“ذكرت وكالة بلومبيرغ المتخصصة في الشؤون المالية يوم السبت 2019/9/21 أن البنك الفيدرالي الأمريكي ضخ سيولة نقدية لليوم الرابع على التوالي حيث ضخ ما مقداره 75 مليار دولار يوم الجمعة ومثلها يوم الخميس ويوم الأربعاء و53.2 مليار يوم الثلاثاء، أي ما مجموعه 272.2 مليار دولار خلال أربعة أيام فقط، ومن المرشح أن يقدم الفيدرالي على ضخ المزيد يوم الاثنين”.
التعليق:
من المعلوم لدى الاقتصاديين ومن تتبع مثل الحالات التي أقدم فيها الفيدرالي على ضخ الأموال بصيغة الكاش وبشكل متواصل، أن هذه أعمال تسبق الأزمات المالية، وهي محاولات للتخفيف من أثر الأزمات أو العمل على إيقافها. ولكن الحقيقة أنه علاج لم ينجح في السابق، حيث إنه قبيل استفحال الأزمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي كان الفيدرالي قد ضخ حوالي 3 تريليون دولار، ولم تفلح في الحيلولة دون حصول الانهيار. وكان أثر الضخ ذاك، أن تكدست أموال كثيرة جدا دفعت الفيدرالي الأمريكي والأوروبي لاتباع سياسة التيسير الكمي للتخلص من الأموال الفائضة.
والحقيقة التي باتت تلح على العالم يوما بعد يوم أن ثقة المستثمرين الماليين قد وصلت إلى أدنى مستوياتها في أمريكا وأوروبا. فالمستثمرون بدلا من أن يستثمروا في مشاريع ومصالح اقتصادية لزيادة الإنتاج أو تحسينه أو إنتاج بضائع وخدمات جديدة تعزز من قوة الاقتصاد وتمنع الانكماش وتدفع النمو بحيث يواكب النمو الاقتصادي وفرة المال الذي يضخه المركزي والفيدرالي حسب الطلب، بدلا من ذلك يعمد هؤلاء المستثمرون إلى شراء سندات دين حكومية ولو بفائدة سلبية، أي أن المستثمر مستعد أن يخسر نسبة من ماله قد تصل إلى 30% على مدى عشر سنوات بدلا من أن يخسرها جميعها في اقتصاد لا أمل في انتعاشه. ولعل هذه الظاهرة هي أقوى ظاهرة تدل على تردي الاقتصاد في هوة سحيقة.
وفي الوقت نفسه فإن البنوك التجارية والتي تعتبر الركن الأهم في عملية تمويل المشاريع الاقتصادية بشتى أنواعها هي الأخرى تحجم عن الاستثمار في الاقتصاد لما تراه من ضعف شديد وتردٍّ مستمر. فالبنك الفيدرالي شرع بتخفيض سعر الزيادة الربوية على القروض الممنوحة للبنوك، حيث خفض نسبة الربا 50 نقطة على مدى الشهرين الماضيين، وهو مستمر بذلك، من أجل تشجيع البنوك على أخذ القروض وتمويل المشاريع الاقتصادية. وقد وصلت قيمة الزيادة الربوية لدى بعض البنوك المركزية في أوروبا واليابان إلى أقل من صفر، ومن المرشح أن تصل نسبة الربا لدى البنك الفيدرالي إلى الصفر مع نهاية عام 2019.
والجدير بالذكر أن ما قام به الفيدرالي مؤخرا من ضخ سيولة نقدية بلغت أكثر من ربع تريليون دولار خلال أربعة أيام، كانت عبارة عن شراء سندات مالية حكومية، أي بمعنى أنها قروض للخزينة الأمريكية مباشرة، ما يدل على أن البنوك لا تزال عازفة عن المغامرة في اقتصاد خاسر. وأن الفيدرالي والحكومة الأمريكية يعملان للقيام بعمليات قيصرية لإنقاذ المؤسسات الكبرى حين تتردى في الحضيض وتعلن إفلاسها كما حصل في أزمة عام 2008 حيث استعملت الحكومة الأموال التي اقترضتها من الفيدرالي لإنقاذ كبرى المؤسسات مثل شركة التأمين الكبرى IGA وبنك بيرن وستيرنز وشركات السيارات فورد وجنرال موتورز وغيرها، كما استعملها أوباما فيما عرف بحزم التحفيز الاقتصادي أدت بمجملها إلى زيادة حجم الدين الأمريكي، وبالتالي العبء الضريبي على المؤسسات والأفراد.
لم يعد يخفى على أي أحد ما وصل إليه الاقتصادان الأمريكي والأوروبي خصوصا والعالمي عموما سواء أكان عالما في الاقتصاد أو محترفا في السياسة أو إنسانا عاديا يكتوي بنار الضرائب وغلاء الأسعار وتردي الخدمات والتحول إلى شريحة الفقراء أو حتى المعدمين. فالمؤشرات تزداد حدة يوما بعد يوم، وترقب الانهيار بات حديث الساعة لدى المراقبين، وفرص الإنقاذ تزداد شحا يوما بعد يوم. والحلول المطروحة جميعها لا تخرج عن كونها جرعات تهدئة أو تخدير.
إن الاقتصاد الرأسمالي بطبيعته اقتصاد فاسد ومبني على أسس فاسدة، ولا بد لهذا الاقتصاد أن ينهار عاجلا أم آجلا. وقد دخل في غرفة الإنعاش حقيقة، ويتم الإبقاء على حياته بشكل آلي مصطنع، وتقوم البنوك المركزية والحكومات بتغذيته بشكل قسري إلى أن تصبح جميع الأدوات عاجزة عن الإبقاء على وجوده كما ألمح إلى ذلك جيرومي باول مدير البنك الفيدرالي الأمريكي.
لقد انهار من قبل الاقتصاد الاشتراكي الشيوعي وانهار معه صرح الاتحاد السوفياتي، وسارع الاقتصاد الرأسمالي لملء الفراغ الذي نجم عنه الانهيار. وعمدت الصين إلى تغطية نظامها الاشتراكي برأسمالية مقننة لتحمي نفسها من انهيار محقق. ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها أن انهيار الرأسمالية والاقتصاد الرأسمالي سيأخذ معه إلى الهاوية اقتصاد الصين مع اقتصاد أمريكا وأوروبا والدول التي تدور في فلكهم وتتبع نظامهم. ولا بد للعالم من نظام بديل يستطيع الحفاظ على ممتلكات الناس وأموالهم، ويتمكن من تنظيم شؤونهم المالية، وبناء أسس الاقتصاد لديهم. العالم سيكون قريبا في أمس الحاجة إلى نظام اقتصادي ومالي يحقق الاستقرار المالي، ويمنع حدوث الأزمات، ويقضي على شبحها الذي يلاحق البشرية كل حين، ويكون قادرا على تحقيق أعلى درجات العدل في توزيع الثروات وجنيها على حد سواء. ونظام الإسلام هو الوحيد القادر على توفير مثل هذا النظام المالي والاقتصادي. ومن شاء فليرجع لتاريخ الدولة الإسلامية ليرى الحقيقة أمامه ماثلة، ثم ليرجع إلى أساس النظام الفكري وقواعده الرئيسة ليعلم أنه الحق من ربهم.