لا يزال حكام السودان ينتظرون الوعود الأمريكية المكذوبة
الخبر:
قال وزير الخارجية السوداني، إن بلاده في انتظار إيفاء أمريكا برفع العقوبات بحلول تشرين الأول/أكتوبر. ونقل إبراهيم غندور إلى وفد من الكونغرس الأمريكي يزور الخرطوم حاليا، خلال اجتماع عقد الخميس أن السودان “أثبت التزاماً بما تم الاتفاق عليه وأنه سيواصل تعاونه، في انتظار وفاء الجانب الأمريكي برفع العقوبات الاقتصادية في تشرين الأول/أكتوبر المقبل”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، قريب الله خضر، في تصريح، إن لقاء غندور بوفد الكونغرس تناول مسار العلاقات الثنائية بالتركيز على المنجزات التي تحققت على صعيد خطة المسارات الخمسة. وهي شروط وضعتها واشنطن لرفع العقوبات عن الخرطوم، وتشمل تحسين دخول المساعدات الإنسانية، المساعدة في عملية السلام بجنوب السودان، وقف القتال في “إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان”، والتعاون مع وكالات الاستخبارات الأمريكية في مكافحة (الإرهاب) (سودان تربيون).
التعليق:
أذكّر بمقابلة أجرتها صحيفة الشرق الأوسط مع الرئيس البشير، يوم الخميس 28 ربيع الثاني 1438هـ، 26 كانون الثاني/يناير 2017م، العدد (13939)، بخصوص العلاقات السودانية الأمريكية، ومحاولات حكومة السودان، التقرب إلى واشنطن، والتفاني في تنفيذ المطالب الأمريكية، مظنة رفع العقوبات عن الخرطوم، فقد سألت الصحيفة: (فخامتكم، انتهى عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بانفراج فيما يتعلق بالعقوبات… هل تتوقعون في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب استمرار هذا الاتجاه الإيجابي؟)
فكان رد البشير هو (إن رفع العقوبات الأمريكية عن السودان كان وعدًا قديمًا، حيث بدأت المحادثات بشأنه قبل عام 2000، بدأ بشرط واحد ولكن تلته شروط أخرى، فبدأت الطلبات بتوقيع اتفاقية سلام في جنوب السودان، فوقّعنا الاتفاقية، غير أن واشنطن طالبت باتفاقية أخرى في دارفور، والكلام نفسه تكرر بأنه في حالة وقعنا الاتفاقية في دارفور سترفع كل العقوبات، وبالفعل عملنا اتفاقية في دارفور، وجاء وعدهم الثاني أننا لو نفذنا اتفاقية السلام في جنوب السودان، أيضًا، سترفع العقوبات، وهكذا دواليك، وبالتالي إن رفع العقوبات كان وعدًا قديمًا يؤجل كل مرة، عمومًا كانت هناك جهود مستمرة لدعم موقف السودان، من أجل رفع العقوبات عنه، وبدأنا حوارًا جادًّا مع الإدارة الأمريكية السابقة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وأخيرًا تم ذلك، حيث أصدر الرئيس الأمريكي السابق أوباما قرارًا بإلغاء العقوبات جزئيًا عن السودان، علمًا أنها مُررت في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وقناعتنا أنه أزيلت عقبة مهمة جدًا أمام العلاقات السودانية – الأمريكية، وهي إزالة العقوبات من قبل رؤساء أمريكا السابقين، ولكن ما زالت لدينا ملفات مفتوحة مع أمريكا، مثل ملف (الإرهاب)، وهو ملف مهم جدًا تأكدت من خلاله أن السودان لا يؤوي (الإرهاب) ولا يغذيه ولا يموّله، بل إن السودان متعاون جدًا في مكافحة (الإرهاب)، وهناك توقعات بأن الأمور ستمضي نحو الأفضل، في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة).
ثم سألت الصحيفة البشير: هناك خمسة مطالب كشروط لرفع العقوبات، منها ما يتعلق بجنوب السودان ومنها ما يتعلق بجيش الرب؟… فأجاب البشير: (بالفعل كانت هناك خمسة محاور لرفع العقوبات، والسودان أوفى بذلك، منها توقيع اتفاقية السلام في جنوب السودان وكنّا قد أوفينا بها، وكل العالم والدول المجاورة تعلم أن لدينا جهودًا كبيرة جدًا ومحاولة للعمل على استقرار جنوب السودان، العامل الثاني هو أننا أكدنا أنه ليست لدينا علاقة بجيش الرب بل حتى الأوغنديون أنفسهم أكدوا ذلك، فلا وجود لجيش الرب في السودان ولا ندعمه بأي شكل. على صعيد العامل الثالث المعني بقضية السلام في السودان، كنا قد نفذنا الاتفاقيات كاملة، فيما يتعلق بالمنطقتين في جنوب كردفان وفي منطقة النيل الأزرق… وبالتالي تبقى كل الملفات أمام الإدارة الأمريكية مستوفية الشروط، بما فيها ملف (الإرهاب)، مع تأكيدها على أن هذا الملف لم يكن به مشكلة أصل)!! فهل أدرك البشير حديث الرسول r: «فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ»
ثم ذهب البشير يكشف علاقة أمريكا بملف الجنوب حينما أجاب عن سؤال: متى بدأت الاتصالات السودانية – الأمريكية بهذا الشأن وأين؟ فاعترف قائلاً: (بدأت هذه الاتصالات منذ أن توسطت أمريكا لاتفاقية السلام في جنوب السودان، وكان مبعوث الرئيس الأمريكي وقتها السيناتور جون دانفورث، وهو الذي تابع معنا كل الاتصالات والمقابلات في ذلك الوقت والتي توصلنا بموجبها إلى التعاون مع دول (إيقاد)، وآخرين إلى اتفاقية السلام الشامل، فكانت هذه الاتصالات الأولى والتي بموجبها أعطونا أول وعد، بـ”روشتة” محددة جدًا، وبعد أن وقعنا هذه الاتفاقية، وعدونا بإزالة جميع العقبات أمام العلاقات الثنائية. وبعد المبعوث الأمريكي جون دانفورث جاء روبرت زوليك الذي كان رئيس البنك الدولي ونائبًا لوزير الخارجية، وجاء بعده آخرون وواصلوا معنا لفترة في الاتجاه نفسه، من بينهم الجنرال اسكوت غرايشون، وبرنستون ليمان، وأخيرًا دونالد بوث).
إذن، إن الإملاءات الأمريكية على السودان واضحة، من خلال مواقف الإدارات الأمريكية في تعامها مع قضايا السودان، حيث ترغب هذه الإدارات في تنفيذ الحكومة كل المطلوب دون جزرة موعودة بها، (وتسويفات) يسيل لها لعاب طاقم الحكم في الخرطوم. ولكن مواقف الحكومة السودانية و(عشمها) في تحقيق تقدم في مسار العلاقات الثنائية، لا يزال قائماً رغم اعتراف البشير بمراوغات أمريكا، وغشها، وخداعها لهم، وذلك لأن النظام الحاكم في الخرطوم، يغض الطرف عن واقع أمريكا المخادع، وغير مستعد لسماع قول المولى عز وجل: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾.
يعقوب إبراهيم – الخرطوم