أعلنت الرئاسة الجزائرية يوم 24\8\2020 أنه تم تحديد الأول من تشرين الثاني\نوفمبر موعدا لإجراء استفتاء على تعديلات دستورية جديدة للبلاد في اتفاق بين رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وبين رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي. وكانت الحكومة قد نشرت مسودة للدستور بتعديلاته الجديدة صدرت في تاريخ سابق من هذا العام تتضمن منح مزيد من الصلاحيات للوزراء والبرلمان في الحكم. وتقول الحكومة إن المسودة أبقت على فترات الرئاسة قاصرة على عهدتين فقط، واستحداث نائب رئيس جمهورية، وتعزيز مركز رئيس الحكومة وتعويض المجلس الدستوري بمنصب المحكمة الدستورية وتحديد العهدة البرلمانية وإلغاء حق التشريع بأوامر خلال العطل البرلمانية والحفاظ على حق التشريع خلال مدة شغور المجلس.
تعديلات شكلية على مقاس الشرعة الدولية الاستعمارية
إن أول دستور وضع للجزائر في عهد أحمد بن بلا عام 1963 على أساس دستور وأفكار المستعمر الفرنسي، جاء من بعده هواري بومدين ليقوم بتعديلات جديدة عام 1976. وأتى من بعده الشاذلي بن جديد فقام بإجراء تعديلات عام 1989. وبعد انقلاب العسكر الغاشم وفي عهد ليامين زروال حصلت تعديلات دستورية عام 1996. وفي عهد عبد العزيز بوتفليقة حصلت تعديلات دستورية في أعوام 2002 و 2008 و2016. والآن وفي عام 2020 يجري تعديل جديد للدستور.
فالتعديلات دائما لا تمس أساس كيان الدولة المبني على فكرة فصل الدين عن الحياة وهي العلمانية ومنها الديمقراطية، والدستور الموضوع المستند إليها، وطبيعة النظام السياسي، والنظم الأخرى من حكم واقتصاد وتعليم وقضاء ونظام اجتماعي ونظام عقوبات وسياسات خارجية وداخلية وحربية وأمنية وصناعية. فكثيرا ما تكون التعديلات تتعلق بتحديد فترات رئاسية وبرلمانية أو عدم تحديدها، زيادة صلاحيات لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة أو تقليصها، إعطاء مزيد من الحريات السياسية للناس أو تقليصها، وموافقة كل ذلك للمواثيق والقوانين الدولية وحقوق الإنسان والديمقراطية وعدم موافقتها. إذ جعلت هذه التي تسمى دولية وهي شرعة الكفر الغربية مقياسا ونيلا لرضوان قوى الكفر الغربية من دول ومؤسسات وشركات وتنظيمات ووسائل إعلام ومفكرين وساسة غربيين.
إن جوهر المشكلة لا يكمن في مدة ولاية الحاكم إثنتين أو أكثر، ولا يكمن في الحد من صلاحيات الرئيس أو منح صلاحيات أكثر لرئيس الوزراء وللبرلمان. ولا تكمن في تغيير الوجوه الفاسدة، والإتيان بوجوه جديدة لم يظهر فسادها بعد. فكم تغيرت وجوه في الجزائر من رؤساء ووزراء ومسؤولين منذ رحيل المستعمر الفرنسي خلال ستة عقود تقريبا، وكانت مدد توليهم للمناصب بين القصيرة والمتوسطة والطويلة، وبأيديهم صلاحيات واسعة أو قصيرة فهل تحسن وضع الجزائر ووضع أهلها؟! هل نهض البلد؟ هل أصبحت دولة كبرى تحمل رسالة عالمية؟ الإجابة على كل سؤال لا، وألف لا.
