مؤتمر وطني تحت شعار “مكافحة الفساد: مسار تشاركي” في حين أنّ النظام هو أصل الفساد وبيضته

مؤتمر وطني تحت شعار “مكافحة الفساد: مسار تشاركي” في حين أنّ النظام هو أصل الفساد وبيضته

محمد الحبيب الحجاجي

تحت شعار “مكافحة الفساد: مسار تشاركي” نظّم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالشراكة مع وزراة الشؤون الثقافية ووزارة التربية وبدعم من شركائها الدوليين الماليين والفنيين وهم مجلس أوروبا ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومركز جنيف لإدارة قطاع الأمن وبإشراف رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد يومي 8 و9 ديسمبر الجاري فعاليات المؤتمر الوطني الرابع لمكافحة الفساد وذلك بمدينة الثقافة بتونس وهو مؤتمر يهدف وفق ما أعلنت عليه الهيئة إلى التعرض لدور المشاركة المجتمعية في نشر ثقافة النزاهة والمساءلة ومدى تأثيرها على السلوك, وتضمّن برنامجه تقديم شهادات من المجتمع المدني في تثقيف النزاهة وتقديم المقاربة السلوكية كآلية مبتكرة لدعمها وتحديد دور الأطفال المنتخبين في ترسيخ قيم النزاهة للحد من مخاطر الفساد.

جريدة التحرير واكبت يوم الافتتاح الذي أقيم في أحد النزل بضاحية قمرت, وقدّم خلاله العميد شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والسيد يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء كلمة عقبتهما كلمة رئيس حكومة تصريف الأعمال, يوسف الشاهد الذي أعلن عن الافتتاح الرسمي لفعاليات المؤتمر وانتظم إثر ذلك أشغال الجلسة الأولى بتسيير من السيدة منية إبراهيم وتتعلّق بـ”الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد- المنج التشاركي لتنفيذ مبادرات خطة عملها 2019/2020″

وضمن المحور الثاني للمؤتمر والمتعلّق بـ”المحاسبة ومكافحة الإفلات من العقاب لتحقيق العدالة” قدّمت مداخلات لكل من ممثّل عن القطب القضائي الاقتصادي والمالي وممثّل عن محكمة المحاسبات والمكلّف العام بنزاعات الدولة وممثّل عن إدارة الشؤون الجزائية بوزارة العدل والسيد محمد العياري عضو مجلس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أكدوا من خلالها أنه بات من الحتمي فرض سيادة القانون للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب من خلال تدعيم الآليات الوطنية لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المحاسبة بموجب القانون, وأن القضاء يعدّ الجهة الموكول إليها تنفيذ العدالة من خلال فرضها الحماية الجزائية على جميع أفراد المجتمع وتعقّب مرتكبي جرائم الفساد ومحاكمتهم محاكمة عادلة.

وهنا سألنا ونسال مرّة أخرى كيف يرجوا الجماعة محاكمة عادلة بقوانين لا عدل فيها؟؟

وضمن المحور الثالث للمؤتمر والمتعلّق بـ”التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح بين التطبيق والتحديات” قدّم كل من السيدة نادية السعيدي عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والسيد فتحي باباي المدير العام للحوكمة بوزارة الشؤون الثقافية والسيد ناجي البغوري نقيب الصحفيين التونسيين والسيد يوسف بن تيلي عن جمعية البوصلة مداخلات تتعلّق بعرض تجارب الهياكل المشرفين عليها في ما يتعلّق بمحور الاهتمام, ذلك أنه بعد مرور سنة على إصدار القانون عدد 46 المؤرّخ في 1 أوت 2018 والمتعلّق بـ”التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح” كان لابدّ من تقييم التجربة خاصة على مستوى احترامه من قبل الأطراف المتدخلة والمعنية به, حيث تعتبر الهيئة أن هذه التجربة قد  أفرزت تفاوتا في الالتزام بأحكام القانون من قِبل الهياكل العمومية مقابل التفاعل المحتشم للهياكل غير العمومية, وهو ما يعتبر تلطيفا وتهذيبا لواقع الانفلات الكبير الذي شهدته السنوات الفارطة في موضوع الفساد بشتى أشكاله وأنواعه, وتنصّل الغالب الأعم من الأطراف المعنية بقانون التصريح بالمكاسب من مجرد المراقبة, فكم من مسؤول صلب الدولة عليه من الشبهات ما عليه وكم طرف رسمي يتفاخر بمظاهر الثراء الفاحش الذي يطرأ عليه بين ليلة وضحاها دونما خوف من حساب ولا عقاب…

