” كرافاة ” الغنّوشي هل تطفأ حرائق الغابات ؟

” كرافاة ” الغنّوشي هل تطفأ حرائق الغابات ؟

الخبر

أعلنت الحماية المدنية في جندوبة أنّ حرائق الغابات خرجت عن السيطرة حيث امتدت على مساحات واسعة في الجبال واقتربت من المناطق السكنية التي تم إجلاء السكان منها تحسّبا لأي خطر قد يحدث وقالت أن خروج النيران عن السيطرة كان بسبب سهولة امتدادها في الأشجار اليابسة.

وذكرت أن عددا من الحرائق تم إطفاؤها لكنها تفاجأت ليلا باندلاع حرائق أكبر وأخطر في مناطق قريبة من السكان مما أدى إلى حرق بعض المنازل المحاذية ورغم أنه لم تسجل خسائر في الأرواح لكن عددا كبيرا من المتساكنين فرّوا نحو السدود القريبة من أجل الاحتماء من النيران فيما فقد البعض منهم عددا من مواشيهم التي لم يقدروا على إنقاذها.

وسجّلت الإدارة العامة للغابات إندلاع أكثر من  حريق في أقلّ من خمسة أيّام ببن عروس و زغوان وسليانة والكاف و القصرين علاوة على حرائق سجنان و غزالة ببنزرت والتّي قضت على مئات الهكتارات من المناطق الغابيّة.

التعليق

إنّ التعامل الإعلامي مع موضوع الحرائق لم يكن بحجم ضخامة الموضوع ولا مقدار أهميّته فاكتفى بمجرّد نقل الخبر وسط غياب التعليق عليه بالكثافة المطلوبة كأنّه لا يمسّ أمن البلاد ولا مستقبلها على خلاف التعامل مع العمليّات الإرهابية التي يقع التركيز عليها بشكل لافت، مع أنّ ما حصل وما يزال يحصل يمكن أن يكون فعلا اجراميّا قد يرتقي إلى مخطط إرهابي وراء اندلاعها, وليس له علاقة بالضّرورة إلى درجات الحرارة. فالحرائق تواصل في إلتهام ما تبقى من ثروات البلاد الغابيّة، فما إن تخمد واحدة بعد عناء وتعب وكلفة باهضة حتى تندلع أخرى في نفس المكان أو في مكان قريب منه … المهمّ أنّ الحرائق لا تنتهي و لا تعترف بالهدنة… و الرأي العام منشغل ب” كرافاة ” ربطة عنق الغنّوشي… لتتوسّع الأضرار لتشمل لا فقط الغابة وأشجارها بل الحيوانات و المنازل فالأبقار والأغنام فضلا عن الدّيار أضحت في مهبّ الريح، هذا مع قلّة الإمكانيّات وغياب التجهيزات ذات الفاعلية لدى قوّات الحرس والحماية المدنية وأجهزة الإطفاء وغياب الدّعم المالي الكافي والمناسب للتّعاطي مع مثل هاته الأزمات والتهيئة و الإستعداد للكوارث الطبيعية، بل كلّ ما نشاهده ممّا يصلنا هو محاولات جريئة و قويّة فيها الحماسة والاستعداد للتضحية, و لكنّ للأسف بإمكانيّات أقلّ ما يقال فيها أنّها بدائية, مع غياب الدّعم اللّازم, في المقابل نجد الحكومة تدعم المهرجانات وتنفق عليها الأموال الطائلة والدعم المالي والإهتمام الإعلامي.

