ماذا عن تآمر الدولة على الشعب؟

ماذا عن تآمر الدولة على الشعب؟

الدولة يحيط بها المتآمرون والمندسون من كل جانب, ولا مجال لتركهم يتآمرون عليها لإسقاطها. من هذه السردية تنطلق سياسة الرئيس “قيس سعيد” واليها تنتهي.

المشاريع المعطلة والأزمات التي تكاد تأتي على الأخضر واليابس, حسب ما يدعيه “قيس سعيد”, من صنع المتآمرين على الدولة. وعد بالقضاء على الفساد وباسترجاع  أموال الشعب المنهوبة, وبالتالي سيتم القضاء على البطالة والفقر وتحلق المقدرة الشرائية وتبلغ عنان سماء الرفاه والرخاء, كل هذا حدث عكسه, والسبب هو “هناك من” يتآمر على الدولة, ولهذا أعلن قيس سعيد النفير العام وها هو يشن حربا طاحنة لا هوادة فيها على المتآمرين, وحتى التحوير الوزاري الذي قام به مؤخرا, يعتبره جزء من حربه على المتآمرين الذين تمكنوا من الالتفاف على موظفيه في الحكومة وجعلوا منهم أداة لتعطيل المرفق العمومي لإضعاف الدولة ثم إسقاطها.

حرب الرئيس لا تتجاوز كونها محاكاة سخيفة لحرب “دون كيشوت” التي شنها على طواحين الهواء, وفكرة اتهام مزاحميه على السلطة بالتآمر على الدولة, فيها من الاستخفاف بالعقول الشيء الكثير بل هي عين الاستخفاف بالناس والدجل عليهم, فهم من نتاج هذه الدولة ولا يبغون لها بديلا, منهم من كان في صلب هذه الدولة ومنهم من كان يدور في فلكها, وان حصل وعادوا للسلطة لن يحيد عنها وعن نظامها الديمقراطي, فكيف إذن يتآمرون عليها؟ كل ما في الأمر هم يعملون على الإطاحة بقيس سعيد لكونه افتك منهم قيادة الدولة وكل روافدها, ولا يمكن بأي حال من الأحوال التآمر عليها لإسقاطها, لأنهم ودون استثناء وكما ذكرنا في مرات سابقة نشئوا وتكونوا في حظائر المستعمر وارتووا من مياهه وشربوا حتى الثمالة من مستنقعات حضارته العفنة ليكونوا صنيعته ومن أذنابه, يدافعون على ما يسمى بالدولة الحديثة ويذودون عن نظامها الوضعي شأنهم شأن “قيس سعيد” وباقي حكام بلاد المسلمين. في المقابل هم بتمسكهم بهذه الدولة متآمرون على البلاد والعباد أو بالأحرى لنقل هذه الدولة هي المتآمرة على البشر والحجر, منذ بدايتها على يد “بورقيبة” أعلنت الحرب على أحكام الإسلام وكان أول ضحاياها المرأة المسلمة, فتحت غطاء حقوق المرأة, انسلخت المرأة عن أحكام السلام المتعلقة بها وتمّ رميها في غياهب وعتمة الحضارة الغربية, فسحقتها آلة التفسخ والانحلال وأصبحت فريسة لوحوش المال واللذة الحرام, ناهيك عن التفكك الأسري وتدمير أجيال وأجيال, ومن الشواهد أيضا على تآمر الدولة على الشعب, إتباعها لسياسة تعليم هجينة لا تنتح إبداعا ولا نصنع شخصيات قوية سليمة لخوض غمار الحياة برشد وتبصر..

وحتى تكون جريمة تآمر الدولة على الشعب مكتملة الأركان, فرطت في ثروات البلاد وخيراتها, واعتمدت أكذوبة أطلقها “بورقيبة” فحواها, أن تونس لا تملك من الثروات إلا ذكاء شعبها, هذه الأكذوبة مازالت الدولة تروج لها اليوم, وقد رددها  الرئيس “قيس سعيد” عديد المرات. نعم الدولة والقائمون عليها طيلة عقود طويلة هم من يتآمرون, وهم من يتواطؤ مع المستعمر ضد البلاد وأهلها. تراهم يتدافعون في ما بينهم. ويتراشقون بالتهم من باب المزايدات ليس إلا. فالرئيس يتهم خصومه بالتآمر على الدولة, وهم يرمونه بخطيئة تدمير الدولة وتفكيكها, الكل يجعل من الدفاع عن الدولة حصان طروادة ليزيح خصمه مما يمكّنه من خدمة الدولة المتآمرة على الشعب. هم مخلصون جميعا في تشبثهم بدولة الضرار هذه, ومرد إخلاصهم هذا هو إخلاصهم للمستعمر ولحضارته ولرؤيته للحياة كيف تدار وكيف تكون, فهم لا يعصون له أمرا ضنا منهم بأن رضاهم عنهم يمكنهم من البقاء في السلطة والتمتع ببعض الفتات المتناثر هنا وهناك فوق وتحت وبجانب موائد القوى الاستعمارية, التي بتسارع قادتها في ما بينهم خدمة لمصالحهم, لكن لا يتوانون مطلقا في خدمة الرأسمالي الذي منه النظام الديمقراطي. تماما كما يفعل خدمهم في بلادنا, يتناحرون في ما بينهم من أجل مصالحهم ومكاسبهم الضيقة, لكنهم لا يتنازعون البتة حول حتمية استمرار هذه الدولة ونظامها الوضعي وبالتالي ضمان تواصل هيمنة المستعمر على بلادنا, وهذا ما يتنافس عليه الرئيس وخصومه, أما مسألة تآمرهم على الدولة فهي شماعة يعلق عليها الرئيس فشل الدولة الفطري ولدحرهم من أمامه بقوة دون أي حرج أو احتياج لتبرير..

CATEGORIES
Share This