مائة عام على وعد بلفور لن تعود فلسطين إلاّ بعودة الخلافة
في يوم 2 نوفمبر المقبل سيكون قد مر مائة عام على ما بات يعرف بوعد بلفور، الذي بمقتضاه قام وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور بتوجيه رسالة إلى اللورد ليونيل آرثر روتشيلد، أحد قادة التجمع اليهودي البريطاني لكي ينقلها إلى «الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وآيرلندا»؛ ومحتوى الرسالة كان وعداً بإنشاء وطن «قومي» لليهود في فلسطين.
وفي الحقيقة، فإن هذا الوعد لم يكن الوعد الوحيد الذي أطلقته بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى فيما يخص ما كان معروفاً أيامها بالشرق الأدنى (جاء تعبير الشرق الأوسط فيما بعد)؛ وإنما كانت هناك وعود كثيرة شملت الوعد بمملكة عربية موحدة في منطقة الهلال الخصيب عام 1916 فيما عرف بمراسلات «الحسين ـ مكماهون»، ووعود أخرى إلى فرنسا بتقسيم مناطق النفوذ في المنطقة ذاتها تحت عنوان ما بات معروفاً باتفاق سايكس ـ بيكو. كانت بريطانيا توزع الوعود ذات اليمين وذات اليسار، وكان جوهرها كلها هو وراثة الخلافة العثمانية، وما كان معروفاً وقتها برجل أوروبا المريض.
…وهكذا برزت مظاهر الطغيان الاستعماري بحق فلسطين، ولا نزال نعيش مظاهر وقعها السيئ إلى يومنا هذا، والذي من محطاته ما يسمّى وعد بلفور الذي صدر عام 1917 في اليوم الثاني من نوفمبر، بعد ذلك أصبح هذا اليوم محطة تتكرر كلّ عام، يستذكر من خلالها المسلمون عموما والفلسطينيون على وجه الخصوص ما حمله هذا الوعد من الحكومة البريطانية عبر وزير خارجيتها بلفور من ويلات ومصائب ما زلنا نعيش مرارة وقعها السيئ.
فبلفور هو ناطق باسم الحكومة البريطانية ووزير لخارجيتها، وحمل الوعد واشتهر باسمه وهو في الحقيقة كان وعد ممن لا يملك لمن لا يستحق،
فالحكومة البريطانية لا تملك فلسطين،…حتى وان سيطرت عليها بقوة السلاح واحتلتها، واليهود الذين لملموا من أقطار الأرض لا يستحقون أرض فلسطين.
وفور تسلّمه منصبه، صرح رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج، وبشكل رسمي, بأن بريطانيا سوف تحشد اليهود من كلّ دول العالم في صفها مما أدى إلى أن تتابعت هجرات اليهود من شتى أقطار العالم، فتوافدوا من مصر واليمن والحبشة والعراق، والهند، وأوروبا، وروسيا، وأمريكا. توافدوا في تجمع قومي ديني واحد، تمّ التعبير عنه “بإسرائيل”.
وشكّل عام 1948م ارتفاعا ملحوظا في عدد اليهود المهاجرين، ليصل إلى 650 ألف بعد أن كان خمسين ألفاً ثمّ توالت الهجرات بعد ذلك بشكل كبير.
وبحلول عام 1948 سُلِّمت فلسطين دون قتال, بعد دخول الجيوش العربية إليها, والتي زعمت حينها أنها دخلت لتحريرها, وحيث كان الفلسطينيون أهل البلاد منتصرين على اليهود في كل أنحاء فلسطين.
وهكذا عملت بريطانيا النصرانية على تمكين اليهود من قلب الأمة, بإعطائهم كل ما يريدون وأكثر مما يريدون، فزرعتهم في الأرض المباركة زرعا, وأسست لهم “دولة” في أرض الإسلام, واستمر التعاون بين اليهود والنصارى في هذا القرن، فأصدرت هيئة الأمم النصرانية، وريثة عصبة الأمم – والتي أسسها الحلفاء المنتصرون لتقسيم مناطق النفوذ فيما بينهم – قراراً بإنشاء “دولة اليهود” في فلسطين عام 1947.
