كلمة الافتتاح للأستاذ عبد الرؤوف العامري

كلمة الافتتاح للأستاذ عبد الرؤوف العامري

انهيار الفكر الغربي, خيانة الوسط السياسي والخلاص في الإسلام والأمة قادرة على ذلك

في كلّ عام نعقد مؤتمر الخلافة،

  • تذكيرا للمسلمين بأنّ دولتهم قد أسقطها الكافر المستعمر وأنّه منذ ذلك الحين وهو يعمل على الحيلولة دون عودتها ويعمل على صرف المسلمين من التوجّه نحوها.

  • وتذكيرا للمسلمين بأنّهم منذ أن سقطت الخلافة وهم تحت الاستعمار وأنّ واجب التّحرّر منه قائم لازم لكلّ كريم تأبى نفسه الذّلّ والخنوع

  • وتذكيرا للمسلمين بأنّ الله سبحانه وتعالى فرض عليهم أن يُقيموا دولة كالدّولة التي أقامها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في المدينة ألأوّل مرّة وأنّ الخلافة في معناها الحقيقي هي استئناف ما بدأه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم من إقامة الإسلام وحمله رسالة خير ونور إلى العالمين.

نسمع كلاما كثيرا عن ثورات (هكذا بصيغة الجمع)، ونسمع كثيرا عن نجاح التجربة التونسيّة وفشل اليمنيّة والسوريّة والمصريّة… وكأنّنا أمم شتّى لا رابط يجمعها. والحقيقة أنّ ما حدث منذ 2011 إنّما ثورة واحدة لأمّة واحدة بدأت في تونس وسرعان ما امتدّت إلى باقي البلاد الإسلاميّة: مصر فليبيا فالشّام واليمن والبحرين ثمّ ها هي تتوسّع لتشمل السّودان فالجزائر وليست بقيّة البلدان الإسلاميّة ببعيد عنها:

  • فالمصاب واحد في كلّ البلاد الإسلاميّة التي كانت بلادا واحدة تحت دولة واحدة، غير أنّ الكافر المستعمر استطاع إسقاطها بمعونة الخونة من الترك والعرب، فانفرط العقد وصار المسلمون تحت دويلات صنعها الاستعمار وهيمن عليها ولم يُخرج منها جنوده إلا بعد أن صنع عملاء له من أبناء المسلمين يضمن بهم مصالحه وأعلى مصالحه أن يظلّ الإسلام بعيدا عن السياسة والحكم وأن يظلّ المسلمون في دويلات وطنيّة هزيلة لا تُحسن إلا خدمة المستعمر.

  • والمسار كان واحدا إذ ظلّ المسلمون يبحثون عن تغيير وعن مخرج وفي كلّ مرّة كان المستعمر يغيّر أسلوب الاستعمار بمعونة العملاء يصرفوهم عن وجهة التغيير الصحيحة، فظلّوا يصرفونهم بوطنيّات ضيّقة وبنعرات قوميّة بائسة وبحديث طويل لا ينقطع ولا يتحقّق عن العزّة والكرامة وعن التنمية والرّفاه والرّخاء. حتّى انكشف للمسلمين زيف الحرّيّات والدّيمقراطيّة وزيف الرّأسماليّة وخطورة التبعيّة للاستعمار.

  • وكذلك الشعارات واحدة فكلّ المسلمين نادوا ” الشعب يريد إسقاط النّظام” وكلّ المسلمين نادوا يا للعار يا للعار بعد الثورة الاستعمار، وكلّ المسلمين يريدون تطبيق شرع الله ولقد ارتفع شعار الأمّة تريد خلافة من جديد في بلاد المسلمين شرقا وغربا.

  • والشّعور واحد: فكلّ المسلمين من المغرب غربا إلى أندونيسيا شرقا لا يثقون في الفئة الحاكمة ويتحرّقون لإسقاطها ويريدون تغييرا حقيقيّا بالإسلام، وهذا ما سجّلته مراكز دراسات غربيّة أوروبيّة وأمريكيّة

  • وإنّ الثورة مازالت مستمرّة في تونس كما في الشام وليبيا ومصر… بدليل أنّ الاحتجاجات لم تتوقّف يوما واحدا (حتّى في تونس التي زعموها نموذجا ناجحا) ولم تنطل على الأمّة حيل المستعمر وألاعيبه، فلم تنطل مسألة التداول على السّلطة، فغيّروا الحكومات في تونس كلّ عام وبدّلوا الوجوه في تونس والشاّم وليبيا ولكنّ المسلمين كشفوا أمرهم ولم يرضوا بهم أو يسكتوا عنهم، وظلّت أعناقهم تشرئبّ لقيادة مخلصة تخلّصهم من الاستعمار.

