنا من كمية المياه التي تصل الى المجمع.

الحلول المقترحة:

يجب أن يكون الحل شاملا لكل الجهات المؤثرة في المشكل ومفعّلا من قبلها, وهي الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه, وشركة اتصالات تونس نظرا لامتلاكها لشبكة اسلاك تمر تحت الارض والديوان الوطني للتطهير.

أما عنا وفيما يخصنا كديوان وطني للتطهير, فقد اقترحنا في ذلك خطة عمل من ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى : تتمثل في تحويل مصب الخط الغربي إلى خطوط رئيسية أخرى لتخفف من كمية المياه الموجهة للمجمع وقد أنجز هذا القسم وتم تخفيف الضغط على المضخات وسجلنا نقصا في المياه الراكدة داخل المجمع.

المرحلة الثانية: تتمثل في تحويل خط أنابيب ” رأس الذراع ” ليصب في خط رئيسي شرقي, مما يخفف نهائيا على المجمع كميات هائلة من المياه ويجعل المضخات قادرة على التعامل الناجع والكامل مع الكميات المتبقية, ولكن النيابة الخصوصية رفضت ولثلاث مرات مدنا بترخيص قطع الطريق, وتعطل تنفيذ هذه المرحلة ونتائج ذلك ترونها بأعينكم اليوم, اذ لم يحظى طلب قطع الطريق بالقبول إلا مؤخرا, وسننطلق قريبا في تنفيذ خطة تحويل مسار خط  ” رأس الذراع “, وفي حدود شهر على أقصى تقدير سوف يحل هذا المشكل.

المرحلة الثالثة: وحتى يحل مشكل ” حفر الطين” نهائيا, لا بد من تنفيذ المرحلة الثالثة والمتمثلة في التوسيع في سعة بعض القنوات الإنسيابية من 315 صم إلى 500 صم, وهي مرحلة مبرمجة ضمن مشروع تهذيب شبكة التطهير بتوزر لسنة 2019.

وبتنفيذ هذه المراحل الثلاث سيتم القضاء نهائيا وإلى الأبد على كل مشاكل التلوث في منطقة ” حفر الطين ” وإذا لم ينجز ذلك لسبب أو لآخر سنبقى ندور في نفس الفلك.

أما في كلامك على الأمراض وأن المجمع بيئة مثالية لتكوين وانتشار مرض الكوليرا فإن الديوان يواضب على مداواة المجمع بما يلزم. ولعلم الجميع فإن أعوان الديوان وعملته هم أكثر وأول الناس عرضة إلى الإصابة بهذه الأمراض لكنهم يتفانون في الذب على المنطقة حتى يكون عملهم مهنيا وناجعا, فهم خط الدفاع الأول على صحة الناس.

هذه تصريحات أحد أهم الأطراف المسؤولة في الجهة والمعنية بالموضوع مباشرة, فهل يستقيم الظل والعود أعوج؟

لقد عودنا النظام الرأسمالي على التفنن في الجباية والتلكئ في الرعاية, فهو نظام جباية بإمتياز يأخذ منك بطرق وأساليب لا تتوقعها ولا تخطر ببالك, اذ يعطيك باليسرى ليأخذ منك باليمنى.

أما إذا أصبح الأمر متعلقا بالرعاية فيتملص كل ذي طرف من المسؤولية المباشرة ويلقيها على غيره ,وتظهر لغة التسويف.. فإنك تسمع جعجعة ولا ترى طحينا, فهل سنرى طحينا هذه المرة خاصة وأن الأمر متعلق بالأمن الصحي للأهالي, وتصبح منطقة ” حفر الطين ” منتزها يطيب فيه العيش ؟ وإننا نهيب بكل الأطراف المتدخلة في هذا الملف ان يتقوا الله فيما استرعيتم فيه, وان لا يتركوا شيئا من جهد لحماية أرواح الناس. والضرب على أيدي المتهاونين بصحة الأهالي والتحذير من مغبّة ذلك ان شهدوه من مسؤول مهما كانت درجة مسؤوليته.

فتحي الصغير

CATEGORIES
TAGS
Share This