لماذا يأتي كبير الذئاب الرأسمالية إلى تونس؟
يؤدي رئيس فرنسا “ايمانوال ماكرون” زيارة رسمية إلى تونس , في ظرف سياسي واقتصادي دقيق. وعادة ما يقدم الإعلام التابع للسلطة علاقة فرنسا وتونس على نحو ايجابي, وأن فرنسا تقف إلى جانب تونس في أزماتها. فهل عرفت العلاقات الفرنسية التونسية على مر التاريخ حالة يمكن للسياسي أن ينتظر منها المتابع شيئا إيجابيا.
الحقد الصليبي قبل الاحتلال العسكري
فالدولة الفرنسية الحاملة للقيم الغربية مثل الحرية والمساواة كشفت عن طبيعتها الاستعمارية والصليبية منذ حملة “نابليون” على مصر سنة 1799 والتي تعمد خلالها ربط خيوله بجامع الأزهر. وتواصل النهج الاستعماري الفرنسي تجاه المسلمين كلما وجد الأوربيون إلى ذلك سبيلا. ففي أواخر الدولة العثمانية مارست “فرنسا وانكلترا وايطاليا” ضغوطا كبيرة على “محمد الصادق باي” في تونس من اجل الحصول على امتيازات اقتصادية تفاضلية عُرف ب “عهد الأمان” سنة 1857, وهو الذي أدى إلى السيطرة الأجنبية على الوضع الاقتصادي بالبلاد وازدياد المديونية ثم احتلال تونس عسكريا بعد 24 سنة 1881.
بعد الاحتلال العسكري نهب الثروات وتصنيع النخب العلمانية
أما بعد الاحتلال العسكري وما تبعه من قتل الآلاف من المسلمين في تونس, وإذلالهم ومصادرة أراضيهم, قامت القوات الفرنسية الاستعمارية بنهب كل ما يقع تحت أيديها من الثروات ابتداء من الملح والفسفاط والحديد, وقامت بتوجيه الإنتاج الفلاحي من زراعة الحبوب إلى إنتاج العنب المعد للخمور, وهو الأمر الذي جعل البلاد تعاني من العجز الغذائي منذ ذلك الوقت.
كما عمدت فرنسا الاستعمارية إلى تصنيع نخب علمانية تابعة لها عبر تثقيف بعض أبناء المسلمين بالثقافة والقيم الغربية لتجعل منهم قادة لحركات التحرر الوطني, وذلك بإبعاد المخلصين من أبناء الأمة أو اغتيالهم. وهكذا وجد الاحتلال الفرنسي وكلاء له في تونس -بورقيبة وزمرته العلمانية – لضمان بقاء الاحتلال السياسي والحضاري بعد خروج الاحتلال العسكري.
اتفاقيات الشراكة الوجه الجديد للاستعمار
بعد خروج الاستعمار العسكري بقي النفوذ الفرنسي في تونس قائما, وأصبحت الاتفاقيات الموقعة مع فرنسا ومع الهياكل السياسية الأوروبية وسيلة تمهد لهيمنة الشركات الأوروبية على ثروات البلاد من بترول وغاز, واستغلال اليد العاملة الرخيصة لفائدة المصانع الأوروبية , قانون 1972, ثم فتح الأسواق التونسية أمام البضائع الأوروبية بعد إلغاء الرسوم القمرقية بموجب اتفاق الشراكة 1995, دون اكتراث لما يترتب عن ذلك من إغلاق للمصانع التونسية, وتسريح لمئات الآلاف من العمال وموت الآلاف من الشبان غرقا أثناء الهجرة بحثا عن عمل على أعتاب أوروبا.
بعد الثورة اتسع الخرق على الراقع
أما بعد ثورة التي فاجأت العالم, فقد بدا واضحا سعى حكام الغرب الرأسمالي على محاصرة بلدانها, وعدم السماح بأي تغيير سياسي أو اقتصادي يمكن أن يؤدي إلى خروج عن تبعيتها للدول الاستعمارية.
فكانت قمة “دوفيل “2011 لمجموعة الدول الغنية بفرنسا, والتي تم فيها إغراء حكام تونس ومصر بمساعدات مالية ضخمة واسترجاع الأموال المنهوبة بشرط الالتزام بالتعهدات الحكومية السابقة وعدم تغيير منوال التنمية,أي الإبقاء على نظام الحكم والتبعية. وتلا مؤتمر “دوفيل” مؤتمرات دولية أخرى تخللتها وعود بالاستثمار, لكنها كانت كلها وعود كاذبة, لأن الغرض الحقيقي من تلك الوعود كان الابتزاز السياسي الرخيص وامتصاص النفس الثوري الداعي إلى تغيير النظام.
وأمام هذا التسويف والإفشال المتعمد, حصلت الثورات المضادة, وازداد الوضع الاقتصادي تدهورا, وأصبح التدخل الأجنبي أكثر وضوحا من ذي قبل في المجال الأمني والعسكري والقضائي بحجة التعاون في مكافحة الإرهاب وضبط الحدود وتبادل المعلومات والهجرة السرية, وأصبح السفراء الأجانب وخصوصا السفير الفرنسي وسفير الاتحاد الأوروبي يتدخلون في كل الملفات ويُنفقون بكل سخاء على منظمات المجتمع المدني التي تنشر القيم الغربية المعادية للقيم الإسلامية, وعلى المؤسسات الإعلامية الفرنكوفونية دون مراعاة أي اعتبارات بروتوكولية أو شكلية لحكام البلاد المتواطئين بالصمت المذل.
زيارة “ماكرون”: الذئب الفرنسي في ثوب صديق
والآن وبعد أن غرقت تونس في وحل النظام الرأسمالي وازدادت معاناة الناس بعد الاحتجاجات الأخيرة, يأتي “ماكرون” أحد ذئاب النظام الرأسمالي بعد أن وجد في هذه الزيارة فرصة خاصة مع حكومة عاجزة دون أية خيارات للخروج من أزمتها المتفاقمة ومستعدة للقبول بأي مساعدة مشروطة بالتنازلات المذلة والسالبة للسيادة, هكذا سيكون تحويل الديون إلى استثمارات وهكذا ستكون الاتفاقيات الأمنية.
فعلى المخلصين من أبناء الأمة عدم انتظار أي شيء من هذه الزيارة, فالذئاب الرأسمالية مجتمعة كانت أو منفردة لا تساعد الدول في أزماتها الاقتصادية بل تبتزها وتستغلها وتنهشها حتى النخاع, وما فعلته دول الاتحاد الأوروبي باليونان وايرلندا واسبانيا اكبر مثال على ذلك.