هذا الوعي المتنامي الذي دبّ في كلّ الأمّة الإسلاميّة وهذا الصمود والإصرار على رفض نظام الاستعمار وعملائه أوقع المستعمر في حيرة وارتباك إذ نفذ مخزون العملاء الصّالحين للاستعمال ولم يبق منهم إلا من نفذت صلاحيّته، وعاد المشهد السياسي في تونس مثلا مشهدا اضطرب فيه العميل وأفصح عن عمالته وتبعيّته، فتكلّم المسؤولون عن تبعيّتهم لصندوق النّقد الدّولي وذريعتهم أنّهم هم من استدعى الصّندوق لتونس، وصرّح أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل أثناء المفاوضات مع الحكومة أن  الشاهد كان يتصل ب( ص ن د ). والاتحاد رابع أربعة في جائزة نوبل جزاء دوره في الالتفاف على ثورة الأمة على النظام الرأسمالي العالمي الذي ثارت أمة الإسلام تطالب بإسقاطه.

  وأمّا الباجي قائد السبسي رئيس البلاد فأمره عجب يصرّح بأنّ المسؤول الكبير أمره ويستشهد بأوباما حيث يقول :” إذا تكلّم أوباما وصفّق الكونغرس فنحن على الطّريق الصحيح” ويتباهى بأنّه نفّذ رغبة أوروبا في مبادرته البائسة “المساواة في الميراث” وهو لا ينفكّ يعلن أنّ تونس دولة مدنيّة لا علاقة  لها بالدين ولا بالقرآن ولا بالآيات القرآنية، بعد أن فضح نفسه، ولو أردنا عرض فضائح السياسيين في تونس وفي غيرها من بلاد المسلمين لطال بنا المقام.

أمّا المستعمر فقد اضطرّ أن يكشف عن وجهه القبيح بعد طول اختباء

   فهؤلاء حكام ايطاليا يعلنون إعلانا أن فرنسا تأكل من لحم إفريقيا وعظم أهلها، وتشرب من دمائهم، وكأن الاستعمار الايطالي والأوروبي أقل وطأة وأرحم بالشعوب من الاستعمار الفرنسي…

 وهذه بريطانيا العجوز(التي لا يكاد يقر لساستها قرار بسبب البريكست ) قد اضطرّت في تونس إلى كشف وجهها حتى لم يعد يخفى على أحد، فأعضاء سفارتهم و مسؤولوهم لا يكادون يغادرون بلدنا ولم يتركوا مصلحة إلا دسوا أنوفهم فيها حتى غدا تدشين مراكز الأمن من مهامهم.

 وهذه الولايات المتحدة الأمريكية التي نصبت نفسها راعية للعالم تخاف من المكسيكيين تريد بناء سياج دونهم. وعجز أمريكا السياسيّ في العراق وأفغانستان وسوريا ظاهر، فراحت تسلك سياسة الأرض المحروقة تدمّر كل بلد مرت به، لأنّ المسلمين قاوموها ومرّغوا عظمتها في التّراب ثمّ رفضوا كلّ عميل اقترحته ورفضوا مشروعها السياسي المتمثّل في الدّولة المدنيّة ورفضوا أفكارها وثقافتها…

هذا ما صنعه وعي الأمّة من اضطراب وارتباك عند القوى الدّوليّة الاستعماريّة، ذلك أنّ وعي الأمّة تصنعه العقيدة الإسلاميّة الربّانيّة لأنّها عقيدة صحيحة توافق فطرة الانسان لم تصمد أمامها العقيدة الرّأسماليّة الديمقراطيّة التي تزعزعت ولم تعد تقنع الشعوب بل نراها مخلخلة الأركان مفكّكة الأوصال مهددة في مهدها أوروبا: بعد أن حمل نعشها أصحاب السترات الصفراء في فرنسا ممّا يُؤذن بقرب انهيار النظام الرأسمالي كله بعد أن ارتفعت الأصوات في فرنسا بضرورة التخلي عن نظام التمثيل النيابي والمطالبة بإعطاء حق التشريع لعموم الناس عبر الاستفتاء العام.

