كارثة في صحراء قبلي: الشركات البترولية التي نهبت ثروات البلاد تلوّث المائدة المائية

كارثة في صحراء قبلي: الشركات البترولية التي نهبت ثروات البلاد تلوّث المائدة المائية

أطلقت حسابات على شبكات التواصل الإجتماعي المهتمة بمنطقة قبلي ودوز الأسبوع الفارط صيحة فزع واستغاثة بعد أن لاحظ الساهرون عليها أنشطة مريبة في الصحراء على مستوى بئر السلطان, وبعد الإتصال بالسلط الجهوية المعنية تبين أنها لا تعلم عن الأشغال المحمومة شيئا, وأن شركة بوشماوي لم تتصل بها ولم تعلمها بأنشطتها بالجهة وهو ما زاد في شكوك الأهالي والناشطين نظرا لخبرتهم في جرائم الشركات البترولية محليا, وأمّا الدولة فهي لا تهتم لا بمصالح البلاد ولا العباد ولا البيئة, خاصة بعد أن اتضح أن الأشغال تتعلق بموضوع حساس وهو: ” صرف مياه اختبار الضغط لأنابيب مشروع غاز الجنوب  “

وقد ورد بصفحة الناشط ” محمد علي عبد المولى ” تعبير جلي عن الهواجس والشكوك الذين ينتابان الأهالي في تعليقه قائلا : ”  بعد عزم شركات النفط التي تستغل حقل البرمة على تنظيف الأنبوب الناقل للنفط من البرمة إلى الصخيرة, وذلك باستعمال مواد حمضية (acide) خطرة على صحة الإنسان والحيوان والنبات. وما يهمنا هنا هو أن هذه الشركات تريد التخلص من نفاياتها في “واد زمرتن” وهو احد أهم الأودية الرافدة “لواد الحلوف” مصدر تغذية المائدة المائية للرباعي النهائي ( انظر الشكل التابع ), والتي يعتمد عليها اهالي المنطقة كليّا في مياه الشرب والري خاصة في دوز, ولأن صخور تلك المنطقة صخور نافذة, أي من السهل جدّا ان تصل المياه الملوثة إلى المائدة المائية المذكورة, فحذاري من التغافل أو التساهل في هذا الموضوع “

واد زمرتن و واد الحلوف

واد زمرتن و واد الحلوف

فماذا يكمن وراء الأنشطة المريبة التي تحاك من طرف شركة بوشماوي في منطقة بئر السلطان من ولاية قبلي, دون علم الوالي ومعتمد دوز ولجنة التصرف بالعوينة ومندوبية الفلاحة وجمعية البيئة بجمنة, فكل هؤلاء لا يعلمون شيئا عن الأشغال الضخمة التي تجري في صحراء ولاية قبلي ؟!؟!؟

وبالاتصال بالناشط والناطق الرسمي السابق لاعتصام ” العرقوب بولحبال ” السيد ” فاخر العجمني ” لنستفسر منه حقيقة ما الأمر وما يُحاك للمنطقةو بين لنا قائلا :

” إنه عندما تخرج من طريق مطماطة وتأخذ اتجاه طريق ” القرعة ” تعاين بعينيك الوضع الكارثي الذي آلت إليه الصحراء الشرقية، وذلك نتيجة إعادة طمر الأنابيب القادمة من البرمة في اتجاه الصخيرة وترى على مد البصر من قبل أن تصل لبو لحبال حتى بئر السلطان جبلا من التراب والصخور لردم الأنبوب، في حين أن ما نعرفه وفق الطريقة القانونية أن طمر الأنابيب يجب أن يكون على مستوى الأرض وليس بإرتفاع يصل إلى مستوى قامة الإنسان أحيانا, وهو ما شكل سدودا ترابية سدت المجاري الطبيعية لمياه الأودية وعطل سيلانها  في مسالكها الطبيعية, مما سيغير مساراتها المعهودة, ولا نعلم مآلات هذه التغييرات على المجاري الطبيعية للأودية التي تغذي المائدة المائية للجهة هذا علاوة على قطع أغلب الطرقات الصحراوية الفرعية بهذه السدود الترابية ما جعل منها حواجز تقطع الطرقات والمسالك الفرعية وهو ما صعب بسببه, إن لم نقل قطعت سبل التواصل والتنقل بالسيارات والآليات الخفيفة.

