لماذا الحرص على ربط العلاقات مع نظام سوريا؟

لماذا الحرص على ربط العلاقات مع نظام سوريا؟

انطلقت من تونس ثورة عارمة أطاحت ببن علي، وكانت بحقّ ثورة على النّظام، إذ لم تهدأ بمجرّد رحيل بن علي وواصل النّاس ثورتهم على بقايا نظام بن علي، ثمّ ما لبثت أن انتقلت شرارة الثّورة إلى باقي البلاد الإسلاميّ، فكانت بحقّ ثورة أمّة، وصار بنيان المستعمر الذي أسّسه منذ أكثر من قرن من الزّمان يتهاوى وينذر بالانهيار، ولهذا اندفعت القوى الدّوليّة الاستعماريّة من أجل إجهاض حركة الأمّة التي بدأت تُنذر بتحرّر حقيقي خاصّة حين وصلت الثّورة إلى الشّام حيث تبلور شعارُها الذي بدأ في تونس (الشّعب يريد إسقاط النّظام) وانتهى في سوريا بـ(هي لله هي لله، والأمّة تريد خلافة من جديد) وهو الشّعار الذي شغل الدّوائر الاستعماريّة وجعل حركاتهم لا تهدأ من أجل قتل الثّورة في مهدها لا في تونس فحسب بل في كلّ بلاد المسلمين، وخاصّة في الشّام، ومن أبرز الأدلّة على ذلك سعي الغرب بقيادة أمريكا على تثبيت أركان بّشّار طاغية الشّام وقاتل أهلها، وإعادته إلى ما يُسمّونه النّظام الرّسمي العربي وممثّلته الجامعة العربيّة، وبالفعل فقد سار حكّام العرب جميعهم إلى إعادة العلاقات مع طاغية الشّام ومن هؤلاء النّظام في تونس بعد مجيء قيس سعيّد الذي أعلنها صراحة في أكثر من مناسبة أنّ قطع العلاقات مع بشّار كان خطأ ولا بدّ من تدارُكه،ولم يكن كلام الرّئيس مجرّد تصريحات بل كانت جزء من مسعى حثيث حرصوا على إنفاذه، فأعيد فتح سفارة سوريا في تونس، ثمّ تتالت اللقاءات بمسؤولين من سوريا ومن ذلك اجتماع رئيس مجلس النواب إبراهيم بودربالة يوم الأربعاء27/03/2024 بمقرّ مجلس النّوّاب بمحمد محمد، سفير سوريا بتونس، ليؤكّد موقف تونس الدّاعم لعودة سوريا إلى محيطها العربي، زاعما أهميّة استعادة دور سوريا في جامعة الدول العربية.

فما هي أهميّة عودة سوريا ومجرمها بشّار إلى المحيط العربيّ؟

يزعُمُ النّظام في تونس أنّ أمن سوريا واستقرارها هو دعامة لأمن واستقرار المنطقة بأكملها، وفي هذا السّياق لا ينسى إبراهيم بو دربالة أن يُعلن دعم حقّ سوريا المشروع في استعادة هضبة الجولان السورية التي يحتلّها كيان يهود الصّهيونيّ والقضاء على بؤر الإرهاب المتبقية.

هذا هو المعلن، في تصريحات لا ينفكّ كلّ رئيس أو مسؤول يكرّرها منذ الهالك بورقيبة، ويعلم الجميع أنّها مجرّد تصريحات. تُقال لتُنسى ولا أثر للجدّيّة فيها، فلا حاكم سوريا يُفكّر جدّيّا في الجولان أو استعادتها بل لا يخطر له على بال، وكيف يخطر على البال والجولان سلّمها المقبور حافظ الأسد، وكيف تدعم تونس مجرم سوريا في استعادة سوريا؟

أمّا الحقيقة فإنّ التّطبيع مع نظام بشّار وإعادته إلى النّظام الرّسمي العربي إنّما هو مخطّط غربيّ استعماريّ من أجل قتل الثّورة وإعلان موتها، وبيان ذلك فيما يلي:

منذ بداية الثورة في تونس ووصولها إلى سوريا كانت استراتيجية الغرب بزعامة أمريكا قائمة على تحقيق هدفين كخطة غربيّة لقتل الثّورة واضحة وهما:

  • عدم سقوط النظام كنظام وليس الأشخاص.

  • والثاني إفشال الثورة بمحاصرتها أوّلا،

فقد حرصت القوى الدّوليّة في تونس كما في سوريا على بقاء الدّيمقراطيّة والتبعيّة للنّظام الدّولي، كما حرصوا على عدم التحام شعوب المسلمين في ثورتهم الواحدة على النّظام الغربي الاستعماري الذي أسقط دولتهم وفكّك بلادهم إلى أجزاء كثيرة.   فانحصرت الثورة في حدود كلّ بلد وضرب جدار حديدي على كلّ بلد ففي تونس مثلا جعلت مراقبة الحدود بيد الغرب ويعلم الجميع تدخّل أمريكا وأوروبا في تركيز نظام مراقبة حدودي اليكتروني على حدود تونس الغربيّة والشّرقيّة، أمّا سوريا فحوصرت حصارا من كلّ جهة حتّى لا تواصل الثّورة امتدادهاومنعت أمريكا سقوط النظام بحكم عمالته لها ودوره القذر في المنطقة، وقد كان على وشك السقوط لولا التدخل الروسي والإيراني والتركي والمليشيات أمريكياً. إذ اتفقت أمريكا مع روسيا على إنقاذ النظام بشهادة “أندرو إكسوم” مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في محاضرة مسجلة أمام الكونغرس: حيث قال: “في عام 2015 شعرنا بالقلق من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، فاتصلنا ونسقنا مع الروس للتدخل في سوريا لحماية النظام لأن سقوطه يشكل خطراً على أمن (إسرائيل)”.

