لماذا خسر علماء الزّيتونة معركتهم مع تيّار التّغريب العلماني؟ (1)
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
لقد كتبت مقالات كثيرة تتحدّث عن الزّيتونة – قبيل الاستقلال وبعده – مبيّنا لدور هذه المؤسّسة العلمية الدينية في الحفاظ على الهويّة الإسلاميّة للمجتمع التّونسي. وقد حاولت في أغلب المقالات تسليط الضّوء على حقبة تاريخية معيّنة خاضت فيها الزّيتونة صراعا مريرا مع تيّار التّغريب والعلمنة، مؤكّدا على موقف علمائها الرافض لفكرة اللائكية والتّبعيّة الثّقافية للحضارة الغربيّة والمناصر للفكرة الإسلاميّة ولحكم الشّريعة. ولقد كان القصد من تلك المقالات إبراز الدّور الزّيتوني في مقاومة التّغريب ومكافحة العلمنة؛ وهو الدّور الذي لم تع عليه الأجيال الجديدة نظرا للتّشويه والتّزوير الذي مارسته السلطة الرسمية طمسا للتّراث الزّيتوني وقطعا مع الجذور الثّقافية الإسلاميّة لهذا البلد.
والحمد لله، فقد أسهمت – مع غيري من الباحثين ممن تطرّقوا إلى الموضوع ذاته – في إعادة الاعتبار للدور الزّيتوني التّاريخي في الدفاع عن الشخصيّة الإسلاميّة لتونس، ووثّقت وأكّدت خوضها لصراع مع المضبوعين بالحضارة الغربية، ومقاومتها لللائكية، ومكافحتها للنّزعة غير الإسلاميّة في السياسة والحكم وإدارة شؤون المجتمع، ومع ذلك، فعلينا أن نعترف بحقيقة تاريخية لا يمكن نكرانها وهي هزيمة علماء الزّيتونة رحمهم الله في معركتهم ضدّ اللائكية وخسارتهم في صراعهم ضدّ التغريب.
ولهذا؛ فإنّ السّؤال الذي يجب أن يسأل الآن هو: لماذا فشل علماء الزّيتونة في التأثير في المسار السياسي للبلد؟ وما هي الأسباب والعوامل التي أدّت إلى هزيمتهم في معركتهم مع تيّار التّغريب العلماني ممّا أدّى إلى غلق جامع الزيتونة وإنهاء عمله كمؤسّسة تعليمية وتشريد العلماء وتهميش دورهم في المجتمع بل تغريب المجتمع وعلمنته؟
سنحاول هنا بيان بعض النّقاط المهمّة التي قد تفسّر لنا سبب هزيمتهم.
-
الموقف من الحماية الفرنسية: