كورونا: نجاح المقاربة الدولية لتونس أم الحاجة إلى دولة إسلامية عالمية؟

كورونا: نجاح المقاربة الدولية لتونس أم الحاجة إلى دولة إسلامية عالمية؟

مقدمة

تحدثت بعض أبواق السلطة في تونس خلال الأيام الأخيرة، عن نجاح مزعوم للمقاربة الدولية التي تم اتخاذها من قبل مؤسسة الرئاسة التونسيةوالتي تقوم على التعاون الدولي والتشارك في مجابهة جائحة كورونا. فهل يُلمس في حقيقة الإجراءات المتخذة عمليا نجاحا فعليا وحقيقيا في التصدي لهذه الظاهرة وفي نجاح مقاربة رئيس الدولة، أم أننا نعيش فصلا جديدا من فصول التبعية والارتهان يتخذ من أصحابه من عناوين النجاح وامتلاك الرؤى والتصورات غطاء للتستر عن حقيقة التبعية للغرب والتمسح على أعتابه.

الرئيس يستنجد بنظام رأسمالي عاجز

سجلت رئاسة الجمهورية التونسية مؤخرا، إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن انطلاق خطة أممية لمجابهة جائحة كورونا، حيث اعتبر أن فيروس كورونا يشكل تهديدا للبشرية جمعاء وهو ما يستوجب تضافر جهود كافة الدول للقضاء عليه.وأقر غوتيريش، وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية بتاريخ 26 مارس 2020، بأن الجهود التي تبذلها البلدان فرادى من أجل التصدي له لن تكون كافية، وهو اعتراف مباشر بأن دول الغرب نفسها عاجزة عن مجابهة هذا الوباء بشكل منفرد وأن التضامن العالمي أو التضامن الأوروبي ليست سوى كذبة كبيرة كشفها فيروس صغير بل هي خرافة على حد قول رئيس صربيا “ألكسندر فوتشيتش”…

في نفس هذا السياق، أكدو زير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في مقال له بصحيفة “وول ستريت جورنال” بتاريخ 4 أفريل 2020 إلى أن قادة العالم يتعاطون مع الأزمة الناجمة عن الوباء على أساس وطني بحت، إلا أن تداعيات التفكك الاجتماعي المترتب على تفشي الفيروس لا تعترف بالحدود. وأكد في هذا السياق أنه لا يمكن لأي دولة، حتى وإن كانت الولايات المتحدة، أن تتغلب على الفيروس بجهد وطني محض، وأن التعاطي مع الضرورات المستجدة الآن ينبغي أن يصاحبه وضع رؤية وبرنامج لتعاون دولي لمواجهة الأزمة، مبينا أن الإخفاق في العمل على المحورين في آن واحد قد تترتب عليه نتائج سيئة.

هكذا يصرح قادة الغرب وساسته، ومع ذلك نجد السلطة الحاكمة في تونس تحاول إقناع نفسها بأن الحفاظ على الدولية الوطنية الهزيلة المتمسحة على أعتاب الدول الكبرى، يمكن أن يعد إنجازا يرفع تحديات الحكومة التي رأيناها تتخبط على أرض الواقع في تنفيذ إجراءاتها وحلولها.

ويأتي إعلان الأمين العام للأمم المتحدةعن حملته الأممية، على إثر المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية قيس سعيد بالدعوة الى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي وتقديم مشروع قرار لعرضه على المجلس من أجل البحث عن حلول على المستوى الأممي لمقاومة تفشي جائحة كورونا.

ويتضمن مشروع القرار بالخصوص دعوة إلى بذل جهود دولية لمنع تأثير انتشار الفيروس على السلم والأمن الدوليين وخاصة في مناطق النزاع، كما يحث الدول والجهات الفاعلة على التنسيق بخصوص إمدادات الإغاثة الإنسانية وأعوان الصحة، فضلا عن دعوة لمنظمة الصحة العالمية لمواصلة دعمها العملياتي للحكومات والشركاء حتى تتمكن من الاستجابة للحاجيات ومن تطوير علاج لهذا الفيروس.

وقد أجرى رئيس الدولة في هذا الشأن عدة اتصالات هاتفية مع ملوك ورؤساء دول “شقيقة وصديقة”، لحشد الدعم لهذه المبادرة من أجل معالجة هذه الجائحة العالمية وفق مقاربة عالمية تكون فيها الأمم متحدة بالفعل، خاصة وأن الأمر يتعلق بالإنسانية جمعاء.

وكان رئيس الجمهورية قد أكد في خطابه يوم 20 مارس إثر ترؤسه اجتماع مجلس الأمن القومي، على ضرورة أن تكون هناك مقاربة عالمية في إطار المنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة لمواجهة هذا الخطر الذي يتهدد البشرية كلها.

كما دعا المنظمات الدولية إلى التدخل للتنسيق بين الدول ولمساعدتها على مواجهة هذا الوباء بوسائل أخرى غير الوسائل التقليدية.