وعند فتح باب التدخلات طرح حبيب حجاجي موفدنا للمؤتمر السؤال التالي:

ما الذي حال دون كشف الفساد, هل هو التوافق أم قانون المصالحة أم الحصانة أم ازدواجية الجنسية ؟

وكانت إجابة السيد يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء وغيره من المحاضرين في بيان مظاهر الفساد السياسي في تونس وتأثيراته على الإدارة ومؤسسات القضاء، تتلخص في التالي:

 -تونس تحتل المرتبة 73 عالميا في مقاومة الفساد

 -74 % من سكان تونس يتذمرون من الفساد

 -63 % يقولون بأن الفساد في كل القطاعات

 -تدخل السياسيين في القضاء

 -سقوط قضايا بمرور الزمن

 -طول إجراءات التقاضي

 -صندوق دعم العدالة أسقطه نواب البرلمان

– أعمال المجلس الأعلى للقضاء معطلة بجعل الإدارة تقوم بمهام القضاة التي كانوا يقومون بها في السابق, إضافة إلى إتلاف أدلة الفساد.

– نقص في القضاة عامة وفي القطب القضائي مع ضعف الوسائل.

– إمكانيات محدودة لمحكمة لمحاسبات.

– الحاجة ملحة لمدونة أخلاقية لمهنة القضاء

– انعدام التخصص في مكافحة الفساد لدى الإعلاميين

– الفساد وراءه لوبيات ومافيا مثل ما هو الحال في التجارة الموازية والتهريب

– الإدارة تفيض بالموظفين: توظيف 800 وزير وكاتب دولة ومستشارين في 9 سنوات

– عدم قدرة الحكومة على استرجاع الأموال المنهوبة داخليا وخارجيا, مع استفحال البطالة وغلاء الأسعار…

وذُكِر وزير المالية رضا شلغوم حيث وضع الشعب التونسي بين الاٍرتهان للمؤسسات المالية ولهيب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، أثناء جلسة استماع باللجنة المالية الوقتية للبرلمان المكلف بدراسة مشروع قانون المالية لسنة 2020 يوم 22 نوفمبر الماضي ، كما أشار إلى أن الحكومة المقبلة والبرلمان هما أمام خيارين، اٍما تعديل أسعار المحروقات أو التداين من الخارج متناسيا التفريط في الثروات للغرب ومنها المحروقات كغاز حقل “ميسكار” المقدّر بإنتاج 60 % من حاجيات تونس لبريطانيا…

هذا وقد أتى جلّ المحاضرين على بيان أنواع الفساد كالرشوة والاٍبتزاز والمساهمات في الحملات الاٍنتخابية بالأموال المشبوهة، وعن الظروف الملائمة للفساد، ذكر العجز المعلوماتي ونقص المحفزات (للكفاءات طبعا) والظروف الاٍجتماعية الصعبة والعجز القانوني.

أما أشكال الفساد السياسي الأكثر شيوعا فقيل اٍنها ممارسة النفوذ والاٍحتيال ومحاباة الأقارب مما يسهل النشاطات الإجرامية كتجارة المخدرات وغسيل الأموال والدعارة وجرائم أخرى. وتختلف ماهية الفساد السياسي من بلد إلى آخر. إذ تُعَد اٍجراءات التمويل السياسي، داخليا وخارجيا، قانونية في بلد معين، وغير قانونية في بلد آخر، مما يجعل من الصعب حينها التفريق بين ممارسة الصلاحيات والفساد، خاصة في البلدان التي توجد فيها جماعات مصالح قوية تلبية لرغبة الجماعات الرسمية التي تطبق النظام الرأسمالي البغيض كما هو الحال في بلادنا تلبية لرغبة الأجنبي النافذ سياسيا كبريطانيا وأمريكا وفرنسا، واقتصاديا مع البنك الدولي ذراع الاٍستعمار. ومما أثر على الاٍقتصاد تشويه الساحة التجارية بحماية الشركات ذات المعارف في الحكومة من المنافسة، ما يعني بالنتيجة استمرار وجود شركات غير كفئة.

ويولد هذا الفساد تشوهات اقتصادية في القطاع العام بتحويل الاٍستثمار فيه إلى مشروعات رأسمالية وذلك بزيادة التعقيدات الفنية لمشاريع القطاع العام فيؤدي إلى تردّي نوعية الخدمات, فبيع مؤسسات الدولة. ومن الفساد الاٍقتصادي ذهاب رأس المال إلى الخارج بدلا من استثماره في الداخل بإنشاء حسابات مصرفية في بنوك سويسرا مثلا، أو المساهمة في تنمية إقتصاد الغرب عموما.

