لماذا تتعاون وزارة الشؤون الدينية مع مؤسسة “آنا ليند” الأورومتوسطيّة المشبوهة؟
استقبل السّيد أحمد عظّوم وزير الشّؤون الدّينية مساء الخميس 29 جوان بمقرّ الوزارة السّفير حاتم عطاء اللّه المدير التّنفيذي لمؤسّسة “آنا ليند” الأورومتوسّطيّة للحوار بين الثّقافات. “وكانت المقابلة مناسبة هنّأ خلالها السّفير الوزير بمناسبة عيد الفطر المبارك، وقدّم لمحة عن نشاط مؤسّسة “آنا ليند” التي تهدف إلى المساهمة في تطوير استراتيجيّة بين ثقافات المنطقة الأورومتوسّطيّة وتشريك الشّباب والمرأة والمجتمع المدني ككلّ للحوار والتّلاقي والتّعارف وخلق ديناميكيّة بين ضفّتي المتوسّط. وأكّد الوزير بالمناسبة أنّ الدّين الإسلامي يدعو إلى العيش المشترك والاحترام والمحبّة، وعبّر عن استعداد الوزارة للتعاون قصد التّعريف بالقيم الإسلاميّة السّمحة في مختلف مناطق العالم” (عن صفحة الفايسبوك للوزارة).
فما هي مؤسسة “آنا ليند” الأورومتوسّطيّة للحوار بين الثّقافات، وما هي أهدافها، ومن هم أعضاؤها؟
وقع إنشاء المؤسسة سنة 2004م، وهي تحمل اسم “آنا ليند” وزيرة خارجية السويد التي تم اغتيالها سنة 2003م.
“إن الغرض من مؤسسة آنا ليندا هو جمع الناس معا من مختلف أنحاء البحر الأبيض المتوسط لتحسين الاحترام المتبادل بين الثقافات جنبا إلى جنب مع دعم أعمال المجتمع المدني من أجل مستقبل مشترك للمنطقة“
“بتمويل مشترك من قِبل 42 دولة من دول الاتحاد من أجل المتوسط والمفوضية الأوروبية، يقوم مجلس إدارة مكوّن من ممثلي تلك الدول بإدارة مؤسسة آنا ليندا. يعد المجلس، الذي يرأسه أبو بكر حفني (مصر)، مسؤولا عن الموافقة على برنامج وميزانية مؤسسة آنا ليندا.تتولى إليزابيث جيجو (فرنسا) منصب رئيس المؤسسة وحاتم عطاء الله (تونس) منصب المدير التنفيذي والذي يدير مؤسسة آنا ليندا من مقرها الدولي في الإسكندرية بمصر. إن الدول التي تشكّل الاتحاد من أجل المتوسط، والتي كان رؤسائها وحكوماتها موقّعين مشاركين على إعلان باريس من أجل المتوسط، هي: ألبانيا، الجزائر، النمسا، بلجيكا، البوسنة والهرسك، بلغاريا، كرواتيا، قبرص، جمهورية التشيك، الدنمارك، مصر، إستونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، المجر، أيرلندا، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، لاتفيا، لبنان، ليتوانيا، لوكسمبورج، مالطا، موريتانيا، موناكو ، مونتنيجرو (الجبل الأسود)، المغرب، فلسطين، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، هولندا، تونس، تركيا والمملكة المتحدة“. (عن الصفحة الرسمية للمؤسسة على النتwww.annalindhfoundation.org).