وبعبارة أخرى، لا يزال حكام تونس يسايرون بريطانيا في حلولها ورؤاها المتخبطة إثر خروجها من الاتحاد الأوروبي، وينسقون في ذلك مع بقية عملاء الغرب من أجل أن تمن عليهم القوى الاستعمارية بخطة لمجابهة فيروس، وكأننا أمة بلا دين ولا تشريع ولا يمكن لها أن تدير أزمة وباء كالتي نعيشها اليوم. وإذا كان الرئيس قد نجح في وضع مقاربة دولية لمجابهة الفيروس واستراتيجية ما بعد الكورونا كما نقرأ في بعض الصحف اليومية، فماهي الإجراءات العملية التي سارت فيها “حكومة الرئيس”؟

ألا يشمل الحجر الصحي سفراء الدول الغربية؟

صبيحة يوم الخميس 2 أفريل 2020، حلت سفيرة بريطانيا لويز دي سوزا ضيفة على وزير المالية نزار يعيش.

وقد تناول اللقاء بحسب البيان الرسمي لوزارة المالية، ضرورة الإعداد الأمثل لمرحلة ما بعد كورونا وتوفير ظروف النجاح لإعادة دفع الدّورة الاقتصادية والقيام بالإصلاحات اللازمة لتيسير إجراءات الاستثمار وتعصير الخدمات ورقمنتها وتعصير الديوانة وتحسين مناخ الأعمال مع المحافظة على التوازنات الماليّة الكبرى

كما بحث الجانبان سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية، واستغلال موقع تونس الجغرافي حتّى تكون نقطة الربط بين أوروبا وإفريقيا في مجالات متعدّدة.

وهكذا يتأكد فعلا وفي ظل الحرب الاقتصادية العالمية والاستثمار في الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا، أن بريطانيا مصرة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي على ربط تونس باقتصاداتها وجعل هذا البلد المختطف نقطة عبور للقارة الإفريقية تنفيذا لخارطة الطريق التي تم وضعها خلال القمة البريطانية الإفريقية، وتسريعا في إنجازها حتى لا ينفرط العقد من يدها في شمال إفريقيا.أما التعصير والرقمنة وغيرها من العناوين البراقة التي تسحر بها الوسط السياسي في تونس، فهي غطاء لبقاء هيمنتها ومزيد بسط نفوذها على كل المجالات.

قبلها بيوم فقط أي يوم 1 أفريل 2020 استقبل وزير الداخلية”هشام المشيشي” بمقر الوزارة سفير الولايات المتحدة الأمريكية بتونس “دونالد بلوم”.وبحسب بيان رسمي لوزارة الداخلية، فقد كان هذا اللقاء فرصة لتقييم واقع التعاون التونسي الأمريكي خاصة في مجالات مكافحة الارهاب والتكوين والتدريب وكل المسائل ذات الاهتمام المشترك. وكأن مكافحة الإرهاب هي الأولوية المطلقة في ظرفية لا يبدو فيها أن أقوى دولة في العالم قد نجحت في جعل الوضع تحت السيطرة، سواء من حيث مجابهة الفيروس، أو من حيث حربها التجارية الباردة مع الصين ضمن معركة تقنيات الجيل الخامس.

الأكثر من ذلك، أننا وجدنا السفير الأمريكي يوم 3 أفريل 2020، يزور مقر وزارة الدفاع التونسية، ليعبر عن التزام الإدارة الأمريكية بالوقوف إلى جانب تونس وعن استعدادها الدائم لدعم القدرات العملياتية للمؤسسة العسكرية التونسية مبيّنا تقديره للحرفية الكبيرة التي تتميز بها القوات العسكرية والأمنية في التصدي للإرهاب، وكأننا على موعد مع حرب مع عصابات في الفترة القادمة، خاصة وأن معبر راس جدير الحدودي وكامل الشريط الحدودي مع ليبيا قد شهد في الفترة الأخيرة تعزيزات أمنية وعسكرية وحالة من اليقظة والاستعداد مع بداية تقدم قوات عميل الأمريكان”حفتر” في اتجاه محاولة السيطرة على المعبر من جانبه الليبي، على مسافة تبعد نحو 15 كلم عن التراب التونسي وفق ما أكدته مصادر أمنية.

كما تطرق الجانبان الأمريكي والتونسي إلى الأزمة الصحية العالمية وضرورة تظافر جهود البلدين لمكافحة انتشار وباء فيروس الكورونا والحدّ من الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنه وسبل التعاون الممكنة في هذا المجال.

هذا دون أن ننسى لقاء السفير الأمريكي بوزير الصحة الأسبوع الماضي، حيث عبر عن استعداد بلاده لتقديم الدعم المالي والمادي لمزيد تعزيز قدرات تونس في تجاوز الآثار الصحية والاجتماعيةوالاقتصادية لوباء فيروس كورونا المستجد، ليتأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا وجود لمقاربة محلية الصنع ورؤوس مستقلة عن إرادة الغرب وإدارته للأزمة، بل هناك صراع نفوذ واضح على بلد وُضع الحكم فيه على مقاس الغرب، ليحرك من وراء الستار حكومة ضعيفة تدين له بالولاء ولا تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام إلا بإذنه.

