لم يكن اقتراب قوات الضابط الليبي خليفة حفتر, من طرابلس, والمعاد إلى الخدمة العسكرية إثر الإطاحة بنظام “الموقوذ”، بعد عشرين سنة قضاها تحت رعاية المخابرات الأمريكية في الولايات المتحدة إثر صفقة تحريره من الأسر التشادي، بالأمر المفاجئ في الحقيقة، خاصة بعد أن هيأت له الظروف الإقليمية، والأوضاع الجزائرية المتقلبة، فرصة التمدد في كامل الشرق والجنوب الليبيين، وبعد أن لم يبق خارج نفوذه وسلطته إلا المنطقة الغربية والعاصمة طرابلس والمحاذية للحدود الجزائرية والتونسية.
استطاعت أمريكا أن تحقق وعبر مجلس الأمن، في جلسة مغلقة ليوم العشرين من مارس الماضي والمخصصة لليبيا، أمرين أساسيين كان لهما الأثر الفعال فيما تشهده ليبيا اليوم، بعد أن قدم فيها غسان سلامة والمكلف منذ جوان 2017 كمبعوث خاص للأمم المتحدة في ليبيا، إفادته عبر الدائرة المغلقة، عن الأوضاع هناك
1 ـ تجاهل الإشارة إلى اتفاق الصخيرات المبرم بتاريخ 17 ديسمبر2015 وعدم اعتباره مرجعا سياسيا في حل الأزمة.
2 ـ فرض الإعتراف العلني بأن القوات التي يقودها حفتر هي التي تمثل الجيش الليبي وقيادته والتهليل لقدرته على فرض الأمن في الجنوب والقضاء على ” الجماعات الإرهابية”
ومما أضفى مزيدا من المشروعية على تحركات حفتر، القوة الإعلامية الأمريكية، وأذنابها في الداخل الليبي، وفي الجوار، التي استطاعت أن تظهر بأن العاصمة طرابلس ليست أمنة و أنه لا مفر من حسم الأمور على الأرض و أن ليست هناك قوة في غرب ليبيا يثق فيها المجتمع الدولي كتلك التي تتبع القيادة في شرق البلاد، خاصة بعد أن أعلنت السفارة الأمريكية محذرة رعاياها في طرابلس من إحتمال وقوع هجوم إرهابي.
ومع إضفاء صورة أن ” القوات المسلحة “، أي الجيش الليبي، في تجاهل متعمد للقوات المسلحة التابعة لرئيس حكومة الوفاق الوطنية والمعترف بها دوليا، بقيادة حفتر والتي تشارك في معارك عنيفة في ضواحي طرابلس ضد ” ميليشيات مسلحة ” و” إرهابية “، يتم تغييب سلطة فائز السراج عن الرأي العام وأنها ليست المستهدفة بهذه العملية بل وصل الأمر حدّ اتهامها بالتستر وحتى التحالف مع ” الإرهابيين “، حين علق حفتر، حسبما أوردت بعض وسائل الإعلام تعليقه إثر لقائه الأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو غوتيريش، والتي انطلقت الأحداث العسكرية الجارية خلال زيارته لليبيا: إنه لن يحاور “الإرهابيين”. وهو الأمر الذي أربك الموقف البريطاني، الذي فقد بمجريات الأحداث في الجزائر السند والدرع الذي كان يكف، عن نفوذها في ليبيا، مغامرة ” المرتزق الأمريكي” لما صارنائب مندوبها لدى الأمم المتحدة، ” جوناثان آلن “، يوم الجمعة الماضي، يدعو قوات ” الجيش الوطني الليبي ” (هكذا) إلى الانسحاب ووقف النشاط العسكري، وحث جميع الأطراف إلى العودة لمسار العملية السياسية، وأنه لا يوجد حل عسكري في ليبيا، وهو الأمر الذي يبدو أن أمريكا عملت على تحقيقه بدفعها لعميلها في هذه المهمة القذرة بالزّجّ بأهلنا في ليبيا للاقتتال، في اتساق مع رؤيتها للحل في ليبيا، أي الدفع بعميلها إلى أن يصبح ندا للسلطة الموالية لبريطانيا في طرابلس بعد أن يصبح وضع حفتر العسكري، حاسماً أو شبه حاسم، فيصبح بذلك طرفا أساسيا فاعلا يوطأ ويمكن للنفوذ الأمريكي في ليبيا، بل وليكون نصيبها من النفوذ هو الأكثر والأوفر، وهذا لا يتأتى لها بإجراء الانتخابات في أجواء النفوذ البريطاني الأوروبي، فكان لابد من خلط الأوراق عسكرياً وإعادة ترتيب الأجواء في ليبيا لإنشاء طبقة سياسية جديدة موالية لها ثم بعد ذلك تجرى الانتخابات، ثم لتكون ليبيا الموطئ الذي يهيئ لها قرع أبواب تونس والجزائر بل وكامل شمال إفريقيا وما التحركات التي بدأت تشرئب بأعناقها في كل من موريطانيا ومالي وغيرها من البلدان ببعيدة عن أهداف أمريكا.
هكذا لا يزال التضليل السياسي، وعدم الوعي على حقائق الأوضاع، وخفاء حقيقة الأدوار التي يلعبها المتصدرون للمشهد العام، والمكر الذي تمكره القوى الدولية، وما تجده من مساندة من قبل المضبوعين بثقافتها والمستعدين لتقديم أي ثمن لقاء دور يُقدّم إليهم، يعصف ويهدد منسوب الحيوية التي دبت في الأمة نحو افتكاك إرادتها التي سلبت منها لعقود طويلة، نتيجةالانحطاط الفكري والسياسي والاقتصادي الذي أصيبت به، والذي يُعمل على تكريسه فيها بصرفها عن اتخاذ الإسلام والعيش به قضية لها. فالأمر، والحال أن أطراف الصراع في ليبيا هم مسلمون، سهل ميسور إذا صدق أهل الرأي فيهم من رؤوس الناس وقادتهم، بأن يجعلوا الأحكام الشرعية الحكم في فصل ما بينهم والقاضية على من بغى منهم، بعيدا عن الخطط والأهداف الإستعمارية.