إن جوهر المشكلة يكمن في الفكرة التي يقوم عليها الحكم والنظام الذي يطبقه الحاكم والسياسة التي تتبعها الدولة. فالدولة تنشأ من فكرة يعتنقها الناس، إذ إن الدولة جهاز تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي يتبناها الناس. وهذه تنبع من الفكرة الكلية للكون والإنسان والحياة وعما قبلها وعما بعدها وعلاقتها بما قبلها وبما بعدها. فتتكون مفاهيم الناس ومقاييسهم وقناعاتهم على أساسها وتنبع منها. فهي العقيدة التي ينبثق عنها النظام، وهي القاعدة الفكرية التي تبنى عليها الأفكار وتتشكل بها المفاهيم، وهي وجهة النظر في الحياة التي ينظر الناس من زاويتها إلى الأمور والأحداث، فيفهموا ما يجري في الداخل والخارج من خلالها، وهي القيادة الفكرية التي ينقاد لها الناس، فلا توجد عبادة للأشخاص ولا تأليه لهم ولا اتباع لزعاماتهم وإنما اتباع للفكر وحمل الناس على الانقياد لهذا الفكر.
يا رئيس عبد المجيد تبون ويا وزراء ومسؤولين ويا ناس مطالبين بتغيير الوجوه وتقليص صلاحيات الرئيس وتوسيع صلاحيات وزراء وبرلمانيين! ألم تدركوا بعد من خلال تجارب ممارسة الحكم مدة ستة عقود عندكم أن أصل المشكلة وجوهرها ليس في ذلك؟! ألا تدرسوا الواقع وطبيعة الحكم ومعنى الدولة بعمق واستنارة؟ ألا تدرسوا تاريخ الجزائر قبل الاستعمار الغاشم منذ أن أنار الإسلام البلد ونهض به وأسعد البشر؟
أنسيتم إرثكم التشريعي العظيم؟
الغريب أن لدى أهل الجزائر والمسلمين عامة نطام حكم عريق في تراثهم الفكري وتجربة ناجحة في التاريخ وثمرات يانعة جراء تطبيق النظام النابع من عقيدتهم ولا يرجعون إلى ذلك ويصرون على اتباع دساتير من مخلفات الاستعمار الذي حاربوه عسكريا ولم يحاربوه فكريا وثقافيا وسياسيا، بل أخذوا ما عنده، فخضعوا لسياساته وإملاءاته وتوجيهاته! فالتحرير ليس طرد المستعمر عسكريا فقط، وإنما عسكريا وسياسيا وفكريا وثقافيا واقتصاديا وكل ما يمت للاستعمار من قريب أو بعيد، وقطع كل الحبال معه، وهو الذي ذبح الملايين من أهل الجزائر المسلمين ونهب ثرواتهم وخرب بلادهم فكيف تبقى صلة واحدة معه؟ بل إن غريزة البقاء تدعو للانتقام منه، وإن العقل والقانون أي قانون يدعو للاقتصاص منه ومحاسبته على كل جرائمه! وإن الدين الحق يدعو لذلك وأكثر، فيدعو للفتح وتحرير فرنسا نفسها من عقلية الاستعمار النابعة من وجهة النظر إلى الحياة عند الفرنسسن وهي مستندة إلى عقيدة فصل الدين عن الحياة الباطلة وهي أساس المبدأ الرأسمالي الذي من طريقته ومن أهدافه الاستعمار، ولن يتخلى الفرنسيون والغربيون عن الاستعمار ما داموا يعتنقون هذا المبدأ! فجوهر المشكلة في إسقاط هذا المبدأ وتحرير أهل فرنسا وغيرهم منه فعندئذ تتحق الحماية للجزائر، إذ إن أرضهم لا تغزى بل هم في أراضي الغير ليحرروا شعوبها من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ظلم الأديان والمبادئ الباطلة إلى عدل الإسلام ومن شقاء الدنيا والعهر والفسق والفجور السائد في بلادهم إلى سعادة الدنيا والآخرة وإلى الطهر والعفاف..
