لماذا تطلب دول الخليج عودة الاستعمار البريطاني؟!
أعلن السفير البريطاني لدى الكويت يوم 19/2/2018 أن “الكويت تقدمت رسميا لبلاده بطلب وجود قوات عسكرية بريطانية بشكل دائم على أراضيه”. علما أن حاكم الكويت مبارك الصباح وقّع مع بريطانيا اتفاقية حماية عام 1889م. وعندما قرر صدام احتلال الكويت عام 1990م أرسلت بريطانيا 43 ألف جندي كثاني أكبر قوة مشاركة في الحرب، وبعد انتهائها بقي نصفها مرابطاً بجانب القوات الأمريكية. فالكويت تريد تجديد اتفاقية الحماية الاستعمارية التي خان بها آل الصباح دولة الخلافة العثمانية. وسابقا أعلن وزير الدفاع البريطاني فالون يوم 26/8/2017 “عزم بلاده توقيع اتفاقية تعاون عسكري جديدة مع الكويت، وستواصل التزامها بأمن الكويت وستظل حليفا قويا لها”. معلنا أن “أمن الكويت والخليج من الأمن القومي البريطاني” فاعتبر هذه المنطقة مصلحة قومية بريطانية! أي مجالا للاستعمار البريطاني.
ومنذ عام 2013 والصحف البريطانية تتساءل عن سبب تأخر بريطانيا في إنشاء قواعد عسكرية دائمة في الخليج لتوافر الظروف المناسبة لإقامتها: “اندلاع الثورات العربية عام 2011، وتزايد طموحات إيران الإقليمية، والصراع القطري السعودي”. أي أنها تعمل على إيجاد الرأي العام الذي يتقبل عودة الاستعمار البريطاني، فهي مدفوعة من أصحاب القرار. ونشرت صحيفة الغارديان يوم 13/8/2017 وثائق سرية بشأن حرب الخليج الثانية “اعتبرت بريطانيا الغزو العراقي للكويت فرصة لا مثيل لها لبيع الأسلحة وعودة الحماية القديمة من جديد”.
وأعلنت رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي يوم 7/12/2016 في القمة الخليجية في البحرين عودة الاستعمار القديم بقولها: “فمنذ الاتفاقية الأولى الموقعة في منتصف القرن 17 والتي شهدت توصل “شركة الهند الشرقية” لاتفاقيات بشأن التجارة والوجود العسكري في عُمان، وإنني عازمة لدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أن ننتهز الفرصة للخروج إلى العالم، وأن يكون لنا دور عالمي أكبر من أجل بناء تحالفات، وأهم من ذلك تعزيز تعاملنا مع أصدقائنا القدماء مثل حلفائنا في الخليج الذين وقفوا إلى جانبنا طوال عقود طويلة.. أمن الخليج هو أمننا.. التعاون الوثيق بيننا بمجال مكافحة (الإرهاب) والتهديد الإيراني..”، “نرغب في أن تصبح بريطانيا عاصمة الاستثمار الإسلامي.. ازدهاركم هو ازدهارنا”. علما أن استثمارات قطر وحدها في بريطانيا تبلغ 50 مليار دولار.
ويومها منحت البحرين بريطانيا قاعدة عسكرية دائمة، فقالت ماي: “وببنائنا لقاعدة الجفير بفضل سخاء مملكة البحرين سيكون لنا وجود دائم في المنطقة، وهي أول قاعدة في منطقة شرق السويس منذ عام 1971، وعدد السفن والطائرات الحربية والقوات البريطانية فيها يفوق عددهم في أي مكان آخر في العالم.. ومركز التدريب الإقليمي للقوات البرية الذي مقره في عُمان بمثابة وجود دائم للجيش البريطاني في المنطقة.. وسوف تتعمق أكثر من ذلك في التعاون الدفاعي بيننا بتأسيس شراكة استراتيجية بين بريطانيا ودول الخليج”. فتعلن بريطانيا أنها تمول قاعدتها بأموال مستعمرتها البحرين! وقال أمير الكويت في هذا المؤتمر “الأحداث أثبتت عمق وصلابة العلاقات الخليجية مع بريطانيا باعتبارها حليفا تاريخيا”. فدول الخليج لا تنفك عن الولاء لبريطانيا، ولا تتصور أن تعيش بدونها، فصار ولاؤها للإنجليز تقليدا موروثا لا يزول إلا بسقوط حكم العائلات التي نصبتها بريطانيا.
