“ماكرون” في القمة الفرنكفونية: هل مدَح تونس أم أهانها !

“ماكرون” في القمة الفرنكفونية: هل مدَح تونس أم أهانها !

مرة أخرى يتأكد الوجه القبيح لفرنسا الاستعمارية المتعالية على الشعوب الأخرى والمتدخلة في شؤونهم الداخلية والخارجية دون احترام للحد الأدني من اللياقة الدبلوماسية المعتادة.

تدخل خارجي وقح في الشأن الداخلي

       فقد تعودنا من السياسيين الفرنسيين امتناعهم عن الحديث في مشاكلهم الداخلية في الزيارات الخارجية امام عدسات الصحفيين ولكن ما شهدناه اثناء القمة الفرنكفونية الأخيرة المنعقدة بأرمينيا في 11 اكتوبر الماضي كان تدخلا فاضحا في السياسة الداخلية في تونس, وذلك أثناء خطاب رسمي وجّه فيه “ماكرون” إهانة للأمة الإسلامية عموما والى الشعب التونسي خصوصا وعبّر فيه عن مدى الحقد الصليبي الذي تكنه فرنسا إلينا.

  • فكيف يسمح الرئيس الفرنسي لنفسه ان يصف الملايين من ابناء الامة الإسلامية الرافضين لنظام الحياة الغربي والمتمسكين بالأعراف الاجتماعية الإسلامية ب”الظلاميين” !

  • وكيف يسمح هذا الرئيس ان يتدخل في الشأن الداخلي التونسي في موضوع لم يتم الحسم فيه بعد! وكيف يسمح لنفسه ان يعتبر “السبسي” الذي شكّل لجنة الحريات الفردية والمساواة قائدا لمعركة ضد ” الظلاميين ” اليس هذا إهانة كبيرة موجهة للرافضين لتقرير هذه اللجنة وهم أغلبية الشعب التونسي !

  • أليست المعايير الديمقراطية في بلاده تقتضى نقاش الخلافات الداخلية بكل استقلالية داخل الهياكل السياسية للنظام ثم حسمها إما بالتصويت البرلماني او الاستفتاء , فبأي حق يتم التدخل في هذا الشأن الداخلي ووصف طائفة المعارضين ب”الظلامية” لمجرد التعبير عن الرفض , اليس هذا تشجيعا وتحريضا على الاقصاء!؟ في حين تعج ادبياتهم بالحوار واحترام الرأي المخالف, وعدم الاقصاء والتكفير!

ماكرون في نجدة تقرير لجنة المساواة

         ان ما قام به الرئيس الفرنسي “ماكرون” في القمة الفرنكفونية ليس مجرد تدخل سافر في أمور داخلية في خروج واضح عن الأعراف الدبلوماسية , بل هو محاولة دنيئة من جانبه لتقوية موقف “السبسي” ونخبته العلمانية, المعادية لعقيدة الامة الإسلامية وحضارتها, والفاقدة لأي سند شعبي امام الرفض الجماهيري الكبير لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة.

    العمق الصليبي في مواقفماكرون

           كما ان اللهجة التحريضية للرئيس الفرنسي والتي تدعو “السبسي”  للمضي قدما في محاربة ما وصفه ب “الظلامية” وتقديم الوعود له بالدعم في معركته تختلف عن اللهجة التصالحية التي تكلم بها في باردو في 01 فيفري 2018 حين مدح التوافق بين “النهضة” و”النداء” والتعايش بين الإسلام والديمقراطية.

         فهل تصريحاته الأخيرة في أرمينيا هي تغيير في الموقف الفرنسي وامتداد خارجي للخلاف الواقع بين جماعة “قرطاج” و”القصبة” , أم ان المجاملات الدبلوماسية اثناء زيارته لتونس هي التي اقتضت وقتها موقفا ناعما من حركة “النهضة” لم يعد له لزوم في وقتنا الحاضر خصوصا بعد ضبابية موقف النهضة من تقرير اللجنة, أم انه الحقد الصليبي الاعمى للرئيس الفرنسي وهو يرى علو صوت الامة في تونس والرافض لثقافة العري وقوانين الشذوذ وإطلاق الغرائز, ويرى أيضا فشل النخبة العلمانية الموالية للغرب في تسويق مفاهيمه البالية رغم التسهيلات والدعم الفرنسي المباشر والغير مباشر للجنة وللأبواق الإعلامية ومنظمات “المجتمع المدني” التابعة لهم.

عندما تستوي الإهانة والمديح لدى الاعلام البنفسجي

          ان ما يثير الاندهاش حقا في التغطية الإعلامية للعديد من القنوات الإعلامية في تونس , هو نقلهم لتصريحات الرئيس الفرنسي على انها مدح لتونس وللتجربة التونسية في مجال الحريات دون إشارة أو تلميح من قريب أو بعيد لقدر الإهانة التي لحقت “السبسي” الجالس في القمة الفرنكفونية, أو للنظام السياسي التابع الذليل للغرب والذي لم يحرك ساكنا, وكأنهم يجدون متعة في تلقي الاهانات والاوامر الخارجية, كما هو حاصل مع “آل سعود” مع “ترامب”, مع انهم يدركون ويشاهدون حساسية الدول الغربية تجاه كل من يتدخل من قريب او بعيد في مشاكلهم الداخلية , وهذا دليل آخر على ان فقدان السيادة ليس سمة الحكام فقط, بل هو سمة كل الطبقة السياسية والإعلامية المتحكمة في المشهد السياسي والإعلامي في تونس.

      ان فقدان السيادة عند الجماعات  كفقدان الرجولة عند الافراد , وهي مصيبة تحول دولة الحقيقية الى مجرد دولة وظيفية عميلة, أو ما يعبر عنه بجمهوريات الموز, التي لا تعرِف من صفات الدول إلا الاسم او الشكليات الفارغة والانتخابات الصورية المخترقة من اللوبيات والسفارات الأجنبية, فتحرير الإرادة من التسلط والنفوذ الأجنبي هو أوكد الواجبات, ولا يوجد في الدنيا نظام يؤمّن السيادة والعزة والكرامة للفرد والمجتمع مثل نظام الإسلام ودولته الرشيدة.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This