دستور علماني ديمقراطي
فأصل الدستور في الجزائر غربي وغريب عن الأمة ودينها، فمثلا ورد في المادة رقم 1: الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية، والمادة رقم 6: الشعب مصدر كل سلطة والسيادة الوطنية ملك للشعب وحده، والمادة رقم 8: المحافظة على الاستقلال الوطني وعلى الهوية والوحدة الوطنية وحماية الحريات الأساسية، والمادة :14 تقوم الدولة على مبادئ التنظيم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، والمادة رقم 25: المهمة الدائمة للجيش الوطني المحافظة على الاستقلال الوطني والدفاع عن السيادة الموطنية، والمادة رقم 26: تمتنع الجزائر على اللجوء إلى الحرب من المساس بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحريتها، والمادة رقم 27: الجزائر متضامنة مع جميع الشعوب التي تكافح من أجل التحرر السياسي والاقتصادي والحق في تقرير المصير، والمادة رقم 28 : تعمل الجزائر من أجل دعم التعاون الدولي .. وعدم التدخل في الشؤون الداخلية (للدول) وتتبنى ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه، والمادة رقم 32 الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة، والمادة رقم :36 لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي، والمادة 41: حريات التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة للمواطن، والمادة 42: حق إنشاء الأحزاء السياسية معترف به ومضمون.. ولا يجوز تأسيس تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني..
فهذا كله مخالف للإسلام, فالنظام الجمهوري يخالف نظام الخلافة في الإسلام, والديمقراطية تعني السيادة للشعب أي هو المشرع، وفي الإسلام السيادة للشرع، فالدولة تتبنى أحكاما شرعية مستنبطة من القرآن والسنة فتلزم الناس بها فتصبح قوانين شرعية. والاستقلال الوطني مخالف للإسلام فالجزائر جزء لا يتجزأ من البلاد الإسلامية فلا يجوز أن تستقل عنها في حدود تسمى وطنية ويجب أن تشكل مع البلاد الإسلامية الأخرى دولة واحدة بدون حدود واستقلال وطني! ومهمة الجيش حماية البلاد الإسلامية والجهاد وفتح بلاد الكفر لنشر الإسلام، فلا تتوقف الدول عن حمل رسالة الإسلام للشعوب الأخرى والعمل على إلحاق الشعوب الأخرى بالدولة وليس إعطاء حق تقرير المصير، ولا تدخل الأمم المتحدة ولا تلتزم بشرعتها وقوانينها مواثيقها التي تسمى دولية فكلها قوانين وتشريعات ومواثيق المستعمر الغربي. والحريات الإساسية مخالفة للإسلام، فالإنسان عبد لله فيجب عليه الخضوع لأوامر الله والانتهاء عن نواهيه، وحقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة تستند إلى الحريات الأساسية التي تخالف الإسلام وقد أقر للناس حقوقا وألزمهم بواجبات شرعية. فلا توجد في الإسلام حرية المعتقد فمن يرتد يستتاب من قبل الدولة أو يقتل إن لم يتب ويرجع إلى دنيه، ولا توجد حرية رأي وإنما يتكلم الإنسان ويدلي برأيه من زاوية العقيدة الإسلامية. وأي حزب أو تجمع يؤسس يجب أن يستند للإسلام وأفكاره إسلامية واجتهاداته شرعية.
فلم يرد ما يتعلق بالإسلام إلا في مادتين، في مادة رقم 2: “الإسلام دين الدولة”. وهذه المادة لا تعني أن الدولة تستند إلى الدين، بل كل المواد الدستورية كما هي ورد في الدستور الجزائري تخالف الإسلام. فعبارة الإسلام دين الدولة ترد في معظم دساتير الدول القائمة في العالم الإسلامي وهي تعني إحياء المناسبات الدينية من أعياد وإشراف على المساجد ودور العبادة وغير ذلك من الشكليات، وإقامة مراسم وشعائر دينية معينة. ففي دستور مصر وتونس وليبيا والمغرب وإيران وسوريا والأردن والعراق والسعودية والباكستان وغيرها تكتب هذه المادة في دساتيرها ولكن الدولة لا تستند إلى الإسلام والدستور لا يستنبط من الكتاب والسنة بل مخالف للإسلام ومأخوذ من الدساتير الغربية.