وقد تحركت الكويت بنشاط محموم للمصالحة بإيعاز من بريطانيا من أول ساعة لحدوث أزمة السعودية مع قطر وإعلان مقاطعتها وحصارها يوم 5/6/2017، والكويت تسعى لحماية العائلة الحاكمة في قطر والموالية لبريطانيا وللحيلولة دون تحكّم السعودية سلمان بالخليج لحساب أمريكا، فأعلن أمير الكويت يوم 7/9/2017: “نجحنا في وقف التدخل العسكري”. وبذلك فضح خطة أمريكا بتدخل السعودية عسكريا في قطر. فأحرج السعودية التي نفت ذلك. ولو حصل مثل ذلك لدخلت الإمارات بجانبها لتلعب دورا للإنجليز لحماية نفوذهم ومنع تفرد السعودية وتحقيقها لأهداف أمريكا.
هاجمت السعودية الكويت لزيارة وزير صناعتها لقطر على لسان المستشار بديوانها الملكي يوم 22/1/2018 وأطلقت وسائل إعلامها لشن حملة عليها واتهامها بمجاملة قطر، وتناولت الوضع السياسي للنظام الكويتي الخطر على دول الخليج! مما أدى إلى إطلاق تحذيرات المسؤولين بالكويت من تعرضها “لمقاطعات أو لأمور نعتبر الاستعداد لها أولوية مهمة بالنسبة لنا” كما ذكر رئيس لجنة الأولويات في البرلمان الكويتي.
ذكرت “الجزيرة” يوم 15/1/2018 أن وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية أجرى مباحثات مع نظيره البريطاني ويليامسون في لندن لتعزيز العلاقات والتعاون العسكري بين البلدين، وذلك بعد توقيع قطر صفقة لشراء 24 طائرة عسكرية بقيمة خمسة مليارات جنيه إسترليني. وقال ويليامسون: “هذه الطائرات العالية الكفاءة ستعزز مهمة الجيش القطري لمواجهة التحديات المشتركة في الشرق الأوسط..”. فالطائرات تدفع ثمنها قطر لمواجهة التهديدات لنفوذ بريطانيا!
وهكذا تطلب دول الخليج عودة بريطانيا لحمايتها من أمريكا التي أعطت للسعودية سلمان وابنه دورا لتأمين نفوذها في الخليج.
ولهذا دعت بريطانيا ابن سلمان ولي العهد السعودي لزيارتها للتفاهم معه لكبح جماحه، إذ أعطته قيمة كبيرة بالترحيب وبلقاء ملكتها. فصدر بيان مشترك يوم 10/3/2018 أعلنا عن تشكيل “مجلس الشراكة الاستراتيجية السنوي ليكون آلية رئيسية لحوار منتظم لتعزيز كل جوانب العلاقات الثنائية الاقتصادية والدفاع والأمن..” وورد فيه “من المتوقع أن تبلغ هذه الفرص مجتمعة ما يصل إلى 100 مليار دولار على مدى 10 سنوات..” وأكد “أهمية التوصل إلى حل سياسي في اليمن” وغير ذلك من القضايا السياسية في المنطقة.
وأموال الخليج هي أموال المسلمين تذهب هدرا لحساب الدول المستعمرة مقابل أن تحفظ للحكام توارث عائلاتهم للحكم والثروة، ويترك المسلمون فقراء ومتخلفين.
وهكذا تعود بريطانيا إلى الاستعمار بشكله القديم فتقيم القواعد العسكرية وتعقد التحالفات ومعاهدات الحماية والتدخل العسكري المباشر والاحتلال، مستغلة الظروف الإقليمية والدولية لقيام أمريكا بمثل ذلك. وقد سقط الاتحاد السوفياتي الذي كان يحارب الاستعمار ولم يستطع القضاء عليه لفشل فكرته الشيوعية. وأصبحت دوله تتسابق على الاستعمار كما كانت في السابق تتسابق وتتفاخر به، ولكن تحت مسميات محاربة (الإرهاب) وتأمين الاستقرار والحفاظ على المصالح وإحلال السلام والأمن ومواجهة التحديات.. وأصبحت الدول التابعة لا تستحي من أن تفتح قواعد عسكرية للدول المستعمرة وتعقد معاهدات أمنية تحفظ للاستعمار نفوذه، وتؤيد التدخل العسكري الاستعماري وتشاركه في أحلافه وتموله.
ولا يمكن القضاء على الاستعمار إلا بالقضاء على المبدأ الرأسمالي الذي يغذيه ويحفزه. وهذا لا يتأتى إلا بعودة المبدأ الإسلامي إلى الحكم مجسدا بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لتخوض الصراع المبدئي فتقضي على الاستعمار ومبدئه الرأسمالي.
أسعد منصور
CATEGORIES اقليمي ودولي