أما الخوف الشديد فإنه متعلق بإمكانية الخرق الصارخ لكل القوانين, وذلك بإمكانية تلويث المائدة المائية بالأحمضة والمواد الكيميائية التي يمكن استعمالها لتنظيف الأنبوب, فشركة بوشماوي قامت بقطع الطريق في منطقة بئر السلطان وطمرت الأنبوب بعرض الطريق, وقبل أن تصل إلى بئر السلطان تتفاجأ بوجود ” باش ” بلاستيك كبير, وفوقه كمية من الصخور، وعند سؤال العمال عن الغاية من ذلك أجابوا بأن هناك تدفقا مائيا سيأتي من “البرمة ” وسيصب في هذا المكان وأن هذا البلاستيك وضع حتى نتجنب إحداث حفرة عظيمة بالمكان .

بلاستيك وضعته الشركة لتجنب احداث حفرة عميقة عند سيلان الماء المستعمل في قياس الضغط بالقنوات

بلاستيك وضعته الشركة لتجنب احداث حفرة عميقة عند سيلان الماء المستعمل في قياس الضغط بالقنوات

ولكن الطامة الأكبر لا تتمثل في الطرقات المقطوعة ولا مسارات الاودية المسدودة وأنّما في المكان المختار كمصب الذي يؤدي مباشرة إلى “واد الحلوف” المغذي الرئيسي للمائدة المائية التي يشرب منها الإنسان والحيوان والأرض في هذه الصحراء.

وإن أحسنّا النية في صنيه الشركات البترولية الناهبة لثرواتنا, وسلمنا جدلا أنهم سيغسلون الأنبوب بماء ” صابرين ” دون استعمال مواد تلوث المائدة المائية فإن الترخيص المسند لهذه الشركة محصور بمد الأنبوب بالجهة الشرقية دون سواه  من الأعمال ومن حقنا أن نتساءل :

من سمح لهم بسد مجاري الأودية؟ ومن أعطاهم حق وضع سدود ترابية بالطرق والمسالك الفرعية؟ فمن سمح بهذه التجاوزات؟ ومن باع لهم الأرض لتستباح بهذه الشاكلة؟
مع العلم أن ولاية قابس رفضت أن يتم طمر النفايات بترابها وتطاوين أيضا رفضت وما وصل إلينا أن السلطات المحلية بولاية قابس هي التي أسندت الترخيص لطمرها في صحرائنا !!! “

فما الذي يختفي تحت تراب صحراء قبلي ؟ وهل نحن أمام عمل مريب من طرف شركة بوشماوي في منطقة بئر السلطان؟ وماذا يوجد في الحفر ؟

وتفاعلا مع ما تمت إثارته عبر مواقع التواصل الاجتماعي في ما يخص قيام شركة بوشماوي بأشغال لصرف مياه اختبار ضغط الانابيب على مستوى منطقة دوز, دون احترام التراتيب الجاري بها العمل, وأمام ضغط الأهالي والناشطين لم يجد والي الجهة من بد _والذي لم يكن يعلم بما يحدث بمنطقته الترابية_ إلا تحديد جلسة يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2017, وقد حضر اللقاء ممثلان عن شركة بوشماوي ووالي الجهة والنائبان محمد علي البدوي ومحبوبة ضيف الله وممثلين عن جمعيات البيئة بالجهة وممثل عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان د. توفيق حمادي، وممثلين عن الجمعيات الفلاحية وممثلين عن لجان التصرف بدوز..وبعد أن طلب السيد الوالي تفسيرا لما قامت به الشركة من حفر وردم دون علم السلطات المحلية.