ما يُقلق فعلا ليست الحرائق في حدّ ذاتها بل في إرتفاع عددها في الآونة الأخيرة و هو ما بنبئ بإنحسار الثروة الغابية التي يقتات منها مئات الآلاف وتمثل خبزهم اليومي ومحور حياتهم بعد أن تخلّى الجميع عنهم. وفي ما يخصّ التعامل الحكومي الرّسمي فقد إقتصر على تعويض  عائلة في جندوبة ممن إحترقت بيوتهم وتلفت ممتلكاتهم ونفقت  – حرقا – حيواناتهم. هذا مع ملاحظة ضعف التعامل الأمني مع المتسببين الفعليين المحتملين للحرائق، فلا الإكتفاء بإلقاء القبض على بعض الأفراد ولا الوعيد الشّديد بالمحاسبة و التخويف بالعقوبة أثمر في إنقطاع الحرائق عن الإشتعال ولا خفّف من حجم الكارثة و لا من مضاعفاتها، فالتركيز لدى الجانب الأمني على الفاعل دون التركيز على الفعل نفسه هو في حدّ ذاته مجانب للصّواب ومخالف لحقيقة الأمر. فالحقيقة أنّ الحرائق جريمة في حقّ الطبيعة والإنسان والحيوان، و هذا ليس أجراما عاديّا بل هو من الجريمة المنظّمة، فالتوسّع في الحرائق بشكل متزامن و في مناطق واسعة لا يقوم به أفراد قليلون بل كلّ المؤشرات تدلّ بوضوح على التواطؤ وهذا ما صرّح به كثيرون ومنهم خبراء أمنيون .

ولكنّ من هي الجهة المنتفعة من الحرائق التي تطال الغطاء الغابي للبلاد وما هي مصلحتها من تغيير صبغة الأرض بحكم الأمر الواقع وبتأثير مباشر بفعل الحرائق، والمقصود من تغيير صبغة الأرض هو تحويلها بفعل تأثير قاهر – هو عملية الإحراق – من كونها أراض غابية ممنوعة أن تمسّ بأي شكل من الأشكال لتصبح أراض فلاحية بيضاء غير مشجّرة يمكن التصرف فيها بالبيع أو الإنشاء عليها ( نزل  – مركز إيواء سياحية – ممتلكات خاصة …) فهل لهذا علاقة بما يُسمّى الشّراكة بين القطاع العام و القطاع الخاص؟

وقد استمعت لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتّجارة والخدمات يوم الأربعاء 19 جويلية 2017 إلى جهة المبادرة التّشريعية حول مقترح القانون عدد 54 – 2017 المتعلّق بتعديل الفصل 15 من مجلّة الغابات

وبيّن النّائب الحبيب خضر أنذاك وهو الممثّل عن جهة المبادرة أنّ مقترح القانون يهدف إلى تثبيت بعض النّصوص القانونية وتطبيقها خاصّة وأنّ الصّيغة الحاليّة للفصل بمجلّة الغابات لم تعد مواكبة للواقع الذي شهد تعميم النّظام البلدي على كامل تراب الجمهوريّة. في المقابل أشار إلى وجود بعض التخوّفات في المجال خاصّة في ظلّ غياب مخطّط واضح للتّهيئة ونظرة شاملة للتطوّر العمراني للبلاد.

وأكّد أنّ جوهر مقترح القانون قائم على تجاوز الإجراءات الإداريّة طويلة المدى التي يستغرقها تغيير وصف الأراضي التّابعة لملك الدّولة للغابات والذي يلي عمليّة إعداد مثال التّهيئة العمرانيّة الّذي يستغرق قرابة الخمسة سنوات ما يتسبّب في تأخّر إنجاز المشاريع العموميّة.

يعني هناك جدل في كواليس مجلس نوّاب الشعب حول كيفيّة التّعاطي مع تغيير صبغة الأراضي في حالة المشاريع الخاضعة للشّراكة بين القطاع العام والقطاع الخاصّ.

فهل هنالك إرادة تشريعية – تقف وراءها جهات منتفعة – تُريد عملية التسريع هذه في إطار إنجاز مشاريع وقَعت تهيئتها و إعدادها ولكنّ من بين العوائق مسألة وضع اليد وإبعاد الدّخلاء و المتطفلين و المنتفعين؟  و بالحَرق المتعمد تتغير صبغة الأرض واقعيا فلا يبقى إلاّ تغييرها بالمستندات الكتابية؟ وهو أمر لا محالة يحسنونه.

وعلى العموم, تبقى كلها محاولات فهم وربط لما أمكن من وقائع قد تكون على صواب وقد تُجانبُه, إلى أن يتبيّن للجميع ضوء الحقيقة بعد انطفاء نار الأشرار الملتهبة في أرجاء هذا البلد الطيّب.

محمّد زرّوق 

CATEGORIES
TAGS
Share This