وتسابقت الدول النصرانية الكبرى على الاعتراف بهذا الكيان، فتفتخر أمريكا النصرانية، شريكة الإنجليز في عداء المسلمين، بالاعتراف بهذه “الدولة” بعد إنشائها بإحدى عشرة دقيقة، …وهذا يعني أنّ العداء للإسلام جمع بين أطراف الكفر المتناقضة التي تُشابه قطعة العملة الواحدة ذات الوجهين …
وهكذا عادى اليهود المسلمين وتآمروا على الاسلام واستمر عداؤهم عبر التاريخ لم ينقطع ولم يتوقف. وتحالفوا مع القوى الإستعمارية والدولية المعادية للإسلام كافة، فلقد كان الجميع جبهة واحدة لتمزيق بلاد المسلمين وهدم كيانهم، وإبعاد الإسلام عن التأثير في الحياة، وتوجيه المسلمين توجيهاً خاطئاً. فنجحوا في ذلك وبلغوا الذروة في نجاحهم يوم هدموا الدولة الإسلامية فتسللوا إلى الأرض المباركة: فلسطين، وأقاموا دولة لليهود، وقد تم افتكاك كل فلسطين وسيناء والجولان.
وتأتي مئوية وعد بلفور المشئوم هذا في هذه السنة، بعد أن حلّت في العام المنقضي 2016 م على المسلمين الذكرى المئويّة لاتفاقية سايكس_بيكو المشئومة التي شكّلت سهما سامّا أودى بحياة الأمّة الإسلاميّة التي كانت توصف بالرّجل المريــــض آنذاك ففتّتت وحدة المسلمين وقسّمت أراضيهم وفرضت عليهم الحكم بغير ما أنــــزل الله.
فكان لهاته الإتّفاقيّة هدف محدّد وعلاقة وثيقة بضرب مشروع الخلافة العظيم بما فيه من التقسيم والتّجزئة للأمّة الإسلاميّة التي عاشت ردها طويلا من الزمن متوحّدة وموحّـــــدة ولما فيه كذلك من زرع كيان خبيث في قلب العالم الإسـلامي وإنشاد ” دولة يهود ” بوعد بلفور.
إنّ هذه الأرض مرتبطة بعقيدة المسلمين، سجّلت في كتاب الله بوصفها القبلة الأولى وبوصفها مسرى النبي ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم، وبوصفها الأرض المباركة، ولذلك فهي لا تخصّ الفلسطينيين وحدهم ولا تخصّ العرب وحدهم بل هي تخصّ المسلمين أينما كانوا وحيثما وجدوا،
وما دام كتاب الله موجودا على الأرض يتلى, وفي الأرض مؤمنون فليس هناك إستقرار “لدولة اليهود” وهي في طريقها بإذن الله تعالى لأن تصبح من مخلفات التاريخ كما أصبحت دولة الصليبيين في الشّام من قبلها من مخلفات التاريخ.
نعم إنّ قضية فلسطين هي جزء من قضية المسلمين المصيرية، وهي دولة الخلافة, فلم تُضَيَّع فلسطين وباقي بلاد المسلمين إلّا لما هدّمت دولة الإسلام, ولن تعود فلسطين وبلاد المسلمين إلاّ بعودة الخلافة. ومن يقول بعكس ذلك فإمّا أن يكون جاهلا وإمّا أن يكون خائنا متواطئا مع الغرب وعملائه من الحكام العرب، إذن وفي حيال ذلك وحتى يأذن الله سبحانه وتعالى بالنّصر والتمكين وقيام دولة الإسلام بإذن منه تبارك وتعالى, يجب على المسلمين جميعا في فلسطين وفي كل أنحاء المعمورة أن يهيئوا أنفسهم لهذا الحدث الخطير, ويعملوا له وأن يكونوا في حالة حرب مع اليهود، لا في حالة من هو على استعداد لتقديم تنازلات صاعقة في قضية فلسطين، لأنّها وباختصار شديد ليست ملكه ولا ملك أي تنظيم كي يتجرّؤوا ويقدّموا تنازلات كما يحلوا لهم، إنها أرض إسلامية محتلة ولا يجوز أن يجري فيها إلاّ حكم واحد، ألا وهو حكم الجهاد الذي نزل من فوق سبع سماوات ولا يملك أحد تبديله ولا تغييره, وهو ماض إلى يوم القيامة لا يبطله جور جائر ولا عدل.
إنّ الوضع الدولي في صالح المسلمين، فالدول الكبرى اليوم في حالة ضعف وتشرذم وانقسام وصراع مستميت على المصالح، أمّا “دولة يهود” فهي أقلّ منهم شأنا، حيث أنّها لا تعيش إلا متطفّلة على الآخرين، ولولا مساندة الغرب لها، بل والأهمّ، لولا خيانة الحكّام في بلاد المسلمين العملاء للغرب، لانتهى أمرها منذ زمن، ولأصبحت أثرا بعد عين، وهذا ما سيكون قريبا بإذن الله تعالى.
محمد زروق