منهم من يملك حظوظا وافرة ليكون ساكن قرطاج الجديد, ومنهم من تقدم للنزال وهو يعلم علم اليقين أنه لن يغنم أكثر من الظهور في وسائل الإعلام وانتشار صوره على الجدران ثم يعود محملا بشهادات الشكر والثناء على مساهمته الفعالة في مسرحية ارساء الديمقراطية وملهات مسارها ومسخرة انتقالها، ونحو ذلك من الشعارات الجوفاء التي يرتفع منسوبها في مثل هكذا مناسبات, والشيء نفسه ينطبق على السباق القادم نحو قصري القصبة وباردو, هناك من ينافس بجدية على نيل نصيب من الغنيمة وهو على يقين بأنه لن يجني أكثر من غبار الطريق. ولكن, هناك أمرٌ هم فيه سواء ولا تسفر المنافسة عليه أي خاسر فالمغانم لا تقتصر على التسلل إلى مخادع السلطة فقط, فهناك ما هو من الأهمية بمكان, وهو نيل رضا المسؤول الكبير, فرضاه مجلبة “للنعم” سواء لمن تمكنوا من الجلوس على الكراسي أو أولئك الذين بقوا في محيطها يستعينون بهم في خدمة المسؤول الكبير ويقاسمونهم الولاء له ليحصلوا على بعض من فتات موائده فمن لا يقدر على خدمته بتنفيذ أجنداته وايصاله إلا مآربه يمكنه أن يكون ظهيرا له ويدافع عن وجهة نظره ويعمل على ترسيخ مفاهيمه وأفكاره وهذا ما تقوم به تلك الفئة المسماة بالمجتمع المدني والمتكونة من أحزاب ومنضمات ديدنها المثابرة وبذل الوسع في تثبيت وجهة نظر الغرب في الحياة مما يمهد الطريق للمسؤول الكبير لينهب ويغتصب من خيراتنا ما يشاء ويحصل على كل ما يريد.
الانتخابات تعوض الانتداب المباشر
كان “المسؤول الكبير” يعين من رباهم على طاعته وغرس فيهم الولاء المطلق له إما عن طريق توريثهم الحكم أو بواسطة الانقلابات العسكرية ناعمة كانت أم دامية, وفي بعض الأحيان عن طريق ثورات تقع فبركتها في الغرف المغلقة المظلمة تفرز زعماء وهميين صنعوا على عينه ك “جمال عبد الناصر” ومن على شاكلته ويضفون عليه مشروعية ابتدعتها وكالات الاستخبارات وتروج لها الأقلام والأصوات التي بدورها نبتت في مزارع المسؤول الكبير وشربت من مستنقعاته مما أنتج دمى كتلك التي أجلسوها على كراسي الحكم لا يحركها إلا الولاء للمسؤول الكبير. لكن هذا التمشي تغير ولم يعد بمقدور القوى الاستعمارية أن تفرض على الشعوب وخاصة في بلاد المسلمين من يحكمهم, صنعت لهم عجلا كانت قد صنعته من قبل وهو الديمقراطية, لكنها جعلت له خوارا لتضليلهم أكثر مما مضى, اسمه الانتخابات. وان تغيرت الوسيلة فالغاية هي ذاتها, ضمان الولاء “للمسؤول الكبير”. وبالتالي استمرار تلك القوى في السيطرة والتحكم في مصائرنا وقطع الطريق عمن يريد أن يغير الواقع برمته ويقتلع تواجد مسؤولهم الكبير من جذوره ويرسي نظام الإسلام الذي بدايته ومنتهاه الولاء لله وحده, وذلك بوضع أحكامه موضع تطبيق وعدم القبول بأي شيء ولو كان قطميرا يخالف ما جاء به محمد صلى الله عليه سلم.