    في ظل هذا السقوط للفكر الغربي وبروز شواهد انهيار الحضارة الغربية بانهيار قيمها وانكشاف حقيقتها، لم يعد لوهم الحرية، والديمقراطية، وشعارات حق الشعوب في التحرر والانعتاق من الاستعمار والدفاع عن المظلومين والمضطهدين من معنى أمام ما تعانيه الإنسانية من ظلم هذه الحضارة الرأسماليّة وجورها، ولم يبق لها من قيمة تدافع عنها إلا قيم الشذوذ.

       ــ الشذوذ السياسي بالدفاع عن الفساد والفاسدين من أباطرة المال والسلطان.

       ــ الشذوذ الأخلاقي بسحقها لمليارات البشر والتباهي بالدفاع عن الشواذ أعداء الحياة.

     وفي ظل هذا كله، وفي مقابل وعي عموم الأمّة الإسلاميّة بحقيقة الاستعمار وزيف أفكاره وشعاراته، لا يزال الوسط الحاكم في بلادنا يتّخذ الدّول الغربيّة قبلة ونموذجا، فالوسط السياسيّ مفلس فكريّا لا يعرف غير ما يستقيه من أسياده الغربيين ولذلك لا نراهم إلا جارين وراء الديمقراطية يحسبونها ماء ولمّا وصلوا إلى الحكم وطبّقوا الديمقراطيّة ولم يجدوا شيئا، وازدادت الأوضاع سوءا  قالوا ” ديمقراطية فتية ” خوفا من أن يستبدلهم أسيادهم بعملاء جدد أشد طاعة لهم من سبقوهم.

     وتمرّ السنوات وتزداد الديمقراطيّة تطبيقا وتزداد الأوضاع سوءا ويزداد الوسط السياسي (المعارض منه خاصّة) إصرارا على المضي في نفس نهج التبعية بحجة أن العلاج يكمن في التخلص من الحكام الحاليين لفسادهم وعجزهم وفشلهم وأنهم هم الديمقراطيون الحقيقيون وأن في نظافة أيديهم، بزعمهم، علاجا لمآسي الناس.

  وثالثة الأثافي ما يسمى بالمجتمع المدني ومنظماته المشبوهة المسيرة من قبل الهيئات والمنظمات الاستعمارية لتقدم لها التقارير عن مختلف أوجه حياتنا، السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والأمنية، بما تغدقه عليها من ملايين الدولارات التي نجح الغرب المستعمر في إدخالها لبلادنا تحت سمع وبصر السلط الحاكمة بل وبرضاها، تحت خديعة الشفافية والوضوح…

 ضيوفنا الكرام

   غدا يجتمع في تونس رؤوس الخيانة والعمالة لهذا الكافر المستعمر الذي استعبد أمتنا بعد أن أسقط دولتها دولة الخلافة بمعونة أشباهم من الخونة من العرب والترك. جاؤوا إلى تونس مهد ثورة الأمة ليثبتوا أنهم لا زالوا قادرين على خدمته وتنفيذ مخططاته في إبقاء الأمة في هذا المنحدر الفظيع.

 ولكن غاب عنهم أن الأمة لم تعد تثق بهم، ولا تهتم لمؤتمراتهم، وانتبهت لمؤامراتهم، وصارت تدرك أنّ الخلاص مقصور على العودة إلى العيش عيشاً إسلامياً في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي، بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيرة وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، هي دولة الخـلافة التي ينصب المسلمون فيها خليفة، يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.

يا خير أمة أخرجت للناس، أيها الشهداء على الناس، لقد بعث الله الأنبياء والرسل كلاً إلى قومه، قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يحملون لهم دعوة الله ويشهدون عليهم يوم الموقف العظيم. يقول الله عز وجل: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾. يا أمة الوسط، يا أمة العدل، ألا يكفيكم فخراً وعزاً أن الله قد اصطفاكم لتكونوا حملة دعوته إلى الناس جميعاً. شأنكم في ذلك شأن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؟ ألا يكفيكم فخراً أن تكونوا أنتم الشهداء على الناس؟ ألا يكفيكم فخراً أن يرفع ربكم قدركم بحمل دعوته إلى مصاف الأنبياء؟ ألا يكفيكم فخراً أن يغبطكم الأنبياء والملائكة على محبة الله لكم؟! “

﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.

﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.

CATEGORIES
TAGS
Share This