لعبة “الحوت الأزرق”: المسؤولية والمعالجات…

لعبة “الحوت الأزرق”: المسؤولية والمعالجات…

لقد نتج عن التطور التكنولوجي الذي يشهده عالمنا المعاصر أجهزة وألعاباً مختلفة، أصبحت في متناول أوساط اجتماعية عديدة، وبخاصة الأطفال والمراهقين، وقد حرصت أسر عديدة على توفير هذه الألعاب الالكترونية لأبنائهم، وأصبح استعمال هذه الأجهزة الإلكترونية الذكية، أو كاد يصبحُ، لدى أغلب الناس؛ أطفالاً وفتياناً وبالغين، حاجةً أو عادةً، كالطعام والشراب، لا يمكن الاستغناء عنه يوماً من الأيام. وإن كان لهذه الأجهزة الإلكترونية إيجابيات من شأنها تقريب المسافات فيما بين الناس، وإحداث نقلة هائلة في التواصل الاجتماعي البشري، وثورة كبيرة في استخدام وتكييف وتطوير المعلومات، وغير ذلك، فهي أيضاً لها سلبيات ومخاطر ليست بالقليلة، منها ما انتشر بين الأطفال من ألعاب التحدي مثل “لعبة الحوت الأزرق”.

ويرجع بداية انتشار هذه اللعبة في روسيا حيث تسببت في وفاة أكثر من مئة طفل قبل أن تغزو باقي العالم، وتشق طريقها عبر تطبيقات على الهواتف الجوالة ومواقع التواصل الاجتماعي في عدد من الدول العربية حيث أدت إلى تسجيل حالات وفاة في الجزائر والكويت والسعودية. وتلقى لعبة “الحوت الأزرق” في تونس رواجا متزايدا بين الأطفال والمراهقين وتسببت بحسب إحصاءات غير حكومية، في انتحار 10 أطفال من بينهم أربع حالات خلال الشهر الجاري. وكانت آخر تلك الحالات عندما عثر على طفل يبلغ من العمر ثماني سنوات مشنوقا في ولاية مدنين جنوب البلاد.

لعبة الحوت الأزرق هي تطبيق يُحمّل على أجهزة الهواتف الذكية وتتكون من 50 مهمة، تستهدف المراهقين بين 12 و16 عاماً، وبعد أن يقوم المراهق بالتسجيل لخوض التحدي، يُطلب منه نقش الرمز التالي “F57” أو رسم الحوت الأزرق على الذراع بأداة حادة، ومن ثم إرسال صورة للمسؤول للتأكد من أن الشخص قد دخل في اللعبة فعلاً. بعد ذلك يُعطى الشخص أمراً بالاستيقاظ في وقت مبكر جداً،  ليصل إليه مقطع فيديو مصحوب بموسيقى غريبة تضعه في حالة نفسية كئيبة. وتستمر المهمات التي تشمل مشاهدة أفلام رعب والصعود إلى سطح المنزل أو الجسر بهدف التغلب على الخوف.

وفي منتصف المهمات، على الشخص محادثة أحد المسئولين عن اللعبة لكسب الثقة والتحول إلى “حوت أزرق”، وبعد كسب الثقة يُطلب من الشخص ألا يكلم أحداً بعد ذلك، ويستمر في التسبب بجروح لنفسه مع مشاهدة أفلام الرعب، إلى أن يصل اليوم الخمسون، الذي يٌطلب فيه منه الانتحار إما بالقفز من النافذة أو الشنق.

و حقيقة هذه اللعبة أنها تطبيق لقرصنة جهاز الهاتف الجوال دون أن يعلم الطفل بذلك فيستطيع الشخص الذي قرصن الهاتف من تشغيل الكاميرا الأمامية أو الخلفية  أو من تشغيل جهاز تسجيل الصوت دون أن يشعر بذلك صاحب الهاتف ودون أن يضيء الهاتف، فيلتقط له صور في أوضاع مختلفة ويسجل ما يدور بينه و بين عائلته، ثم من بعد ذلك يستعمل هذه المعلومات الشخصية ليرعب الطفل ويقنعه بأنه قريب منه ويسمعه ويراه حتى وهو مقفل على نفسه غرفة نومه، فإذا فكر في الإنسحاب لا يُسمح له بذلك، وإن حاول أحدهم فعل ذلك فإن المسؤولين عن اللعبة يهددون الشخص الذي على وشك الانسحاب ويبتزونه بالمعلومات التي حصلوا عليها. ويهدد القائمون على اللعبة المشاركين الذين يفكرون في الانسحاب بقتلهم مع أفراد عائلاتهم، وأغلب الأطفال الذين انتحروا كانوا يعتقدون أنهم يحمون أفراد عائلتهم من القتل. فما هي أسباب هذه الظاهرة؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وما هي طرق العلاج؟

1/ مسؤولية الآباء و المربين و المدرسين

كما أسلفنا فسبب الإنتحار هو الجهل بقرصنة الهاتف و اعتقاد الطفل بأن الذي يأمره وينهاه بإمكانه فعلا قتل أفراد عائلته إن هو انسحب من اللعبة والسيطرة عليه خلال أيام اللعبة و جعله كئيبا يائسا من الحياة من خلال أفلام الرعب والموسيقى الغريبة، فواجب الأولياء والمربين بصفة عامة شرح هذه المسائل لأبنائنا، وبهذا سيزال كل الخوف الغير مبرر الذي يصيب من تورط في هذه اللعبة، ويقتل الفضول لدى من يريد أن يدخل في هذه اللعبة وخاصة إذا علم أن مجرد تنزيل اللعبة على الهاتف هو إعطاء فرصة للغرباء بأن يتجسسوا عليه وسرقة صوره ومعلوماته الشخصية.

ومن وسائل العلاج والحلول المقترحة لهذه المشكلة ومشكلة إدمان الأبناء على استعمال الأجهزة الإلكترونية بصفة عامة، توفير بدائل لتلك الأجهزة وذلك بمحاولة اللعب مع الأبناء، وملء فراغهم بما ينفعهم من حفظ بعض آيات القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وكذا قصص الأنبياء والسابقين، وكذا اصطحابهم إلى المساجد، ففي سنن أبي داود قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم”مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ”

ومن المعلوم أنَّ السلوك نِتَاجُ تَفَاعُلٍ بين الأفكار والمشاعر، بين المفاهيم والميول، فإذا أحسن الوالدين إصلاح الأفكار والمشاعر، أصلحا السلوك حتما، فبدلا من إصلاح هذا السلوك أو ذاك أصلح ما وراء السلوك من مفاهيم وميول، وقبل أن تصلح مفاهيم ابنك وميوله أصلح مفاهيمك وميولك أنت لأنك قدوة لابنك وما يراه فيك يتشربه. فإذا كانت المفاهيم والميول (الأفكار والمشاعر) تصدر من الإسلام كانت الشخصية شخصية إسلامية مميزة، ترى هذا السلوك جيد فتحبه وترى هذا السلوك سيء فتكرهه. لماذا؟ لأنها اتخذت الإسلام مصدرا للحكم على السلوك بالحلال والحرام، كما اتخذت الإسلام مصدرا للحب والكراهية، فما أمر به الإسلام يجب أن تحبه، حتى لو كرهته أو أصابك ضرر منه.قال تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، وما حرمه الإسلام يجب أن تكرهه حتى لو كان فيه بعض الفائدة. قال تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيمها إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما اكبر من نفعهما)

ولهذا يجب التحكم بالمشاعر وتوجيهها الاتجاه الصحيح المنضبط بأحكام الإسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به” ومن هنا وجب على الوالدين أن تكون أفكارهما ومشاعرهما ومفاهيمها وميولهما صادرة عن الإسلام وأحكامه حتى يعرف الطفل ما الذي يرضيهما وما الذي يغضبهما فيحسن التعامل معهما.

2/ مسؤولية الدولة وواجباتها

قد يتساءل البعض ما هي مسؤولية الدولة في كل ما يجري؟ وللإجابة أذكر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قَالَ:” كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ” وقوله لأبي ذر الغفاري عندما سأله الإمارة:” إنَّها أمانة و إنَّها يوم القيامة خزيٌ وندامة إلا من أخذها بحقّها” ولا يتصوّر عاقل أن حكام المسلمين قد أخذوها بحقّها، فلا بيعة شرعية على الكتاب والسنة و لا هم يهتمون برعاية شؤون رعاياهم إلا بالحدّ الأدنى الذي يسمح به صندوق النقد الدولي وما يسمح لهم بالبقاء على عروشهم، دأبهم حرب على الله و رسوله وعلى كل حامل دعوة أو متدين، سياستهم فصلٌ للدين عن الحياة، اقتصادهم قروض ربوية، نظام تعليمهم تمييع للناشئة و إبعادهم على العقيدة الإسلامية كي ينشأ جيل يسهل قيادته جيل لا يفكر، جيل مقاد غير قائد، جيل يتبع كل ناعق، فمن عبدة الشيطان مرورا بالهجرة السرية التي غدت حلم العديد من شباب الأمة وصولا إلى ظاهرة الانتحار.

وكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب.. فماذا يتوقع من نظام تعليم لا يسعى إلى تحقيق القيم الأربعة التي تبنى عليها شخصية الطفل؟  ألا وهي القيمة الروحية والقيمة الإنسانية والقيمة الأخلاقية والقيمة المادية، فنظام التعليم في بلادنا لا يعطي اهتماما إلا للقيمة المادية و يهمل باقي القيم وخاصة القيمة الروحية لدى الناشئة، فمن قبيل الذكر لا الحصر: مُنِعَ تخصيص أماكن للصلاة داخل المؤسسات التربوية وكأنّ الصلاة خطر على أبنائنا، بينما وقع التخفيف من عقوبة استهلاك المخدرات رأفة بهم.. يا للعجب؟ (حتى المؤسسات الحكومية لماذا لا يسمح بإنشاء أماكن للصلاة بداخلها؟ أليست الصلاة هي معراج المسلم إلى ربّه؟)

فإذا قضت الدولة من خلال إعلامها و نظام تعليمها على كل قيمة روحية لدى الناشئة، ألا يمكن اعتبارها هي المسؤولة الأولى على الفراغ الروحي الذي يعاني منه أبنائنا، و لجوئهم إلى الإنتحار؟ فبالتالي لا يرجى الدواء من أصل الداء فالدولة التي تفصل الدين عن الحياة لا يمكن لها أن تحدّ من هذه الظاهرة و لا أن تحقق القيمة الروحية الضرورية القادرة على وقاية أبنائنا، فبالتالي الواجب على المسلمين العمل على إيجاد الدولة التي أمرهم الله عزّ و جل بإقامتها، الدولة التي تقوم على أساس العقيدة الإسلامية، فتحقق بذلك التوازن بين القيم الأربعة في شخصية أبنائنا ليكونوا شخصيات إسلامية قادرة على القيادة ولن يكون ذلك إلا تحت ظلّ الخلافة الراشدة الثانية التي وعدنا بها الله و بشّرنا بها نبيّنا صلى الله عليه وسلّم.

فريد سعد

CATEGORIES
TAGS
Share This