خوار العجل هذه الأيام ملاء الأرجاء وأينما حللت تسمع صداه يتردد وكلما اقترب يوم زينتهم ازداد ارتفاعا وارتفع معه منسوب ولاء المتسابقين “للمسؤول الكبير” واحتدم الصراع على ارضائه وقد بدوءا في تقديم فروض الولاء والطاعة له قبل أن تبدأ الحملات الانتخابية ولماذا ينتظرون الموعد المحدد لانطلاق الحملات فهم يطلبون رضا مسؤولهم, ومن ينال هذا الشرف سيدعمه ويؤازره ويسوقه سوقا نحو احد القصور, قصر قرطاج كان أو قصر القصبة أو باردو. اما مسالة تقديم الوعود الكاذبة والبرامج الهلامية التي تستميل الناخبين فهي المرحلة التالية وموعدها محدد من قبل هيئة الانتخابات ولا يجوز خوض غمارها قبل الآجال.
محاربة الإسلام مقياس الولاء
في أول تصريح له يوم عودته إلى تونس, قال رئيس “حركة النهضة ” راشد الغنوشي” “..لا مجال لتطبيق الشريعة في تونس” قالها في الوقت الذي خسر فيه المسؤول الكبير عميله المخلوع ” بن علي” وأصبح يرتجف خوفا من مطالبة الناس بتطبيق أحكام الإسلام ولم يعد من الممكن استعمال العصا التي كان يرفعها المخلوع في وجوههم ولم تعد القبضة الحديدية تجدي نفعا بعد انهيار حاجز الخوف فكان “راشد الغنوشي” ضالة المسؤول الكبير وأظهر ولاءه له في وقت عصيب فيه يظهر الولاء والاخلاص من عدمه. الشيء ذاته فعله “الباجي قائد السبسي” طيلة فترة حكمه, فبمناسبة أو من دونها كان يعلن صراحة رفضه القاطع لتطبيق أحكام الإسلام. وفي احدى خطاباته تبرأ من القرآن والإسلام جملة وتفصيلا ولم يكتف بالقول بل جسد محاربة الإسلام بالفعل من خلال مبادرته التي دعا فيها إلى إلغاء أحكام المواريث واستبدالها بأخرى من بنات وساوس المسؤول الكبير, وهذا ما يفسر الحزن الشديد الذي عمّ عواصم القوى الاستعمارية اثر وفاته, لأنهم فقدوا مواليا مخلصا لهم. والخطوات ذاتها يتّبعها المتصارعون على خلافة “الباجي قائد السبسي” فعلى سبيل المثال لا الحسر قال ” محمد عبو” ” عند وصولي إلى الرئاسة سأمضي على قانون المساواة في الميراث…” أما ” عبيد البركي “ برنامجه هو قانون يجرم المطالبة بتعدد الزوجات.. وقس على ذلك برامج بقية المتناحرين على كسب رضا المسؤول الكبير عبر انتخابات محددة نتائجها سلفا وسيفوز بها من يظهر ولاءه أكثر لذاك “المسؤول”. فجميعهم تقريبا عابوا أثناء ظهورهم في وسائل الإعلام على “حركة النهضة” تسمية احد هياكلها باسم يحيل الأذهان على دولة الخلافة وهو مجلس الشورى فمصطلح شورى جاء به الإسلام ومجلس الشورى لا وجود له إلا في دولة الخلافة ورغم يقينهم بأن “حركة النهضة ” حليفتهم في محاربة الإسلام ولا فرق بين قادتها وبينهم إلا باللحى وبدأ الكلام بالبسملة. فهم ينكرون عليها تلك التسمية لأن فيها مجرد تذكير بدولة الخلافة وفي الوقت ذاته هم يزايدون عليها في الولاء للمسؤول الكبير الذي بات يدرك تمام الادراك وعلى خلاف هؤلاء الخشب المسندة أن سطوته ونفوذه في بلاد المسلمين باتت على شفا الانهيار والتلاشي, وأن مسألة كنسه مع أفكاره ومفاهيمه مسألة وقت لا غير ومرتبطة فقط بإدراك المسلمين أن الولاء لا يكون إلا لله وحده وأن الولاء له عزّ وجل لا يكون عن طريق العبادات ففقط وانما بالانصياع لكل أوامره ونواهيه, وعلى رأسها تطبيق أحكام دينه في كل جوانب الحياة. حين يتم هذا الادراك وسيتم بإذن الله عاجلا أم أجلا حينها سيصبح المسؤول الكبير وأذياله أثرا بعد عين.