وقد ورد موقع آخر ما يتعلق بالإسلام في قسم رئيس الجمهورية فيقول: “أقسم بالله العظيم أن أحترم الدين الإسلامي وأمجده، وأدافع عن الدستور وأسهر على استمرارية الدولة وأعمل على توفير الشروط اللازمة للسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري وأسعى من أجل تدعيم المسار الديمقراطي، وأحترم حرية اختيار الشعب، ومؤسسات الجمهورية وقوانينها، وأحافظ على سلامة التراب الوطني، ووحدة الشعب والأمة، وأحمي الحريات والحقوق الأساسية للإنسان والمواطن، وأعمل بدون هوادة من أجل تطور الشعب وازدهاره وأسعى بكل قواي في سبيل تحقيق المثل العليا للعدالة والحرية والسلم في العالم. والله على ما أقول شهيد”.
فهو يقسم بالله على احترام الإسلام وتمجيديه دون تطبيقه والعمل به وله، فلا يطبق التشريعات الإسلامية ولا يقيم الأنظمة الإسلامية من حكم واقتصاد وتعليم واجتماع وقضاء وعقوبات وسياسات داخلية وخارجية وحربية إسلامية. بل يقسم بالله على أن يطبق ما هو مخالف للإسلام من مواد دستورية كما وردت في الدستور من ديمقراطية وحريات اساسية ومؤسسات جمهورية وقوانينها ومن وطنية تجعل الجزائر مستقلا عن البلاد الإسلامية واتباع لشرعة الأمم المتحدة. ومن ثم يشهد الله على ما يقول!! فذلك تناقض صريح ومخالفة صريحة للإسلام.
إن دستور الجزائر في أساسه وفي مواده السيادية لم يتغير كما على شكله المستورد من المستعمر الذي طرد عسكريا وقبل فكريا وسياسيا من قبل ثلة تتحكم في البلد وتتبع المستعمر وتفرض على الناس هذا الدستور، وأكثر ما تفعله هو تعديلات لا تغني ولا تسمن من جوع. فجرت تعديلات وستجري تعديلات أخرى لا تمس الأساس، ويبقى الأساس على ما هو فالمشكلة قائمة والأزمة مستمرة والقلق دائم والظلم قائم والشقاء والفقر متفش ومتجذر رغم غنى البلد بثرواته. فكلها خداع للشعب وإسكات لاحتجاجاته لمدة زمنية ومسكنات لغضبه وسخطه على الأوضاع المزرية القائمة، فهي كحبوب المسكن التي يعطيها الطبيب للمريض. فالاحتجاجات والمظاهرات لا تكفي، فيدور الناس في دائرة مغلقة، يعودون إلى النقطة التي انطلقوا منها دون أن يحققوا شيئا يذكر. فيجب أن يدركوا جوهر المشكلة.
جوهر المشكلة
إن جوهر المشكلة يكمن في أساس الدستور والفكرة التي قامت عليها الدولة وعليها تستند عقلية الحكام الذين يتداولون السلطة من فاسد إلى أفسد منه، فهي تخالف فكرة أهل الجزائر المسلمين وتخالف مفاهيمهم ومقاييسهم وقناعاتهم الإسلامية، فيجب رمي هذا الدستور وراء البحر على الضفة الشمالية من حيث أتى من المستعمر الفرنسي، ووضع دستور إسلامي، مثلما طرحه حز ب التحر ير دستورا إسلاميا مستبنطا من الكتاب والسنة، وبذلك يحدث في البلد تغيير جذري وانقلاب حقيقي ونهضة صحيحة، ويحكم البلد رجال دولة شرفاء مخلصون صادقون واعون قادرون متوضؤون ذاكراين الله كثيرا. وبذلك تتغير أحوال البلاد والعباد إلى الأفضل ويعمها الخير والبركة والأمن والأمان، فيهنأ الناس في ظل شجرة الإسلام الوارفة التي تعطي ثمارا يانعة طيبة، وتجعل الجزائر نقطة ارتكاز لتوحيد الأمة الإسلامية وباقي البلاد الإسلامية في دولة واحدة في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.