ليبيا بين مؤتمر برلين وقمة الجزائر

ليبيا بين مؤتمر برلين وقمة الجزائر

د. الأسعد العجيلي

بعد الاختراق الكبير الذي حققته الادارة الامريكية في الصراع على النفوذ في ليبيا وذلك بإقحام روسيا وتركيا كأحد أطراف النزاع الفاعلة على المسرح الليبي، انعقد اجتماع  بين أقطاب الصراع الدولي في برلين بدعوة من ألمانيا، ثم اجتماع في الجزائر بين دول الجوار الليبي، في حلقة جديدة من حلقات الدفع بين المتصارعين على النفوذ واقتسام الغنائم الليبية.

وتتنازع السلطة في ليبيا منذ 2015 حكومتان، حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس وسلطة موازية في الشرق مدعومة من رجل أمريكا خليفة حفتر الذي شن منذ نيسان/أفريل 2019 حملة عسكرية للسيطرة على طرابلس وتم التوصل منذ 12 كانون الثاني/جانفي الحالي إلى هدنة هشة.

خوف أوروبي من استنساخ التجربة السورية في ليبيا

يدرك المتابعون للشأن الليبي أن دخول روسيا وتركيا على خط الصراع الليبي هو السبب وراء دعوة ألمانيا لاجتماع برلين، وهو ما أكده السفير الألماني بتونس اندرياس رينكيه يوم الخميس 16 جانفي 2020، “أن الغاية الأولى هو إقناع المتدخلين الخارجيين بمغادرة ليبيا وتركها لليبيين”.

كما يدرك المتابعون للصراع الدولي على ليبيا والمنطقة أن دخول روسيا وتركيا مؤخرا لا يمكن أن يكون إلا بضوء أخضر أمريكي، ليضطلعا بنفس الدور الذي لعباه في سوريا، حيث أبديا نجاحا منقطع النظير في وأد الثورة السورية والحيلولة دون سقوط بشار عميل أمريكا، وقد أشارت جريدة «لوموند» الفرنسية إلى ما تسميه «برميل البارود الليبي على أبواب أوروبا»، والذي يهدد بالتحول إلى صراع دولي وكارثة إنسانية مماثلة لتلك الموجودة في سورية، وأضافت لومند: «لقد حان الوقت للمجتمع الدولي، خاصة الأوروبيين، لاتخاذ مبادرات لمحاولة منع هذه الدوامة الخطيرة»، واصفة مؤتمر برلين بـ«الحدث الإيجابي».

أدوار المتدخلين الجدد

لقد رضيت روسيا أن تكون عصى غليضة بيد أمريكا تضرب بها كل من يتمرد على عملاء أمريكا في المنطقة مقابل أن يكون لها وجود في الساحة الدولية، بالإضافة إلى تحقيق بعض المصالح التي لا تتوافق مع حجم تدخلها، و دورها في ليبيا هو دعم حفتر عميل أمريكا ومحاولة سحب البساط من أوروبا كما فعلت في سوريا عندما حولت مفاوضات الحل من جنيف الى سوتشي وأقصت بشكل كلي الدول الاوروبية من أي تدخل في مفاوضات الحل النهائي.

 أما تركيا فتتبع سياسة تأمين مصالحها من خلال تأمين مصالح الدولة الأولى أي مصالح أمريكا في المنطقة وقد برز ذلك في سوريا عندما أثنى ترامب على دور تركيا في سوريا التي عملت على  ترويض واحتواء فصائل الشام حتى أضحت ألعوبة بيدها توجهها حيث أرادت، ويؤمل من تركيا أن تفعل نفس الشيء في احتواء فصائل ليبيا الاسلامية كفجر ليبيا وغيرها.

ونشرت تركيا عسكريين في ليبيا دعما للسراج. في المقابل يلقى حفتر دعما من روسيا ومصر والإمارات.

مخرجات مؤتمر برلين

نص مؤتمر برلين على إعلان مشترك مكون من 55 نقطة، من أهمها: وقف دائم لإطلاق النار، واحترام الحظر المفروض على توريد الأسلحة إلى ليبيا، واستئناف العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة، وإصلاح قطاع الأمن، إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية والمالية واحترام القانون الإنساني وحقوق الإنسان، وقد تبنته 11 دولة وأربع منظمات دولية التي شاركت في قمة برلين.