بناء على التعريف المذكور بالمؤسسة نذكر بعض الملاحظات المتعلّقة بها وبهدفها:
أولا: نلاحظ أنّ ما يسمى بـ“إسرائيل” ضمن قائمة الأعضاء المشكّلة للاتحاد من أجل المتوسط، وقد استعملت المؤسسة في نشاط كثيرة في بلدان إسلامية من أجل التطبيع مع كيان يهود تحت شعار التعاون الثقافي والحوار بين الحضارات والثقافات، فهل تقبل وزارة الشؤون الدينية التطبيع مع الصهاينة، وكيف تدعم الوزارة نشاط مؤسسة تعترف بـ“إسرائيل” وتتعامل معها؟ وقد جاء في سياق المقابلة التي جمعت وزير الشؤون الدينية بحاتم عطاء اللّه (التونسي) المدير التّنفيذي لمؤسّسة “آنا ليند” ما يلي: “وأكّد الوزير بالمناسبة أنّ الدّين الإسلامي يدعو إلى العيش المشترك والاحترام والمحبّة“، فهل يعني الوزير بذلك العيش المشترك والاحترام والمحبة مع كيان يهود المحتل لأرض إسلامية؟
ثانيا: بغض النظر عن النوايا والمقاصد، فوجود دولة يهود المسماة بـ“إسرائيل” ضمن هذه المؤسسة كعضو فاعل ومؤسس يقتضي عدم الاعتراف بها وعدم التعامل معها، فكيف تكون تونس، والبلاد الإسلامية الأخرى، مشاركة فيها وداعمة لها ولأعمالها؟ ثم كيف تقبل وزارة الشؤون الدينية التعامل مع المؤسسة بل دعمها ودعم توجهاتها وأهدافها؟
ثالثا: عن أي ثقافة يتحدثون؟ وما هي القيم التي يروجون لها؟ وأين العيش المشترك والاحترام والمحبة؟
فهذه المؤسسة تضم بعض البلدان الإسلامية كمصر وتونس والمغرب والجزائر وغيرها، فكيف يكون العيش المشترك بينها؟
وهذه المؤسسة تضم أيضا بعض الدول غير المسلمة كفرنسا وإسبانيا وألمانيا وغيرها، فكيف يكون العيش المشترك معها؟ أليست فرنسا دولة استعمارية تستغل ثرواتنا وتقحم أنفها في مشاكلنا وخصوصياتنا؟ أليست “إسرائيل” دولة صهيونية مغتصبة لأرض إسلامية؟ ثم ما هي الثقافة التي تدعو إليها هذه المؤسسة؟ أليست الثقافة الأوروبية الغربية المناقضة للثقافة الإسلامية؟ ألا يعلم الوزير مثلا: أنّ المسلم في دول أوروبا ملزم بدروس الاندماج التي تروّج لقبول المثلية الجنسية والتحرر الجنسي؟ ألا يسمع الوزير بالقوانين الأوروبية التي تضيق على المسلمين وتحارب التزامهم بدينهم وممارسة شعائرهم كمنع الذبح الشرعي ومنع الخمار وغير ذلك؟ ألا يفهم الوزير أن هذه المنظمة تعمل أساسا في بلاد المسلمين لنشر الثقافة الغربية بين المسلمين؟ وأن التسامح التي تدعو له هو قبول المسلم بقيم الغرب لا غير؟
ما كنا نحب لوزارة الشؤون الدينية أن تقحم نفسها في متاهات العمل مع مؤسسات مشبوهة، وكنا نحب لها لو تحملت الأمانة وواجهت الغرب برسالة الإسلام متحدية سافرة لتثبت علو قيم الإسلام وبطلان قيم أوروبا والغرب. كنا نتمنى لو أبرزت وزارة الشؤون الدينية عظمة الإسلام بعقيدته ونظامه وتشريعاته وثقافته وحضارته وبيّنت فساد ثقافة الغرب وحضارته بدل أن تنساق له وتعمل معه وتروّج لشعارته وقيمه، ولكن كما قال ابن خلدون رحمه الله: “المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه. إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتصل لها اعتقادا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به وذلك هو الاقتداء. أو لما تراه والله أعلم من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة بأس، وإنما هو بما انتحله من العوائد والمذاهب، تغالط أيضا بذلك عن الغلب، وهذا راجع للأول، ولذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله“.
ورحم الله مالك بن نبي القائل (في كتابه شروط النهضة): “إن القضية عندنا منوطة أولا بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته، من حيث نشعر أو لا نشعر، ومادام له سلطة خفية على توجيه الطاقة الاجتماعية عندنا، وتبديدها وتشتيتها على أيدينا، فلا رجاء في استقلال، ولا أمل في حرية، مهما كانت الأوضاع السياسية، وقد قال أحد المصلحين: (اخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم)…”.
ياسين بن علي
CATEGORIES محلي