كان رد ممثلي الشركة أنهم أخذوا كل التراخيص من الجهات المسؤولة في قابس، والعمل يخص صرف مياه إختبار الضغط لأنابيب غاز الجنوب بالنقطة LVS10 على مستوى تقاطع مطماطة، دوز وممر TRAPSA.يعني (قرب مقهى حمادي) تحديدا. ولكن السيد مندوب الفلاحة بقابس تكرم على الشركة بعد أن اطلع على تقريرها
وبعد ما تبيّن له وجود الموقع المقترح لصرف المياه قرب المنطقة السقوية التي هي بصدد الإنجاز بجهة أم الشياه. فاقترح عليهم ولمزيد من الإحتياط نقل الموقع إلى النقطة SVL9 والتي تبعد حوالي 18 كلم فكان الحفر في وادي زمرتن.

أخيرا خلص المجلس بالتوصيات والقرارات التالية :
1 ــ الوقف الفوري لكل نشاط بالمكان حتى الحصول على تراخيص من الجهات المختصة بولاية قبلي.
2 ــ ضرورة التواصل مع لجنة التصرف .
3 ــ طلب خبير محايد تعينه المحكمة على أن تدفع أتعابه شركة بوشماوي صاحبة المشروع.

فكانت تلك تعليلات شركة بترولية فوق القانون وبكل بساطة تقول اتصلنا بالسلطات بولاية قابس لننجز أشغالا بولاية قبلي فكان رد السلطات بولاية قبلي حاسما في هذا الخرق الفاضح والتعدي الصارخ: شرفونا واعلمونا وسنسند لكم كل التراخيص اللازمة!! “

وبعد هذا اللقاء لا نجد بدا من طرح هذه الأسئلة  :

ــ ألا يمثل صرف 14000م٣ من المياه في هذه المنطقة مثل منطقة بئر السلطان التي ينتهي مصب مجراها المائي إلى واد الحلوف المغذي للمائدة المائية خطرا على الإنسان والحيوان والنبات ؟

ــ بأي حق تسمح الشركة لنفسها بالانطلاق في الأشغال في منطقة تتبع ترابيا وإداريا لولاية قبلي دون إشعار السلط المعنية ودون أخذ التراخيص اللازمة لذلك والإكتفاء بتراخيص أسندتها لها السلط الجهوية بولاية قابس ؟

ــ لماذا لم تتخذ الجهات المسؤولة بولاية قبلي الإجراءات القانونية الازمة تجاه الشركة لهذا الخرق الفاضح ؟ في حين لو ركز أي شخص مستضعف من أهالي قبلي ” نصبة خضار ” يقتات من دخلها دون ترخيص لقامت عليه الطامة و العامة ولحجزت بضاعته وصودر ميزانه وعربته ودفع به من باحث عدلي لآخر وأصبح ساحب سوابق ووو… !!!

إن الدعوة ملحة الآن أكثر من ذي قبل إلى مزيد من اليقظة فهذه الشركات المتغوّلة لا ترعى إلاّ ولا ذمّة في البسطاء, ولم يسلم منها بشر ولا حجر ولا حيوان ولا نبات ولنا معهم العديد من التجارب المريرة فأمتنا تدفع فاتورة ذبحها وسرقتها من دماء أبنائها, وما لم تستفق وتحزم أمرها فسيستمر مسلسل النكبات, فلا مخلّص لنا من هذا التغوّل إلا إباء المخلصين وعزة المسلمين وعدل الإسلام الذي أنزله رب العباد رحمة للإنسان والحيوان والنبات, بل رحمة للعالمين, فدعانا إلى الإحسان لكل ما يحيط بنا فقال تعالى ” وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَوَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ, إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.

فتحي الصغيّر

CATEGORIES
TAGS
Share This