إن هذه المخرجات لن تغير من الأمر شيء، لأنها لم تنص عن جدول زمني لوقف الأعمال القتالية، إضافة إلى عدم فرض عقوبات على من ينتهك الهدنة أو حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، بسبب معارضة عدة دول منها فرنسا وروسيا، و عدم إنشاء آلية عقوبات لمخالفي الالتزامات المقرة في المؤتمر، وعدم تحديد النص المعتمد جدولا زمنيا لوقف الأعمال القتالية، ولا فرض عقوبات في حالة انتهاك الهدنة.

وهو ما يؤكد أن الاجتماع كان من أجل قطع الطريق أمام روسيا و تركيا اللذان دافعا على فكرة وجود قوة تسمح لهما بتوطيد مشاركتهما على أرض الواقع، في حين دعا الأوروبيون إلى إنشاء آلية رصد بسيطة للخروقات وأكدوا على ضرورة وقف أي تدخل خارجي في النزاع و أن الحل يجب أن يكون سياسي وليس “عسكري”.

قمة الجزائر حول ليبيا

وقد أتي اجتماع الجزائر يوم الخميس 23 جانفي 2020 استكمالاً لاجتماع قمة برلين، وشارك في المؤتمر وزراء خارجية مصر وتونس والسودان وتشاد ومالي والنيجر، كما حظر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس حتى لا يخرج الاجتماع عما وقع الاتفاق عليه في برلين الأحد الماضي حيث تعهد المشاركون باحترام حظر السلاح وبعدم التدخل في الشؤون الليبية.

ولم يشارك السراج وحفتر كذلك في اجتماع الجزائر. وكدليل على استمرار التوتر أغلق مطار معيتيقة قرب طرابلس لعدة ساعات بعد تهديدات من قوات حفتر.

و لم يخرج الاجتماع عن مقررات برلين حيث أعلن وزراء خارجية دول جوار ليبيا عن دعمهم لمخرجات مؤتمر برلين، فقد أكد المجتمعون رفضهم كل تدخل أجنبي كما دعوا الفرقاء الليبيين للمشاركة في مسار الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة الاتحاد الإفريقي ودول الجوار الليبي، للتوصل إلى حل شامل لهذه الأزمة، بعيدا عن التدخلات الخارجية.

ليبيا ما بعد المؤتمرات

بالرغم من أن المشاركين في مؤتمر برلين اتفقوا على إنشاء لجنة متابعة دولية تجتمع شهريا لتقييم تنفيذ توصيات المؤتمر، فإن خرق الهدنة بشكل متقطع في ساحة المعركة على جبهة طرابلس، تثبت هشاشة هذه المخرجات، كما أن اجتماع الجزائر لن يغير من الأمر شيئا، فأقطابا الصراع الامريكي-البريطاني ومن لف حولهما سيستمر ولن يتوقف ما لم يقطع دابره على أيادي المخلصين من أحفاد عمر المختار، فالدول الكبرى الطامعة في ثروات ليبيا لن تترك المجال الليبي لاعتبارات كثيرة منها الجيوسياسي والاقتصادي.

فبالإضافة إلى موقع ليبيا الذي يتوسط شمال إفريقيا ويشرف على أوروبا ويتميز أهله بحفظهم للقران وحبهم للإسلام فإن ليبيا تزخر بكنوز دفينة، فهي تملك أكبر احتياطي من النفط في إفريقيا، و 11 بالمائة من صحرائها تكفي ما يحتاجه العالم من الطاقة إذا استخدم في مجال الطاقة الشمسية.

ولن يستطيع أهلنا في ليبيا من قطع أيادي الغرب وأدواته المحلية إلا إذا التفوا حول قيادة سياسية مخلصة وواعية تملك مشروعا حضاريا إسلاميا تحرريا من كل القوى الاستعمارية،  تجمع القوى تحت راية الإسلام وتستفيد من عمقها الاستراتيجي في المنطقة، لتكون نقطة ارتكاز لدولة مؤهلة لجمع شعوب شمال إفريقيا في دولة تضطلع بالتغيير الشامل وبتحقيق المهام العظام.

قال تعالى: “إن الله لا يُغيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسِهم”

CATEGORIES
TAGS
Share This