ما لم يقله المحاضرون

ما لم يأتي عليه المحاضرون للأسف هو أصل الفساد ومنشأه, ألا وهو  الغرب الاٍستعماري الذي يستعمل العملاء سياسيا واقتصاديا وثقافيا، للهيمنة على بلادنا وثرواتنا ثمّ فرضه لنظامه الرأسمالي على العالم، ومنه بلادنا التي تدين بالإسلام الذي فيه من نظم الحياة ما يقي العالم بأسره من عبث أيادي الفاسدين.

تلكم الرأسمالية التي تناقض في عقيدتها فطرة التدين بأن جعلت للاٍنسان حقّ التشريع من دون الله ، حرا في عقيدته كحرية ارتداد المسلم عن دينه !؟، كما تدعي حرية الرأي، اٍلا أنها تضيق على معتنقي الإسلام وتحارب عقيدتنا وشريعتنا التي فيها فصل لكل نزاعات الانسان بأخيه الإنسان. و تقول بحرية الملكية المشروعة وغير المشروعة التي يقرها القانون الوضعي القائم على “نظرية الاٍلتزام” التي تبيح تبييض الأموال القادمة من عتمات الظلم والنهب وغسيل الملطخ بدماء الأبرياء منها. وأخيرا الحرية الشخصية كمظاهر العري والتفسّخ والإنحلال الأخلاقي. ( أي الحريات ال 4 في هذا المبدأ ).

وعن فساد الاٍقتصاد الرأسمالي, نذكر أنه يظهر في أسسه الثلاثة:

1- الندرة النسبية للسلع والخدمات كتعدد الحاجة الأساسية الواحدة عندهم، ويروج لهذا التعدد فوق الكمالي مافيات الاٍشهار.

2- قيمة الشيء المنتج. فالنافع فيه ما يدر ربحا كالخمر مثلا.

3- الثمن, فمن عنده المال, مشروعا أو غير مشروع, هو الذي يعيش الثراء الفاحش ويتمتع بالسلع حدّ التخمة على حساب الفقراء.

ولا بأس أيضا من التذكير بفساد الاٍقتصاد الاٍشتراكي بأسسه الثلاثة : 

1- تحقيق المساواة

2- إلغاء الملكية الخاصة

3- حصر الاٍنتاج والتوزيع بيد الدولة

فكل هذه الأسس تخالف فطرة البشر، فلا تراعي القدرات الطبيعية عند كل فرد، ولا تشجع على التنافس الشريف، وتهضم الحق في المحفزات  للمبدعين. أما الضعفاء فعلى الدولة في الإسلام أن توفر لهم حاجاتهم الأساسية والكمالية بالمعروف. ولا للإنتاج المفرط دونما أية حاجة، حتى لا يهضم حق الأجيال القادمة.

إنّ الفساد المستشري في تونس كما في بلدان العالم الإسلامي بأسره، لا يتمثل في بضعة أشخاص قد يُضحى بهم في مشهد درامي، أو في إطار تصفية حسابات شخصية بين أعمدة الفساد، بل هو منظومة لا زالت قائمة متربعة في سدة الحكم، تسعى للتلون في كل أزمة تستنسخ نفسها بوجوه جديدة، إذ هي منظومة تقوم على نظرة في الحكم تستمد أساسها من الرأسمالية الفاسدة، فصل الدين عن الحياة، وتستمد دعمها من غرب مستعمر يفرض أجنداته على البلاد علانية، ومنظمات الكفر والإفقار الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يستنزفان البلد بمديونية الربا الفاسدة، فعن أي فساد يتحدث الجماعة، والنظام القائم هو قوام كل الفساد وأصله وفصله؟!

وإنّ الفساد لا يحارب فعلا وعملا إلّا بقانون رب العالمين، الذي لا يجامل أحداً، ولا يحابيه مهما كان منصبه, وذلك بدولة مبدئية على أساس عقيدة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تجعل رضوان الله هو غاية الغايات، وتسهر على تحقيق العدل طاعة لله، فيكبح جماح الفساد، وينعم الناس بحياة كريمة.

قال تعالى: ” وابْتَغِ فِيما آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبغِ الْفَسَادَ فِي الأَرضِ ۖ إِنّ اللّه لَا يُحِبُّ الْمُفسِدِين (77) ” القصص

CATEGORIES
TAGS
Share This