في المقابل، لم تتخلف الصين هذه المرة عن مساعدة تونس هي الأخرى، حيث تسلمت تونس يوم الجمعة 03 أفريل 2020 عبر وزارة الدفاع، هبة من جمهورية الصين الشعبية تتمثل في 8040 لباس طبي واقي في إطار المساعدة على مجابهة فيروس كورونا، حسب ما أفادت به سفارة الصين بتونس. هذا دون الحديث عن حجم القروض الدولية التي حصلت عليها تونس خلال هذه الفترة من جهات عدة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. فهل يمكن أن نعد هذا الحجم من الخضوع والخنوع للغرب ولمساعداته المشروطة التي تستثمر في الأزمة لمرحلة ما بعد الكورونا، نجاحا من قبل حكام تونس العاجزين؟ ثم ألا يشمل الحجر الصحي العام المفروض على هذا الشعب الأعزل سفراء الدول الغربية الذين يصولون ويجولون في وزارات السيادة بما يجعل تحركاتهم أخطر من انتشار الوباء نفسه؟

هل تنجح الصين فيما عجزت عنه دول الغرب مجتمعة؟

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي وحتى البلاغات الرسمية الصادرة عن الرئاسة وعن الحكومة مؤخرا بمدح جمهورية الصين الشعبية والثناء على إنسانية حكامها بسبب المساعدات التي أرسلتها إلى عدد من الدول منها بلادنا، كما تحدثت وسائل إعلام عالمية عن منازعة الصين لأمريكا من أجل قيادة العالم وهو ما يجعلنا نطرح تساؤلات لا على الصين كدولة تزاحم باقتصادها رأس الكفر أمريكا، وإنما عن السلامة الذهنية لمن ينتظر من الصين أن تشرف على قيادة هذا العالم.

هذه الدولة مسؤولة عن تفشي الوباء في العالم، أولا بسبب المحافظة على أسباب إنتاج الأوبئة في الثقافة الغذائية لشعبها وثانيا بسبب تعتيمها عن المرض في بداية انتشاره وتكميم أفواه الأطباء الذين دقوا ناقوس الخطر هناك وهو ما يجيز محاسبتها دوليا عن هذه الكارثة التي أنتجتها وصدرتها إلى العالم.

الصين كانت مصدر الموت القادم من الشرق من أيام المغول ونظامها المجرم لم ينفك عنقتل المسلمين الإيجور في تركستان الشرقية ويرتكب في حقهم أبشع المجازر طيلة السنوات الأخيرة، فهل تحول فجأة إلى نظام إنساني بل ملائكي كما يسعى إلى تقديم نفسه؟

هذه الدولة هي التي أدت إلى إغراق سوقنا الداخلية بالسلع الرديئة والمقلدة وهو ما أدى إلى تخريب الصناعات المحلية في العديد من بلاد المسلمين، وإلى اضمحلال الصناعات التقليدية التي كانت تعيش منها عائلات بأكملها في تونس، مما أنتج عجزا فادحا في الميزان التجاري في التعامل مع الصين.

النظام القمعي في الصين، والعبودية التي يعيشها شعبها بأكمله والعمال على وجه خاص أدت إلى إغراق السوق بالعمالة الهشة وزهيدة الثمن وجعلها تستحوذ على الاستثمارات الأجنبية، حيث تقصدها الشركات العابرة للقارات طمعا في الظفر بعبيد بدل العمال لا تلتزم تجاههم هذه الشركات بأي واجبات ولا تمنحهم أي حقوق.

الصين هي أكثر بلد يتعرض فيه الكوكب إلى الضرر بسبب ارتفاع معدلات الانبعاثات الغازية وتملص الدولة من أي التزام باتخاذ تدابير للمساهمة في الحد من هذه الكارثة التي تهددنا جميعا بالفناء.

المجاعات العديدة التي شهدتها البلد أدت كذلك إلى إنتاج ثقافة غذائية تجيز أكل كل أنواع الحيوانات والحشرات وهو ما أدى إلى خلل كبير في التنوع الإيكولوجي وجعل من الصين مصدر كل الأوبئة القاتلة التي شهدها ويشهدها العالم.

لا يوجد إذن أي وجاهة في القول بأن الصين بصدد استلام قيادة العالم من الولايات المتحدة الأمريكية، ولا هي جديرة بذلكأخلاقيا وسياسيا وحضاريا وإن تفوقت علميا وتقنيا، ولكن ما يجعلها تتقدم اليوم على صعيد دولي، فضلا عن امتلاك تقنيات الجيل الخامس هو أنها وروسيا مجمعة مع الغرب على أن نبقى فرائس سهلة لهذه الإمبراطوريات المرعوبة من سيناريو عودة الدولة الإسلامية العالمية، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله.

المهندس وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This