وهكذا عملت أمريكا على الحفاظ على النظام السوري بشكل منقطع النظير وتركت دور احتواء المعارضة بالمال السياسي القذر والمفاوضات وشراء الذمم والتبعية لدول الجوار بشكل يجعل هذه المعارضة تتقبل الحل السياسي من خلال إجراء عملية تجميلية بتغييرات شكلية دون المساس بالنظام، ونجحت في هذا المسعى، وأدت كل أدوات أمريكا الدور المرسوم لها بشكل قذر حتى بات النظام السوري مستقرا نوعا ما واختفت المخاطر الوجودية له من خلال سياسة أمريكية طويلة الأمد منذ بداية الثورة.

وكان من خطّة أمريكا إعادة سوريا إلى الجامعة العربية واستعادة دورها. فسارع حكّام العرب جميعهم إلى الامتثال إلى الرّغبة الأوروبيّة الأمريكيّة ومنهم نظام تونس، بما يعني أنّ العلاقات الودّيّة مع نظام سوريا هو في الحقيقة خطوة غربيّة من أجل القضاء على الثّورة، وما هرولة قيس سعيّد وإبراهيم بودربالة إلى التطبيع من نظام بشّار إلّا انخراطا في خطّة غربيّة استعماريّة ماكرة هدفها الأساس قتل الثّورة، وإطفاء جذوتها.

لماذا يحرص الرئيس سعيّد وجماعته على تطبيع العلاقات مع بشّار الأسد؟

للجواب على هذا السؤال، لا بدّ من معرفة ماذا يعني التّطبيع مع بشّار؟

  • التّطبيع مع بشّار يعني الرّضابنظام البراميل المتفجّرة، على ما اقترفت يداه من اغتصاب للأعراض وقتل للأبرياء وهدم للمساجد والبيوت وتهجير أكثر من 12 مليونا وتشريدهم وتعذيب المعتقلين بل دفنهم أحياء.

  • التّطبيع مع نظام بشّار يعني المساهمة في ترسيخ نفوذ الغرب على جزء عزيز من بلاد المسلمين، بما يعنيه من سماح بنهب ثرواته

  • التّطبيع مع نظام الأسد يعني إخفاء الحقائق وإظهار النظام الجبان بمظهر النظام الشجاع المقاوم والممانع. رغم أنّ الجميع يعلم أنّ النّظام السّوري منذ الوالد حافظ إلى ولده بشّار لم يُطلق رصاصة واحدة في اتّجاه كيان يهود الصّهيونيّ رغم احتلال الجولان (بل قل تسليم الجولان) ورغم اعتداءاته المتكرّرة، وها هي عصابات يهود تعربد على مرمى حجر من بشّار وبراميله وأسلحته ومليشياته، وهو صامت صمت الأموات لا يتحرّك ولا ينطق إلّا بشكوى هزيلة تزعم الاحتفاظ بحقّ الردّ في الوقت المناسب الذي يعلم الجميع أنّه لن يأتي. ويبدو أنّ هذا الوقت المناسب لا يحين ضدّ أبناء الشّام حين يخرجون يطلبون استعادة بلدهم وتحريرها من النّفوذ الغربي.

  • التّطبيع مع نظام بشّار يعني إضفاء الشّرعيّة على نظام المخابرات والقمع والخوف والجوع وإلباس النظام المجرم اللباس الأبيض وإيهام بأن الضّبع أصبح حملا وديعا، ريثما يرمم قواه ويستردّ أنفاسه المقطوعة ويعيد هيكليته الأمنية ليحاسب كل من صدع بكلمة واحدة ضد عميل أميركا وتفتح بعدها القبور والسجون.

هكذا تنكشف حقيقة الدّور الموكول إلى الرّئيس سعيّد، الذي جيء به ليواصل المهمّة التي فشلت فيها من سبقه (قتل الثّورة، وإنهاء أمرها)

وختاما نقول، هيهات هيهات أن تستمرّ أنظمة الجبن والخنوع، فالمسلمون كلّهم أمّة عظيمة لن ترضى بالمجرمين، ولن تسكت عن ضيم، فهي موعودة بالنصر والتمكين ودحر الكفر وعملائه، ولن تبقى الأمور على ما هي عليه، فالأمة على موعد مع النصر بإذن الله، ولن يكون النصر إلا على يد فئة أخلصت لله وأدركت بوعي كبير مشاريع الكفر وعملائه وأدواته.

CATEGORIES
Share This